لاحظ موقع "برافدا.رو" أن سعي الولايات المتحدة لإنشاء دولةكردستان في شمال سوريا والعراق يهدف استراتيجيا إلى إنشاء بؤرة جديدة من الاضطراب المديده في الشرق الأوسط
في الفترة الأخيرة، أصبح احتمال ظهور كيان دولة كردي في شمال سوريا والعراق أكثر حيوية. ووفقا لتقارير وسائل الإعلام، فإن الولايات المتحدة لا تراهن على القوات المسلحة الكردية في الحرب ضد "داعش" فقط، بل يبدو أن واشنطن أعطت الكرد موافقة مبدئية على حق تقرير مصيرهم في دولة مستقلة. ولو نظر أي مختص في شؤون الشرق الأوسط في هذا الوضع، فإن أول شيء سيتبادر إلى ذهنه هو أن ظهور دولة كردية لن يساعد على حل أي من المشكلات القائمة في المنطقة، بل على العكس من ذلك سيخلق مشكلات جديدة لا حصر لها. لذلك، فإن خطة إنشاء دولة كردستان، كائنا من كان واضعها أو منفذها، يمكن أن تحمل هدفا استراتيجيا واحدا فقط - إنشاء بؤرة جديدة من الاضطراب على المدى الطويل، سيتم استخدامها كأداة للضغط على المستويين الإقليمي والعالمي. وانطلاقا من هذه البديهة، يمكن الإجابة على سؤال محدد حول – من الذي يحتاج إلى ظهور دولة كردستان، ولماذا؟ أولا، إنها إسرائيل - فكردستان قطعيا سوف تكون معادية للعرب، وهذا يعني أنها ستصبح حليفة لإسرائيل تلقائيا، وبالتالي في تحقيق حلم الدولة اليهودية التي تطمح إلى تحقيقه منذ زمن طويل. إن ظهور دولة كردية تملك جيشا ذا خبرة وتسليح جيد، قادر على إحداث تغيير جذري في ميزان القوى في الشرق الأوسط لمصلحة إسرائيل، والحد من مستوى التهديد، الذي يواجهها بشكل مستمر. وبتعبير آخر، إن ظهور دولة كردستان يعني بداية متميزة لعهد جديد في تاريخ إسرائيل. فهو يضع في يديها ترسانة ضخمة من السبل والوسائل لتحقيق أهدافها الاستراتيجية. ثانيا، الولايات المتحدة والحليف الاستراتيجي لإسرائيل – ويمكن الاكتفاء بهذا السبب، ولكن يضاف إليه أن واشنطن عبر إنشاء دولة كردستان، ستحل العديد من مشكلاتها النوعية، وكحد أدنى ستستفيد واشنطن من هذا الوضع في توسيع قائمة العملاء الإقليميين: دولة كردستان لن تكون فقط معادية للعرب ومؤيدة لإسرائيل، بل ستكون أيضا موالية للولايات المتحدة. وهذا بدوره سيمنح الأمريكيين إمكانية حركة أكثر تنوعا على المستوى الإقليمي، وإنفاق الأموال على نحو أكثر فعالية في هذا الشأن. وإضافة إلى ذلك، سوف تصبح كردستان أداة منفصلة وقيمة للغاية لإدارة سير الأحداث والصراعات الكثيرة جدا في المنطقة، ولا سيما أن الكثير من هذه المشكلات أخذ، مع مرور الزمن وتغير الأجيال، يفقد الخاصية الأكثر أهمية من وجهة نظر العرف والتقاليد في السياسة الأنجلو-سكسونية. إذ إن هذه الصراعات لم تعد تلعب دور الخطوط الفاصلة، ومثل الجروح القديمة يجري تضميدها وصناعة نسيج جديد يوحد بينها في العلاقات الإقليمية، ومكان الكراهية الشديدة تظهر براعم التعاون ونواة التفاعل بين الأطراف، التي كانت لدودة في كراهية بعضها لبعض. إنه فن الحسابات القديمة التي يعيش وفقها الشرق الاوسط منذ ألوف السنين، ولا خيار آخر غيره: لو لم يتم لأْم الجروح القديمة، لقضت الشعوب التي تعيش هناك بعضها على بعض منذ زمن بعيد. ومثل هذه العمليات تجري في وقتنا الراهن في الشرق الأوسط. وعلى الرغم من أن ذلك يبدو لبعض غير ممكن، ولكن رؤيته ممكنة بخاصة في مسألة الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي، العربي–الإسرائيلي، حيث لم تعد المواجهة بين الطرفين كما كانت عليه قبل عشرين عاما أو ثلاثين. ومهما قيل حول ذلك، فإن أطراف الصراع أكثر وأكثر إصرارا، وبوعي أكبر يبحثون ويجدون سبلا للحوار. وهذا يعني أن الأحداث الاقليمية أخذت تكتسب ديناميكيتها الداخلية الخاصة بها، وأن السيطرة عليها من الخارج أصبحت على نحو متزايد أكثر صعوبة. وهذا ما لا يقبل به الأنغلو–ساكسونيون والولايات المتحدة. لذلك، من الضروري إنشاء المزيد والمزيد من خطوط تقسيم جديدة وصراعات جديدة. وهكذا جرى تفعيل ما يسمونه الآن قضية العلاقة بين السنة والشيعة، التيارين الرئيسين في الإسلام الواحد، واللذين تعايشا معا في سلام وتعاون على مدى قرون طويلة من الزمان. بيد أنه الآن يتم تضخيم أسطورة الكراهية والعداء بينهما، إلى الحد الذي بات كثيرون يعتقدون أن (العلاقة بين السنة والشيعة) هي العامل الحاسم في تطور أوضاع المنطقة. وهكذا أيضا، وجدت "القضية الكردية" في شكلها المعاصر، ويجري ترسيخها في ذهن الرأي العام العالمي، بأن حق تقرير المصير للشعب الكردي حتمية مطلقة. ولا أحد يأخذ بعين الاعتبار تجربة قرون من التعايش السلمي المشترك بين الكرد والعرب أو مع غيرهما من الأعراق الأخرى التي تعاقبت في التاريخ. فالمطلوب هو الصراع – ويعملون على تضخيمه بعناية، وبغض النظر عن إمكانياته التدميرية الهائلة: الدولة الكردية بحكم التعريف ليست فقط معادية للعرب، بل ضد الأتراك وضد الإيرانيين. وظهورها في الوقت الراهن على حدود إيران الشيعية وتركيا السنية، والتي ستطرح مطالب إقليمية بالتحالف مع إسرائيل والولايات المتحدة – كل ذلك سيقحم المنطقة في دوامة جديدة من الحروب والرعب ولأمد طويل. وبمعنى آخر، من وجهة نظر المنطق الإقليمي، فإن ظهور كردستان يمكن مقارنته ليس مع كوسوفو البلقانية، بقدر ما هو أقرب إلى إسرائيل في الفترة الأولى من وجودها. وفي ظل كل ذلك، يجب الأخذ بعين الاعتبار تلك الحقيقة، وهي أن الكرد أنفسهم غير موحدين، وأن هذا السيناريو المعد سيأخذ بعين الاعتبار الاقتتال الداخلي والمستمر والصراع على السلطة والموارد وتفشي الحروب الأهلية دوريا، وهذا ما سيذكر أكثر بفلسطين أو لبنان في زمن الحروب الأهلية. دولة كردستان التي ستنشأ في ظروف الحرب - سوف تصبح مصدرا لعدم الاستقرار والصراع على تخوم عدة حضارات: العربية والتركية والإيرانية، وفي الوقت نفسه في قلب العالم الإسلامي و"الشرق الأوسط الكبير".