قد يكون مفهومًا هبوط مؤشر لسوق مالية عربية لأسباب تتعلق بالنتائج المالية للشركات المدرجة في البورصة، أو أزمة اقتصادية في البلد، أو أزمة داخل إحدى الشركات نفسها أدى إلى انهيار سهمها وأمور من هذا القبيل، ولكن من غير المفهوم أن يهيط مؤشر البورصة لدولة عربية بسبب هبوط نظيرتها الأجنبية!. حيث تكبدت البورصات العربية خسائر بمئات مليارات الدولارات على وقع الخسائر في البوروصات الأمريكية والأوروبية على الرغم من الفارق الكبير بين بورصة وول ستريت في الولايات المتحدة وبورصة دبي في الإمارات العربية المتحدة، فما الرابط بين البروصتين؟
ترتبط معظم البورصات العالمية مع بعضها البعض بشكل أو بآخر بسبب حرية التجارة وحركة رأس المال أو ما يمكن تلخيصه في كلمة "العولمة" التي قادت العالم خلال العقود الثلاث الماضية، إلى أن صار لزامًا على أي دولة تريد التطور، الاندماج بالسوق العالمية وتبني أفكارها الليبرالية التي تدعو إلى فتح الأسواق، وتحرير التجارة، وتشجيع القطاع الخاص ورفع الدعم، وسياسات كثيرة أخرى. إلا أن ترابط الأسواق العالمية مع بعضها لم يكن يسير على ما يرام كل الوقت، فما إن يصيب إحدى الأسواق العالمية أزمة أو مشكلة حتى تنتشر بسرعة إلى باقي الأسواق الأخرى، وربما تتأثر سوق مالية أكثر من تأثر السوق التي تتواجد فيها الأزمة.
فمع انهيار مؤشرات أسواق الأسهم العالمية في العام 2008 جراء الأزمة المالية التي ضربت المصارف في الولايات المتحدة، وانتقال العدوى إلى باقي المصارف في أوروبا وآسيا، كان للبورصات العربية نصيب من تلك الخسائرحيث تكبدت أغلب أسواق المال العربية خسائر قدرت بمئات مليارات الدولارات، في تلك الآونة.
فالبورصة الأردنية خسرت في أسبوع واحد 5 مليارات دولار وكذلك البورصة المغربية، ويقدر البعض قيمة خسائر سوق القاهرة بـ260 مليار جنيه مصري منذ بداية الأزمة، حيث تم إيقاف التداول في أحد الأيام على 30 شركة لانخفاضها بنسبة 20% مرة واحدة وهو الحد الأقصى للهبوط. وطالب عدد من الخبراء وقتها الصناديق الحكومية والبنكية المصرية بالتدخل العاجل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه ولإعادة الطمأنينة للمتداولين خاصة الصغار منهم والذين وصل الأمر ببعضهم إلى الانتحار.
في أحد الأسابيع من مايو 2008 فقدت أسواق الخليج 155 مليار دولار
وفي أحد الأسابيع من مايو 2008 فقدت أسواق الخليج 155 مليار دولار، حيث خسر المؤشر السعودي قرابة 1300 نقطة في أسبوع أما الأسهم الإماراتية في دبي وأبو ظبي فقد خسرت في أسبوع واحد نحو 130 مليار درهم من قيمتها، وفقد المستثمرون الإماراتيون 60% من مدخراتهم.
حدث كل هذا بسبب الأزمة المالية العالمية التي أدت لانخفاض أسواق الأسهم العالمية، فبالرغم من التفاوت الكبير بين أسواق الأسهم الأجنبية ومثيلاتها العربية من حيث حجم التداول وعدد الشركات وتنوعها وأشياء أخرى، تأثرت الأسواق العربية بالأجنبية. فالرابط الذي جمع الأسواق العربية بالأسواق الأجنبية هو العولمة، والتي تنتج بالمحصلة العامل النفسي ففزع المستثمر الأجنبي وبيعه للأسهم في بلده سيولد نفس الشعور عند المستثمر العربي ليقدم على نفس الخطوة.
قد يتبادر سؤال إلى الذهن، ما الذي يدفع المستثمر العربي للتأثر بقرار المستثمر الأجنبي علمًا أن كلا منهما يستثمر في سهم لشركة محلية ويفصلهما مئات الأميال؟ الجواب يكمن في قوة الاقتصاد والشركات! فالاقتصاد الأمريكي مثلًا والذي يعد الأكبر على مستوى العالم في كثير من الخصائض، والذي يضم آلاف من الشركات التي يعتمد العالم على منتجاتها وخدماتها ومن ثم الدولار الأمريكي الذي تسعر فيه عشرات المنتجات الاستراتيجية وأبرزها النفط والغاز والذهب، والدولار هو العملة الأقوى في العالم؛ بسبب مركزيته العالمية الناجمة عن كثافة التداول والسيولة في الأسواق المالية الأمريكية، واستقرار الاحتياطي النقدي بالدولار الأمريكي في البنوك المركزية العالمية، كما أنه الأكثر قبولاً في التعاملات التجارية والمالية العالمية، بينما لا يوجد أي عملة عربية لها ميزات تضاهي الدولار أو سلة العملة الأخرى القوية كاليورو والين والجنيه والفرنك.
لذلك لن يتأثر المستثمر الأمريكي بقرار مستثمر عربي في السعودية مثلا على أثر بيعه لسهم لشركة سابك بسبب تحقيقها خسائر مالية في إحدى السنوات أدت لهبوط السهم بشكل حاد، لإن سابك غير معروفة في الولايات المتحدة ولا عند المستثمر الأمريكي ومنتجها هو محلي وقد يتعدى إلى الدول العربية فقط. بينما على العكس تمامًا سيتأثر المستثمر العربي بقرار المستثمر الأجنبي إذا باع الأخير سهم لشركة مايكروسوف أو فيس بوك... إلخ، لإن المنتج الذي تنتجه هذه الشركة يستعملها المستثمر العربي ابتداءًا، ولديه شعور أن قوة الشركة والاقتصاد الأمريكي ستنعش الاقتصاد العالمي والعربي بالمحصلة.
سعر النفط الخام
سبب آخر تتهاوى عليه أسواق المال العربية متأثرة بالأسواق الأجنبية وهو سعر النفط الخام الذي يتحدد في البورصات الأجنبية ويسعر بغير العملات العربية، حيث تهاوت البورصات العربية بنحو حاد في تعاملات يناير/كانون الثاني من العام 2016، مدفوعة بالتراجعات المستمرة في أسعار النفط نحو أدنى مستوياتها في أكثر من 12 عامًا.
خسر رأس المال السوقي للبورصات العربية مجتمعة، نحو 90 مليار دولار، كان للسوق السعودي النصيب الأكبر منها بنحو 56 مليار دولار، ثم بورصة قطر بنحو 12.6 مليار دولار، فيما جاءت أسواق مسقط والبحرين والأردن بخسائر جاوزت 1.5 مليار دولار.
خسر رأس المال السوقي للبورصات العربية مجتمعة، نحو 90 مليار دولار بعد انهيار أسعار النفط العالمية منتصف العام 2014
علمًا أن الأسواق العربية لحقت بالأسواق الأجنبية، حيث هبطت الأسهم الأمريكية بنحو حاد في نفس الشهر، حيث تراجع مؤشر "داون جونز" الصناعي بنسبة 5.5%، فيما تراجع مؤشر "ستاندر آند بورز"، بنحو 5.1%، بينما هبط مؤشر "ناسداك" الذي تغلب عليه أسهم شركات التكنولوجيا بنسبة 7.9%، وفي آسيا، هبط مؤشر "نيكي" للأسهم اليابانية بنسبة 7.96%.
وسبب هذا التراجع في الأسهم العربية والأجنبية، هو تراجع أسعار النفط الخام العالمية، بنسبة 70% منذ منتصف عام 2014، هبوطًا من 120 دولاراً للبرميل، إلى أقل من 30 دولارًا في الجلسات الأخيرة من شهر يناير/كانون
الثاني،
بسبب تخمة المعروض ومحدودية الطلب.
لا تزال أسواق المال العربية تتأثر بأسواق المال الأجنبية، وهي بهذا تكرس ليس تبعية السوق المالي وحسب، بل تبعية الاقتصاد بالمجمل أيضًا. والحل يكون بالانعتاق من تلك التبعية من خلال الاعتماد على الذات أكثر بإنتاج مختلف المنتجات والخدمات التي تلزم المجتمع العربي وتخفيف الاعتماد على الدول الأجنبية، وتسعير السلع الاستراتيجية كالنفط الخام الذي ينتج من الأراضي العربية بالعملة العربية، لتنتقل السوق ومستثمريها والاقتصاد والدولة بالمحصلة من موقع المتأثر إلى موقع المؤثر.