ما إن تستبشر بوضع برنامج لحياتك، أو تأمل استغلال بعض الأوقات لأعمال بناءة ومفيدة، إلا وقد هجمت عليك في بعض أوقاتك مجموعة من المزعجات المقلقات، وهذا شأن الحياة لا نستطيع له دفعًا.
ولكن ما يُفيض الهمّ أن النفس تنزعج، فتتوقف عن العمل أو تضعف أو تتشتت، مع أن الاتجاه إلى الهدف لا ينبغي أن يكون مرتبطًا بأمر ليس له علاقة بالهدف، كما أن القلق لا يدفع الأمر المخوف ولا يباعده.
وهكذا تظل النفس عالقة في الحزن والتفكير وانتظار القضاء المحتوم فارغة اليد من كل عمل ينفعها في أمر دنياها وآخرتها "كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون"
يا للعجب، وكفى بالله وليًا وكفى بالله نصيرًا.
ولننطلق من تحليل هذه الظاهرة لنكتشف السرّ الذي يوقف هدر الطاقة في الحزن والأسى.
الهدف الذي ننطلق إليه في هذه الحياة هو عبارة عن أمل نطلبه، والحزن والقلق الذي يعترضنا طريقنا هو وقود يأس، واليأس يناقض الأمل، ويجعله باهتًا كئيبًا، فإذا بهت الأمل في عيني الإنسان وقلبه لم يعد له ذلك البريق الذي يغري بالركض وراءه والهيام بطلبه.
والآن لنسأل أنفسنا: ممَ اليأس؟ أهو اليأس من تحقيق الأمل؟
كلا، فالحزن والقلق ليسا عائقين عن تحقيق الأمل، ولكن الحزن والقلق يخفيان طعم الأمل ولو تحقق.
وبعد هذه التجلية لطبيعة عمل الحزن والقلق، هل يحقّ لنا أن ننزعج من نتيجة منطقية؟
فيما يظهر أن النتيجة منطقية، ولكن بقليل من التأمل يتضح أن النتيجة غير منطقية، فنحن نرى قلة من المبدعين لم يثنهم الحزن ولا القلق عن المضي بوتيرة واحدة نحو أهدافهم، وحين حققوها لم يكن للحزن ولا للقلق دور في إطفاء فرحتهم، بل ولا إضعافها، بل الذي حدث العكس، فالإنجاز أطفأ كل الهموم والأكدار، وصار تذكّر مغالبتها وهو في طريقة للنجاح لذة يرويها الناجح لمن حوله.
أتبيّن الحلّ بعد هذه الإضاءة! إن الناجحين يقلبون الطاولة على خصومهم، ويغالبونهم بنفس سلاحهم، فحين يرى الفاشل أن المخاوف والمفزعات أحجار عثرة فإن الناجح يراها سلم وصول.
وإليك هذه القصة التي تجسّد النجاح:
وقع حصان أحد المزارعين في بئر مياه عميقة ولكنها جافة، وأجهش الحيوان بالبكاء الشديد من الألم من أثر السقوط واستمر هكذا لعدة ساعات كان المزارع خلالها يبحث الموقف ويفكر كيف سيستعيد الحصان؟ ولم يستغرق الأمر طويلاً كي يُقنع نفسه بأن الحصان قد أصبح عجوزًا وأن تكلفة استخراجه تقترب من تكلفة شراء حصان آخر، هذا إلى جانب أن البئر جافة منذ زمن طويل وتحتاج إلى ردمها بأي شكل. وهكذا، نادى المزارع جيرانه وطلب منهم مساعدته في ردم البئر كي يحل مشكلتين في آن واحد؛ التخلص من البئر الجاف ودفن الحصان. وبدأ الجميع بالمعاول والجواريف في جمع الأتربة والنفايات وإلقائها في البئر.
في بادئ الأمر، أدرك الحصان حقيقة ما يجري حيث أخذ في الصهيل بصوت عال يملؤه الألم وطلب النجدة. وبعد قليل من الوقت اندهش الجميع لانقطاع صوت الحصان فجأة، وبعد عدد قليل من الجواريف، نظر المزارع إلى داخل البئر وقد صعق لما رآه، فقد وجد الحصان مشغولاً بهز ظهره كلما سقطت عليه الأتربة فيرميها بدوره على الأرض ويرتفع هو بمقدار خطوة واحدة لأعلى!
وهكذا استمر الحال، الكل يلقي الأوساخ إلى داخل البئر فتقع على ظهر الحصان فيهز ظهره فتسقط على الأرض حيث يرتفع خطوة بخطوة إلى أعلى. وبعد الفترة اللازمة لملء البئر، اقترب الحصان من سطح الأرض حيث قفز قفزة بسيطة وصل بها إلى سطح الأرض بسلام.