داخل فندق نايل ريتز كارلتون الساحر، على مشارف ميدان التحرير، كان صفوة رجال الأعمال في مصر متحمّسين لإلقاء أعوامٍ من الاضطراب والفرص المفقودة خلفهم.
دعم إجراءات التقشّف
اجتمع المئات منهم هذا الأسبوع من أجل حدثٍ تنظمه غرفة التجارة الأميركية، ويُشرف عليه مسؤول بوزارة الخارجية، يهدف إلى إظهار الدعم للحكومة المصرية بينما تجهّز إجراءات التقشّف والإصلاحات الاقتصادية، وفق ما نشر موقع فوكس نيوز
رغم الحاجة الشديدة لهذه الإجراءات بعد أعوام من الإنفاق الزائد، فإنه من المحتمل أيضاً أن تسبّب ألماً ولو على المدى القصير للشارع المصري.
ستكون الإجراءات مؤلمة
يفترض أغلب المراقبين للأوضاع أن الحكومة ستمضي قدماً في إجراءاتها، لكن السؤال هو متى؟ لا خيار أمام الرئيس عبدالفتاح السيسي، إزاء مصر الغارقة بعمق في الديون بغياب الأموال السهلة الآتية من التبرعات الخليجية، سوى إطلاق طاقات السوق.
ستكون الإجراءات مؤلمة، تخفيض قيمة العملة بشكل درامي، وجمع المزيد من الضرائب وتقليص دعم الوقود. كلها خطوات ضرورية للحصول على الضمان من صندوق النقد الدولي وعلى ختم بالموافقة على القرض وهو ما ينبغي أن يشجّع المستثمرين الأجانب.
الدولة ستواجه غضب الشعب
المخاوف تتزايد من رد محتملٍ من الشعب الذي يئن بالفعل تحت وطأة ارتفاع معدلات التضخم والبطالة، وهو ما يهدّد بتقويض الاستقرار الذي عمِل السيسي على إرسائه على مدار العامين الماضيين بيدٍ من حديد.
دفع الحديث على وسائل التواصل الاجتماعي عن تظاهرات 11 نوفمبر/تشرين الثاني وزارة الداخلية إلى الإنذار بأن قواتها مستعدّة للتصدّي بحسم لأي "مؤامرات تحرّض على الفوضى"، وهي كلماتٌ تشير إلى الحشد الشعبي من قِبل جماعة الإخوان المسلمين المحظورة، التي تولّى عضوها الرئيس محمد مرسي الرئاسة لوقتٍ قصير قبل أن ينقلب عليه السيسي، وزير الدفاع آنذاك، عام 2013.
خارج قاعة الحفل بالضبط يقع تِذكار مدبب شاهدٌ على المفاجآت التي يُمكن للرأي العام المصري المستاء تقديمها، ميدان التحرير الذي كان مركز الانتفاضة الشعبية في عام 2011 والتي أدّت إلى الإطاحة بالرئيس الأوتوقراطي حسني مبارك.
لكن بينما تقلق الحكومة بشأن تبعات الإصلاحات، يقلق المستثمرون من جلب رأس المال الأجنبي إلى مصر حتى تحدث تلك الإصلاحات.
الانتظار حتى تمرير الإصلاحات
يقول عمر مهنا، رئيس مجلس إدارة شركة السويس للأسمنت رئيس مجلس الأعمال المصري الأميركي: "أنا سأنتظر، أنت ستنتظر، الجميع سينتظرون حتى تمرر تلك الإصلاحات". كان مهنا، المُشارك في مؤسسات بحثية تستشيرها الحكومة بشأن سياساتها، واثقاً بأن الإصلاحات قادمة. وأضاف: "أظن أنّنا سنتقبّل المحتوم هذه المرة حقاً. المسألة مسألة أيام، أو أسابيع".
لا يدور التساؤل عما إذا كانت الإصلاحات ضرورية؛ فإنفاق الحكومة المصرية يفوق مواردها بكثير. أنفقت الحكومة لأعوام جزءاً كبيراً من ميزانيتها وعملتها الصعبة على الدعم لضمان انخفاض أسعار السلع الأساسية والوقود، ضماناً للسلام الاجتماعي في بلدٍ يعيش نصف سكانه البالغ عددهم 90 مليوناً - وهو رقم يتزايد سريعاً - تحت خط الفقر.
انكمشت السياحة وتدهور الاستثمار
إلا أن الأعوام الخمسة الماضية وما شهدته من الاضطراب السياسي ألحقت ضرراً بالغاً بأهم مصادر العملة الصعبة. انكمشت السياحة، وتدهور الاستثمار الأجنبي. واعتصر السيسي الاحتياطي النقدي في محاولة عقيمة لرفع قيمة الجنيه المصري. وقد غذى النقص في العملة الصعبة السوق السوداء، لتصل قيمة تداول الدولار إلى 16 جنيهاً بالمقارنة بسعر التداول الرسمي 8.9 جنيه مصري.
كما تبدو القيود التي فُرضت على رأس المال، أملاً في معالجة نقص الدولار، محاولاتٍ يائسة. فالأعمال التجارية التي تشتري المواد من الخارج تُعاني من أجل الحصول على الدولار، وهو ما أجبر بعض الشركات على تقليص عملياتها. والآن تصرّ الفنادق التي تأوي الأعداد المتناقصة من السياح على دفع كل الفواتير بالعملة الصعبة، وهي قاعدة قديمة تُطبّق الآن بقوّة. ويُمكن للمسافرين إلى الخارج سحب 100 دولارٍ شهرياً فقط من حساباتهم البنكية في الوطن.
الحكومة تُصادر السكر
الأسبوع الماضي، وجّهت الحكومة ضرباتها للشركات بهدف حل أزمة النقص في السكر الناشئة عن أزمة العملة، لتُصادر أطناناً من السكر من كبرى الشركات المنتجة للأطعمة، ومن ضمنها الشركة المصنّعة لتوينكي، إيديتا، كما تواترت أنباء عن حدوث المثل مع شركة بيبسيكو. لم ترد بيبسيكو بشكلٍ رسمي على مخاطبات فوكس، مع أن بعض ممثلي الشركة في حدث نايل ريتز كارلتون أصرّوا على أن كل شيء على ما يُرام.
وقال هاني برزي، رئيس مجلس إدارة شركة إيديتا، في مقابلات على التلفزيون المصري انتشرت بعدها بشكلٍ واسع على شبكة الإنترنت: "مُصادرة المخزون ومعاملتنا كالمهربين أمر مخزٍ. أريد أن أعرف ما الخطأ الذي ارتكبناه"، مُصرّاً على أن إمدادات شركته من السكر لم تخرق أي قوانين رسمية.
ورغم المجهود المبذول للإبقاء على كل دولار، يبدو أن الحكومة ما زالت متأخرة ببضعة مليارات من الدولارات عن متطلبات قرض صندوق النقد الدولي للاحتياطي النقدي الأجنبي. تبلغ قيمة القرض 12 مليار دولار على مدار 3 سنوات. يعني هذا أن الحكومة ما زالت في حاجة إلى القروض الثنائية لرفع الاحتياطي النقدي الأجنبي.
معدلات التضخم والبطالة
وصلت معدلات التضخم بالفعل إلى 14%، ومعدلات البطالة إلى 13%. المخاوف هي أن الأسعار سترتفع أكثر وأكثر مع تعويم الجنيه والخطوات الأخرى القادمة، وهو ما يضع ضغطاً إضافياً على الشعب.
في نذير سوء، انتشرت بضعة مقاطع مصورة لمظاهراتٍ مصرية غاضبة على شبكة الإنترنت. لم يدع سجن المعارضين، وأغلبهم من الإسلاميين، والقمع العام لكل أشكال الاحتجاج الكثير من المنافذ للتعبير عن السخط داخل النظام. ويحضر في ذهن الجميع، ومن ضمنهم الحكومة والمسؤولون الأمنيون، انتفاضة الخبز التي اشتعلت جراء إصلاحات الدعم الكبرى التي حاولت الحكومة تطبيقها عام 1977. في النهاية، تراجعت الحكومة عن تلك الإصلاحات.
وتعهد السيسي بحماية الفقراء عن طريق دعمٍ موجّه بشكلٍ أفضل، يجري تنفيذه بالفعل وغالباً ما توزعه القوات المسلحة. لكن من غير الواضح إن كان ذلك سيكون كافياً لتخفيف الأثر واسع النطاق حتّى ينجح الارتفاع المأمول في معدلات الاستثمار وتدفق مليارات الدولارات إلى الاقتصاد المحلي في تحسين التوظيف والأجور.
الإصلاحات ستؤثر على حياة المواطنين
وقال ديفيد ثورن مستشار وزير الخارجية الأمريكي في تصريحٍ صحفي متمم للاجتماع: "الإصلاحات شديدة الصعوبة، ومن الواضح أن أثرها على حياة المواطنين والأعمال سيكون بالغاً، ومزعزعاً.