أوروبا القلقة المرعوبة
إن إجراءات وتصريحات عدة قادة أوروبيين الخاصة بمنع الوزراء الأتراك من لقاء الجالية التركية ببلدان الاتحاد الأوروبي هي انحياز سياسي واضح، ورفض صريح للتعديلات الدستورية التي سيستفتى عليها الشعب التركي في أبريل/نسيان المقبل، وترويج ودعم مباشر لحملة "لا للتعديلات الدستورية".
فإلغاء السلطات المحلية الألمانية اجتماعين لوزيرين تركيين مرخص لهما، وتبرير ذلك بأسباب أمنية، وحماية النظام العام مرة، وبنقص في المرافق الخدمية مرة، يظهر بجلاء تخوف ألمانيا "سيدة أوروبا" من تصويت الجالية التركية بألمانيا، والشعب التركي بـ"نعم" للتعديلات الدستورية، التي ستحول نظام الحكم في تركيا من نظام برلماني إلى نظام رئاسي، سيوفر الاستقرار السياسي لتركيا، ويحميها من ارتدادات الانتخابات البرلمانية، وتداخل صلاحيات رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، ومزيداً من الاستقلالية لباقي السلطات.
تركيا ما بعد 16 أبريل
"من الآن فصاعداً لا يمكن لتركيا أن تستمر في طريقها بنفس نظام الحكم الموجود حالياً، "نحن ومع شعبنا نريد دولة تركية قوية وقائدة"، عبارة الرئيس التركي هذه تقلق الغرب، وتخرج ما في صدورهم من خوف ورهبة تجاه عودة الأتراك إلى الساحة الدولية كدولة فاعلة، تتسلح بنظام رئاسي مرن فاعل، يعطي القادة الأتراك دفعة قوية لمواصلة مسيرة تحقيق أهداف رؤية 2023، وشعب شجاع يحمي تجربته الديمقراطية، ويسهر على النهضة التي تعرفها بلاده.
هذا ما يخشاه الغرب، ويدركه ويصرح به حكام "تركيا الجديدة"، قال "بولنت توفينكجي"، وزير التجارة والجمارك التركي: "أوروبا لا تريد لبلادنا أن تكون قويّة، فالدستور الجديد سيعزز من قوة تركيا.. أوروبيون يخافون أن تزيد بلادنا من قوتها وصادراتها، لذلك كلّما حاولنا أن نجعل تركيا أكثر قوة، تحاول
أوروبا جعلها أكثر ضعفاً من خلال الترويج لحملة لا".
أما الرئيس التركي الطيب أردوغان فقال: "النظام البرلماني أخفق في تحقيق أهداف تركيا، ومع إطلاق النظام الرئاسي الجديد سينتهي عصر التهرب من صناديق الاقتراع، وسينتهي التعاون مع مراكز الوصاية الواقفة وراء الإرادة الوطنية، والشعب التركي سيكون صاحب القول الفصل والقوة من الآن فصاعداً.. بعد اتخاذه قراره في السادس عشر من أبريل/نيسان ستدخل تركيا في حقبة مختلفة".
وقال الرئيس التركي: "هم" وضعوا الأنظمة التي لا تبني أوطاناً قوية.. "هم" تركوها وعدلوها لما فيه مصلحتهم، ويعيبون علينا اليوم تعديل نظامنا للوصول لأهداف 2023.
منع السلطات المحلية الألمانية تجمعات خطابية لوزراء أتراك ولقاءهم بالجالية التركية، والحملة الإعلامية الشرسة التي ينتهجها الإعلام الألماني بجميع وسائله، وقرارات السلطات النمساوية والسويسرية بهذا الخصوص، والقرار غير المسبوق من الحكومة الهولندية بمنع هبوط طائرة وزير الخارجية بالأراضي الهولندية، ووزيرة شؤون الأسرة والسياسات الاجتماعية التركية من دخول القنصلية التركية، قرارات يائسة من تقهقر العدالة والتنمية عن حكم تركيا، لو صوَّت الشعب التركي بنعم، وأقر الدستور الجديد.
النظام الرئاسي بداية تمرد تركي كامل على أوروبا والغرب
أوروبا ترى الدستور الجديد تمرداً تركياً على الوصاية الأوروبية والابتزاز الغربي، فابتداء من 16
أبريل المقبل ستعاني
أوروبا في التعامل مع تركيا، التي تحولت في السنوات القليلة الماضية من دولة وظيفية تخدم أجندة الغرب وتخضع لتعليماته، إلى دولة تبحث عن مصالحها وتوسيع نفوذها، وتقوية تحالفاتها، وبدستورها الجديد سيواصل القادة الأتراك طريق هذا التحول وذلك التمرد.
الحقيقة أن
أوروبا أحرجت نفسها بهذه القرارات المتسرعة، فهي قبل سنوات كانت تضغط على الساسة الأتراك من أجل منح الجاليات التركية حق التصويت في جميع الاستحقاقات الانتخابية التركية، وبعدما استجابت حكومة العدالة والتنمية وقامت بتعديل دستوري من أجل ذلك، اليوم
أوروبا تضيق على الجالية التركية وترفض اجتماع وزراء العدالة والتنمية بالجاليات التركية ببلدانها؛ لأن هذا الحق الذي طالب به الاتحاد الأوروبي اليوم لا يخدم مصالحه، فهو يضيق عليه بكل الطرق الممكنة، ولو كان على حساب سمعته في نشر الديمقراطية، وتاريخه في التنظير للحرية واحترام قرارات الشعوب واختياراتها؛ لأن هذا الحق اليوم يخدم تركيا الحديثة، تركيا أقوى وأكثر استقلالاً.
الاستفتاء بتركيا حدث وحديث
عندما يتحدث العالم في الشرق والغرب عن الاستفتاء في تركيا، فهذا يعني أن الأمر جلل وكبير، وليس مجرد تعديل مواد دستورية.
الصحف الألمانية والهولندية والأوروبية منشغلة بالتعديلات الدستورية والاستفتاء عليها أكثر من الصحف التركية، ما جعل الكثير يتساءل: هل الاستفتاء بتركيا أم ألمانيا وأوروبا؟
صور الرئيس التركي أردوغان على كل مانشيتات الصحف الأوروبية، وبرامج خاصة على الشاشات، تنشر فكرة واحدة حول الغاية من التعديلات الدستورية، وهي أن التعديلات ستصنع ديكتاتوراً إسلامياً يسمى "أردوغان"، الذي يرد عليهم بقوله: "هناك من لا يستطيع تحمل رؤيتنا ونحن نحقق النجاحات، ومن غير المنطقي الادعاء بأن كل هذه المشاريع لصالح شخص واحد، فأنا في النهاية إلى قبر صغير ضيق".
فهل ستلعب
أوروبا ومن ورائها حلفاؤها بكل أوراقهم من أجل نجاح حملة "لا"، ولو بانقلاب الفرصة الأخيرة؟ أم أن نجاح حملة "نعم" يوم 16
أبريل المقبل سيكون درساً جديداً لوعي الشعب التركي بأعدائه القدامى الجدد؟
مولاي علي الأمغاري
مدون مغربي في صحيفة هافينغتون بوست http://www.huffpostarabi.com/moulaya...arhpmg00000001