يقول أستاذ القانون العام بمعهد الإدارة العامة والباحث في مجال حقوق الإنسان، د.محمد المقصودي: إن لائحة الأداء الوظيفي الجديدة التي اعتمدتها وزارة الخدمة المدنية لتقييم أداء الموظفين الحكوميين، تقوم على فلسفة قياس الأداء المؤسسي والوظيفي الفعال، والمنتج عالمياً على وجهين لعملة واحدة، وهما الإدارة الفاعلة والشفافة والعادلة أولاً، ثم على الأداء الفردي الجادّ من العاملين في المنظمة.
ويضيف د."المقصودي" أنه وبرغم جهود وزارة الخدمة المدنية في إقامة ورش العمل لشرح لائحة إدارة الأداء الوظيفي الجديدة والدليل الإرشادي لها؛ فقد ظهرت عيوب عدد من مواد اللائحة، ووُجد أنها لا ترتكز على أهداف واضحة قابلة للقياس؛ وبالتالي لا يمكنها إعطاء توصيف دقيق للأعمال المطلوب القيام بها لإنجاز تلك الأهداف؛ مما يضمن عدالة ووصف المسؤوليات والالتزامات الوظيفية بدقة. وإتقانُ كل ذلك قد يخلق مشكلات عملية تؤدي إلى ظلم بعض الموظفين؛ وذلك بإنقاص تقدير كفاءتهم.
وعن ما يسمى "ميثاق الأداء في العمل الحكومي" ومدى واقعيته، قال لـ"سبق": "طبيعة الخدمات الحكومية عالمياً، ومفهوم جودة الخدمة في مجال الخدمات التي تُقدّمها؛ مفهوم مجردٌ، يصعب تعريفه أو إخضاعه للقياس؛ وذلك انطلاقاً من عدم دقة نتائج التقويم والقياس الذي يعتمد على المعايير غير الكمية، ويعود ذلك إلى أن العمل الناتج الذي تُقدمه الجهات الحكومية هو منتج غير ملموس، وتوجد صعوبة في قياس عوائد هذه البرامج في شكل منتجات نهائية".
وبالتالي -بحسب "المقصودي"- "يصعب تحديد درجة العلاقة بين تكاليف هذه البرامج، والعوائد الناتجة منها؛ لذلك فمهما وُضع من ضوابط لتقييم الأداء؛ فهي تظل عملية إدارية صعبة ومركبة وذات أبعاد معقدة ومتداخلة بشكل كبير، وتحوي عوامل كثيرة ترتكز بشكل كلي على ضرورة توافر عنصريْ الموضوعية والعدالة شبة المطلقة؛ فمن حق أي موظف أو موظفة أن يحصل على تقييم لأدائه يتسم دائماً بالموضوعية والعدالة؛ فهما مطلب ديني وإنساني وقانوني، وواجب وظيفي؛ يُفترض أن يتم الالتزام به عند إعداد أي تقرير للأداء الوظيفي".
ويتابع "المقصودي": "لذلك سوف تعاني الجهات الحكومية من مشاكل خاصة تتعلق بدقة التقييم؛ وذلك لضعف الصلة بين إدارة الأداء، التي تُعَد المتابعةُ القضائيةُ عنصراً رئيسياً فيها، وبين تقييم الأداء؛ وذلك لما قد يعتريه من عوامل نشوء الصراعات أو المصالح الشخصية على حساب مصلحة العمل لعدم فهم الكثير، وبما فيهم بعض المسؤولين، ولو تَلَبّسوا بكل مظاهر الزهد للحد الفاصل بين الأداء الحقيقي للموظف والعلاقات الشخصية التي تطغى عليها المصالح والمجاملات وغيرها من أية عوامل ممكنة، منشؤها عوامل نفسية غير شريفة؛ كالمنافسة غير الشريفة، والحقد، والحسد، ووصولية البعض؛ فتنشأ بذلك مشكلة الإخلال بمصداقية التقييم؛ مما ينتج عنه فشل مخرجات أهداف تقييم الأداء التي تضعها الحكومة".
وأشار "المقصودي" إلى أن النسبة الإجبارية التي ذُكرت في لائحة تقويم الأداء الوظيفي الجديدة، تأتي بوجوب وجود درجات كفاءة بشكل مفترض مسبقاً كصورة مظلمة وغريبة؛ وذلك أنه مع مرور الوقت -ووفقاً لمنحنى "الجرس"- ستتناقص نسبة الحاصلين على تقدير ممتاز؛ بحيث لا يزيدون عن 30% من عدد العشرين موظفاً؛ وفقاً لما أوردته اللائحة.
وعن ضرورة تبنّي مبادئ ومفاهيم وإجراءات واقعية حديثة في التقويم، أكد "المقصودي" أنه يجب أن نسلّم أولاً بأن الهدف من تقويم الأداء هو التعرف على واقع العمل داخل المؤسسات الحكومية في تقييم أفضل وأكثر نجاعة للعاملين؛ من أجل رفع مستوى أدائهم، ومعالجة المشاكل الناتجة عن عملية التقييم؛ من أجل المساهمة في تحسين أوضاع المؤسسات الحكومية، ورفع كفاءة أداء المديرين التي تعود بالنفع على الوزارات والمجتمع السعودي، وألا ينحرف الهدف عن ذلك بتبني سياسة مقنعة هدفها تقليل عدد العاملين في القطاع الحكومي.
ومن جانب آخر أهم؛ وجوب حل المشاكل الخاصة بالقائمين على عملية تقييم الأداء؛ ومنها ضرورة اعتماد محاسبة المديرين على نتائج التقييم عند ثبوت انحرافهم عن قواعد العدالة، وهو ما لم تتعرض له لائحة تقويم الأداء الجديدة؛ حيث يقوم المديرون أحياناً بعملية تقييم الأداء للعاملين دون تحضير مسبق لها؛ ذلك لأنهم غير معرّضين للمساءلة عن دقة نتائج التقييم، وكذلك عن مشكلة التحيز، وعدم العدالة في التقييم؛ ذلك أن التحيز وانعدام العدالة في التقييم سوف يُجبر العاملين على الميل إلى تحريف المعلومات حول أعمالهم؛ فيعملون على إخفاء الأخطاء، وإخفاء السلوك الذي قد يثير الشكوك حول أعمالهم، وكذلك عمل الاستراتيجيات؛ لإخفاء المعلومات عن رؤسائهـم.. وبناء على ما سبق، يكون التقييم خاطئاً وغير مفيد؛ لأنه مبني على معلومات غير صحيحة؛ وبالتالي تتخذ القرارات الإدارية الخاطئة فيما يتعلق بالمكافآت والترقيات وغيرها، والأسوأ من ذلك عند ما تستخدم تلك المعلومات في عملية التخطيط؛ فإنه من المؤكد أن تنتج عنها خطط غير صحيحة؛ على حد وصفه.