رواه البخاري في "الأدب المفرد" (رقم/300) والترمذي في "السنن" (2346) وقال : حسن غريب .
وقال الشيخ الألباني رحمه الله بعد تخريجه الحديث عن جماعة من الصحابة : " وبالجملة ، فالحديث حسن إن شاء الله بمجموع حديثي الأنصاري وابن عمر . و الله أعلم . انتهى. "السلسلة الصحيحة" (رقم/2318)
شرح الحديث: يقول المباركفوري رحمه الله:
" قوله : ( من أصبح منكم ) أي : أيها المؤمنون . ( آمناً ) أي : غير خائف من عدو . ( في سِربه ) أي : في نفسه ، وقيل : السرب : الجماعة ، فالمعنى : في أهله وعياله . وقيل بفتح السين أي : في مسلكه وطريقه ، وقيل بفتحتين أي : في بيته . كذا ذكره القاري عن بعض الشراح . وقال التوربشتي : ( معافى ) اسم مفعول من باب المفاعلة ، أي : صحيحاً سالماً من العلل والأسقام . ( في جسده ) أي : بدنه ظاهراً وباطناً . ( عنده قوت يومه ) أي : كفاية قوته من وجه الحلال . ( فكأنما حيزت ) : بصيغة المجهول من الحيازة ، وهي الجمع والضم . ( له) الضمير عائد لـ ( من ) ، وزاد في " المشكاة " : " بحذافيرها " . قال القاري : أي : بتمامها ، والحذافير الجوانب ، وقيل الأعالي ، واحدها : حذفار أو حذفور . والمعنى : فكأنما أعطي الدنيا بأسرها " انتهى.
"تحفة الأحوذي" (7/11)
انتهى.
موضوعي:
يتضح من الحديث وشرحه أن حيازة الدنيا بتمامها، أي إمتلاكها، إنما يرتكز إلى ثلاثة مرتكزات أساسية، وهي: الأمن، والصحة، والقوت.
تلك المرتكزات الأساسية التي تتحقق بموجبها الحياة السعيدة الهانئة؛ لا تتحقق هكذا بمفردها، وإنما لابد من العمل لتحقيها، والحقيقة أن مسئولية تحقيقها تقع على عاتق الدول، بينما المحافظة عليها تقع على عاتق الأفراد.
إذن هناك سؤال دائم، كيف يمكن تحقيق تلك المرتكزات الأساسية؟ ولنبدأ بالمرتكز الأول:
أولاً/ الأمن:
لكي يتحقق الأمن الاجتماعي لأي دولة لابد من: 1) إقامة العدل والمساواة بين أفرادها، والعدل ليس في الأحكام القضائي والشرعية فقط، وإنما في التوظيف، وتوزيع الثروة على مستحقيها، وغيرها مما ينبغي فيه العدل والمساواة بين جميع المواطنين.
2) القضاء على العطالة عن طريق التوظيف، فلقد أثبتت الدراسة أن تكلفة العطالة على الدولة أكبر من تكاليف التوظيف، ولعل التوظيف يسهم في إنخفاض معدل العطالة، ويخفف حالة الفقر، ويخفض من نسبة الجريمة، فالجريمة في الغالب ترتبط ارتباطاً مباشراً بالفقر والعطالة.
3) القضاء على الفقر، بتوظيف القادرين على العمل، وصرف الرواتب لغير القادرين، وهذه الرواتب يمكن أن يخصص لها ريع خاص من عدة جهات.
4) مراقبة الأسواق، والقضاء على غلاء الأسعار والفوضى التجارية التي يمكن للمتنفذين إحداثها من أجل زيادة أرصدتهم على حساب الوطن والمواطن.
إذن إنتشار الظلم، والفقر، والعطالة، وغلاء الأسعار، تتسبب في ضياع الأمن، وعلى الدولة صناعته.
ثانياً/ الصحة: تتحقق الصحة العامة عند محاربة الأمراض، وحماية الغذاء، ومنع كل ما يسبب إعتلال الصحة من المسكرات والمخدرات والتدخين، مع الاهتمام بوضع المستشفيات والأدوية، وكل هذه مسئولية الدولة، أما مسئولية الفرد فهي المحافظة على صحته الخاصة.
ثالثاً/ القوت: لا يمكن توفير القوت مجاناً، إذ لابد أن تدفع مقابل له، وهذا المقابل يأتي من العمل، أو إعانة الفقر، ولهذا على الدولة توفير العمل للقادرين عليه بمرتبات تتناسب الأسعار، وصرف إعانة الفقر لغير القادرين على العمل، على أن تكون الإعانة تناسب الأسعار أيضاً.
الخلاصة:
إذن لكي تصبح أمناً في سربك، على الدولة أن توفر لك الأمن، وعليك المحافظة عليه، ولكي تكون معافى في جسدك، على الدولة أن تحمي غذاءك ودواءك، وعليك أن لا ترمي بنفسك فيما يُذهب صحتك، ولكي يكون عندك قوت يومك، على الدولة أن توفر لك العمل بأجر كافي، وأن تحميك من غلاء الأسعار، وعليك أن تعمل ولا تركن للكسل، وأن لا تضيع مالك فيما لاينفعك.