إبراهيم بن محمد الناصري
المستشار القانوني العام السابق لهيئة السوق المالية
قبل عشر سنوات أسست أرامكو السعودية و (سيميتومو) اليابانية مشروع (بترورابغ) واستحوذ المشروع على مصفاة رابغ العتيقة المتهالكة إضافة إلى بناء مصنع بتروكيماويات عملاق. وتم طرح المشروع للاكتتاب العام عبر بيع (25%) للمواطنين من أجل استيفاء شرط الحصول على الدعم الحكومي لغاز اللقيم للمصنع.
وكان سعر الطرح العام (21) ريالاً للسهم (السعر الحالي أقل من ذلك بكثير). وقد اندفع المواطنون نحو الاكتتاب بسبب ثقتهم في أن أرامكو السعودية لن تُضمر لمواطنيها إلا الخير. ولكن بترورابغ خيّبت آمال المستثمرين السعوديين بتحقيقها خسائر مُزمنة ومستمرة وغير مُبررة، كان آخرها الخسارة الحادة خلال الربع الأول من هذا العام بالرغم من ارتفاع أسعار البتروكيماويات وهوامش تكرير النفط.
إن هذا السجل الطويل من الإخفاق والفشل لا يمكن تبريره عبر النظريات التقليدية، فكل شركات البتروكيماويات السعودية ذات الظروف المماثلة حققت أرباحاً مجزية عدا بترورابغ. ولا يُمكن الاحتجاج بعدم ربحية قطاع التكرير، لأن المئات من الشركات العملاقة المتخصصة بالتكرير حول العالم تُحقق أرباحاً بصورة روتينية.
مما لا شك فيه أنه يوجد خلل بنيوي هيكلي في الشركة يجعل الشريكين الكبيرين، أرامكو وسيموتومو، يمتصان أرباح الشركة بما في ذلك الدعم الحكومي الكثيف، ويحققان من المشروع منافع كبيرة مباشرة وغير مباشرة، وذلك عبر حصولهما على عدد من الميزات التي لا تتوفر للمساهمين من المواطنين؛ من ذلك على سبيل المثال: نسبة ثابتة مقتطعة من إجمالي المبيعات على هيئة عمولة تسويق رغم عدم الحاجة له (أعلنت الشركة عن تخفيضها ولكن دون جدوى)، وإمكانية تحكّمهما، باعتبارهما المهيمنَينِ على الإدارة، بالمنتجات كماً ونوعاً بما يخدم مصالحهما وليس استهداف الربح، واستفادتهما من عقود البناء والتأسيس، وبيعهما أو تأجيرهما براءات الاختراع ونحوها على الشركة..
أما مئات الآلاف من المواطنين الذين اندفعوا للاكتتاب في مشروع وطني، والذين لولا وجودهم في الشركة لما أعطتها الحكومة غاز اللقيم بالسعر المدعوم، فلم يجنوا سوى خيبة الأمل المريرة والخسائر الفادحة.
والآن؛ ما هي الخيارات المتاحة أمام المساهمين؟ في ظل هيمنة الشريكين الكبيرين على مجلس الإدارة والجمعيات العامة فإن تلك الخيارات محدودة. يُمكن مثلاً التحري بشأن الخلل الهيكلي في بُنية الشركة وإثباته عبر دراسة نشرة الإصدار والقوائم المالية المُعلنة خلال السنوات الماضية ومُقارنة النتائج مع المشاريع المماثلة؛ فإذا تبين أن المشروع لم يكن مُجدياً ابتداءً بسبب نموذج العمل الوارد في نشرة الإصدار فإن المستشار المالي الذي أدار عملية الطرح العام وأعد دراسة الجدوى والتحقق المالي النافي للجهالة يكون مسؤولاً مسؤولية كاملة عن تعويض المساهمين المتضررين.
وإذا كان سبب الخسائر الجسيمة ليس بنيوياً وإنما بسبب سوء الإدارة وإساءة استغلال الشريكين الكبيرين علاقتهما مع الشركة وتعارض المصالح فإن للمساهمين عبر جمعية عامة أن يصوتوا على قرار بإقامة دعوى ضد الشريكين مع استبعاد أصواتهما من هذا القرار، وإقامة دعوى المسؤولية ضد أعضاء مجلس الإدارة بأشخاصهم.
وبالنسبة للطرف الياباني فإن كان يعلم عن أي خلل بنيوي عند تأسيس الشركة، أو كان يجدر به أن يعلم، فيُمكن مقاضاته في اليابان. وإضافة إلى المسؤولية القانونية تظل شركة أرامكو السعودية مسؤولة أخلاقياً أمام المواطنين، وإدارياً أمام الحكومة. كما أن الشركة اليابانية تُعد أيضاً مسؤولة أخلاقياً، حيثُ يُفترض أن تتحلى بالحد الأدنى من الأخلاق اليابانية والمسؤولية الاجتماعي