ما تزال أوربا وابنتها أمريكا تتأرجح سياسيا - وهي تعيش أزماتها المجتمعية - بين أقصى اليمين القومي المسيحي المتطرف، وأقصى اليسار الاشتراكي، أو الليبرالي الرأسمالي المتوحش؛ باحثة عن حلم المدينة الفاضلة!
إلا أن العالم الإسلامي ومنذ قيام الدولة في الإسلام في المدينة النبوية، ثم قيام الخلافة الراشدة على هديها وسننها وهي تمثل النموذج للدولة الفاضلة العادلة، فلم يشغل علماء الإسلام أنفسهم في بحث قضية (المدينة الفاضلة) التي ظلت حلما يراود العالم الغربي؛ بل أمم العالم كله، إلا العالم الإسلامي بعد أن ارتبط وجود الإسلام نفسه وظهوره بالدولة النبوية العادلة ثم بالخلافة الراشدة الفاضلة، التي كانت واقعا لا حلما، ودولة قارية تمتد جغرافيا امتداد أراضي الإمبراطوريتين الفارسية والرومانية في آسيا وأفريقيا، وتحكم شعوبهما على اختلاف قومياتها وأديانها وثقافاتها، وليس فقط مدينة يونانية فاضلة؛ كما يحلم بها أفلاطون!
وهنا في هذه الرسالة المختصرة "معالم الدولة الراشدة"، تحديد لملامح الدولة الراشدة في الإسلام، ولمعالم النظام السياسي الراشد الذي يسوس شئونها، والأصول التي يلتزم بها ليتحقق له وصف الرشد من جهة، ويتحقق لها وصف الدولة الراشدة العادلة والمدينة الفاضلة من جهة أخرى، لعل فيه إجابة عن السؤال الذي ما زال يبحث عن طبيعة الدولة التي يجب أن تقوم على أنقاض الدول الوظيفة وما هو البديل!