يعد بن برنانكي واحدا من أبرز رجال الاقتصاد في المجتمع الأميركي؛ حيث يتمتع بحجة ومنطق قائمة على البيانات والحقائق والأرقام القائمة، لذلك عندما يدرك عدم إلمامه بموضوع ما أو نقطة معينة لا يحاول التظاهر بمعرفتها والاسترسال فيها، وإنما يعترف بعدم إلمامه بها. كما أنه تخصص في دارسة الكساد العظيم الذي ضرب الاقتصاد العالمي في ثلاثينيات القرن الماضي، حيث أدرك تماماً أن السلبية الكبيرة التي تعامل بها مجلس الاحتياطي الفيدرالي آنذاك لعبت دوراً كبيراً في تفاقم آثار هذه الأزمة، من خلال الرفض التام من جانب القائمين على إدارته في ذلك الوقت لضخ مزيد من النقود في الاقتصاد الأميركي.
وبسبب هذه السياسات، فإن بن برنانكي أدرك الدروس المستفادة من خبرة الكساد العظيم، لذلك بمجرد بداية اندلاع الأزمة في سوق العقارات الأميركية، تم وضع عدد من خطط الإنقاذ والدعم، التي هدفت إلى ضخ تريليونات الدولارات في الاقتصاد الأميركي، كما عمل على تخطيط كثير من عمليات الإنقاذ العام لكثير من مؤسسات القطاع الخاص، هذه العمليات منعت انهيار كثير من هذه المؤسسات الكبيرة، كما خفض معدل الفائدة ليصل إلى الصفر.
نشأته
ولد بن شالوم برنانكي في 1953، في نورث أوغوستا في ولاية ساوث كارولينا، وتربى في منزل ريفي، فيما كان والده فيليب صيدلانياً، ويدير مسرحاً لبعض الوقت، ويمتلك أيضا متجراً للأدوية (صيدلية)، وكان الابن يساعد والده من حين لآخر. أما والدته إندا فكانت تعمل مدرسة في التعليم الابتدائي، وكان بن برنانكي هو الأكبر بين 3 إخوة، وكان أخوه الأصغر محامياً في تشارلوت في ولاية نورث كارولينا، وأخته شارون عملت لفترة طويلة مديرة لـ «مدرسة بيركلي للموسيقى» في بوسطن.
التعليم
تلقى بن برنانكي تعليمه في مدارس «إيست إلمينتري» و «جيه في مارتن» و «ديلون الثانوية»، ونظراً لأن مدرسته كانت لا تعلم الإحصاء، تعلم على حسابه الشخصي. والتحق بجامعة «هارفارد»، حيث عاش في وينثروب هاوس، وحصل على درجة البكالوريوس في الآداب تخصص اقتصاد في 1975، ثم نال درجة الدكتوراه في الفلسفة في علم الاقتصاد من معهد «ماسوشيستس للتكنولوجيا» في 1979، وكانت رسالة الدكتوراه التي قدمها بعنوان (الالتزامات طويلة الأمد والتفاؤل الديناميكي والدورة الاقتصادية).
نادل في مطعم
عمل بن برنانكي في المعمار؛ حيث شارك كعامل في بناء أحد المستشفيات، كما عمل نادلاً في أحد المطاعم بالقرب من «ساوث أوف ذا بوردر» في مدينته ديلون أثناء المرحلة الثانوية وظل يعمل نادلا بعد دخوله الجامعة؛ حيث كان يعمل أثناء العطلات الصيفية.
حياته المهنية
درس بن برنانكي في كلية «ستانفورد للدراسات العليا» خلال الفترة من 1979 وحتى 1985، كما عمل أستاذاً زائراً في جامعة «نيويورك»، قبل أن يعمل أستاذاً مقيماً في جامعة «برنستون»، وترأس قسم الاقتصاد هناك خلال الفترة من 1996 وحتى سبتمبر 2002، عندما تركها للعمل في الخدمة العامة، وخلال الفترة من 2002 حتى 2005 عمل كعضو في «مجلس إدارة محافظي مجالس الاحتياطي الفيدرالية».
المرحلة الفاصلة في حياته
خلال الفترة من 2002 حتى 2005 عمل كعضو في «مجلس إدارة محافظي مجالس الاحتياطي الفيدرالية»، وهناك اتضح مذهب برنانكي، وتحدث بداية عن «الاعتدال العظيم»؛ حيث افترض أننا في عصر جديد، حيث قلصت سياسات الاقتصاد الكلي الحديثة تذبذب الدورة الاقتصادية، ثم عمل كرئيس لمجلس المستشارين الاقتصاديين للرئيس الأميركي السابق جورج بوش، وفي أول كلمة له كمحافظ كانت بعنوان «الانكماش: لنتأكد أنه لن يحدث هنا»، كشف الرجل عن ما عرف بعد ذلك باسم «مذهب برنانكي» ثم ما لبث أن عينه بوش رئيساً لـ «مجلس الاحتياطي الفيدرالي» في فبراير 2006.
التوسع في نفوذه
وفي شهره الأول كرئيس لـ «المركزي الأميركي»، وصف الرجل بأن لديه صعوبات في التعاطي مع وسائل الإعلام، وعلى الرغم من أنه كان من أبرز المدافعين عن أن تكون سياسات «البنك المركزي» أكثر شفافية ووضوحاً أكثر من سابقه غرينسبان، اضطر للعزوف عن فكرته الأولية بشأن الإفصاح عن أهداف التضخم، وتلك التصريحات التي من شأنها التأثير على أسواق المال. وخلال الفترة الأولى في منصبه الحالي، تمتع «المجلس الاحتياطي الفيدرالي» بأكبر زيادة في نفوذه منذ إنشائه في 1913.
التجديد له لفترة ثانية
وفي بيان مقتضب في 25 أغسطس 2009، أعلن باراك أوباما ترشيحه لبن برنانكي لفترة ثانية على رأس منصبه، قائلاً إن «خبرته ووسطيته وشجاعته وإبداعه ساعدت على الحيلولة دون وقوع كساد كبير في 2008».
ولكن عندما بدأت اللجنة المصرفية التابعة لـ «مجلس الشيوخ» جلسات الاستماع بشأن ترشيحه في 3 ديسمبر 2009، كشف عدد من أعضاء مجلس الشيوخ أنهم لن يؤيدوه لفترة ثانية، وعلى الرغم من ذلك، تم تأكيد تعيينه في 28 يناير 2010، حيث جاء التصويت لصالحه من 70 عضواً، مقابل 30 رفضوا ترشيحه، ليصبح أصغر هامش رفض لأي شاغل للمنصب في تاريخ المجلس.
شخصية العام
في استفتائها السنوي، اختارت مجلة «التايم» بن برنانكي شخصية العام 2009، نظراً للجهود الكبيرة التي بذلها لإنقاذ الاقتصاد الأميركي من الانهيار بسبب الأزمة المالية. وفي تعريفها لبن برنانكي، أكدت أن مظهره وسلوكياته البسيطة لا تنم عن الذكاء الكبير الذي يتمتع به، فهو لا يتبع سلوكيات كبار الموظفين التي تنم عن الفخامة والثراء في العاصمة الأميركية، وليس له ذلك الحضور الكاريزمي الذي يتمتع به كثير من السياسيين على الساحة الأميركية.
ووصفه ريتشارد ستينجل، مدير تحرير المجلة، بأنه الرجل الأكثر قوة والأكثر تأثيراً في حياة المواطنين الأميركيين في ذلك العام، وأكد أنه أحد الدارسين العظام للكساد الكبير، وبخبرته المهنية والأكاديمية رأى أن هناك كساداً كبيراً آخر يهدد الاقتصاد العالمي، لذلك بذل قصارى جهده من أجل مواجهة هذه الكارثة، ومنعها من تحقيق الآثار المدمرة، كتلك التي شهدها العالم عندما حدث الكساد الأول في ثلاثينيات القرن الماضي، وأضاف ستينجل أن بن برنانكي شخصية مثيرة للجدل، فهو شخص جمهوري تم تعيينه في منصبه من جانب الرئيس الديمقراطي.
واستعرضت المجلة عدداً من العقبات والآثار السلبية التي خلفتها الأزمة، ومجموعة الخيارات الصعبة التي كان على بن برنانكي الاختيار فيما بينها، فالأداء الاقتصادي تدهور بصورة مخيفة، ومعدل البطالة تعدى في بعض الأحيان مستوى الـ%10، كما أن العاملين في مؤسسات «وول ستريت» المالية اتسموا بالجشع، وما يزالون ينفقون ببذخ، على الرغم من عدم تحقيقهم لأي تقدم يذكر، بل إن مؤسساتهم لا تزال تعاني كثيراً من الصعوبات المالية والإدارية بسبب الأزمة، وأدرك بن برنانكي أن الأمور يمكن أن تصبح أسوأ إذا لم يسرع «البنك المركزي» في التدخل بالشكل الملائم من أجل وقف هذه الآثار السلبية ومنع حدوث مزيد من التدهور، لذلك كان لا بد من التدخل، لأن ترك العديد من المؤسسات الكبرى تنهار سيكون له آثار مدمرة على مستقبل الاقتصاد الأميركي.
رؤيته الاقتصادية
ألقى بن برنانكي عدداً من المحاضرات في كلية «لندن للاقتصاد» عن النظرية والسياسات النقدية، وألف 3 كتب في الاقتصاد الكلي، وآخر في الاقتصاد الجزئي، وكان مديراً لبرنامج الاقتصاد النقدي في «المكتب الوطني للأبحاث الاقتصادية» ومن المعروف عن بن برنانكي اهتمامه بالأسباب السياسية والاقتصادية التي أدت إلى الكساد الكبير في فترة الثلاثينيات، والتي نشر في شأنها عدداً من المقالات الصحافية الأكاديمية، ولذلك ركز بن برنانكي بصورة أقل على دور «مجلس الاحتياطي الفيدرالي»، وبدرجة أكبر على دور البنوك والمؤسسات المالية الخاصة؛ حيث رأى أن الاضطرابات المالية خلال الفترة من 1930 وحتى 1933 قلصت كفاءة عملية التخصيص الائتماني، وأن ارتفاع التكلفة الناتج، وتراجع توافر الائتمان، عملا على تقليص الطلب الإجمالي.