في الفترة الأخيرة طور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان علاقات صداقة جيدة مع المملكة العربية السعودية. غير أن اتفاق أردوغان وحكومة حزب العدالة والتنمية مع إيران بشأن سوريا أثار دهشة حكومة الرياض. الجميع يعلم أن هذا الأمر لا يدعو للدهشة، وأن الكثير من الكتاب تناولوا هذا الأمر مسبقاً في مقالاتهم. كما لاحظتُ أن الدول العربية وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية لا تعلم أن الأشخاص الذين يحدِّدون ويتولون السياسة الخارجية لأردوغان هم دبلوماسيون موالون لإيران. وخلال هذا المقال سأتناول علاقة إيران وأردوغان التي لا يعرفها الكثيرون في العالم العربي نظرا لأهمية الموضوع. إذا تفقدنا أسماء المستشارين والوزراء المقربين من أردوغان الذين لعبوا دوراً بارزاً في تغييّر مسار تركيا على الساحة الداخلية والدولية بعد عام 2009، سندرك بشكل أفضل سبب اتفاق أردوغان مع إيران وتفضيلها المملكة العربية السعودية. إن ستة مستشارين ووزيرين موالين لإيران تركوا بصمة في سياسات حكومة العدالة والتنمية خلال الأعوام الستة الماضية، أحدهم أعرفه شخصياً لكونه كان أستاذاً لي في الثانوية، إضافة إلى شخصين آخرين أعرفهما أيضاً عز المعرفة. إرشاد هورموزلو، كبير مستشاري الرئيس السابق عبد الله جول، هو في الأصل من كركوك في العراق. ولد هورموزلو في قرية شيعية تابعة للتركمان، وأنهى تعليمه الابتدائي والإعدادي والثانوي في نفس البيئة المحطية، بينما أكمل دراسته الجامعية في بغداد، حيث أقام مع مجموعة شيعية تابعة لإيران. ثم لجأ هورموزلو وعائلته إلى تركيا هرباً من بطش صدام حسين. بعد تولي هورموزلو، الأديب الجيد، منصب مستشار جول في عام 2009 بات مسؤولاً عن سياسة الشرق الأوسط ورئاسة منتدى الأعمال العربي التركي. عقب “الربيع العربي” في عام 2011 عايشت حكومة أنقرة أزمات سياسية مع العديد من الدول العربية، لكنها في الوقت ذاته أحرزت تقدما جادا في علاقاتها مع إيران التي تتهمها المملكة العربية السعودية صراحة بـ”تقويض الدول العربية لمصالحها السياسية”. وبعد فترة 2013- 2014 التي بدأت فيها تركيا تدخل في مستنقع سوريا أحيل هورموزلو إلى التقاعد. من الممكن أن يكون البعض قد نسي في هذه الأيام اسم “بشير أتالاي”، الأخ الأكبر للعدالة والتنمية، وكاتم أسرار أردوغان، ورفيق الدرب لعمر عبد الله جول الذي تولّى منصب وزير الداخلية ومستشار رئيس الوزراء ومستشار رئيس حزب العدالة والتنمية. ويعد أتالاي أول شخصٍ جعل حكومة العدالة والتنمية تقيم اتصالات مع زعيم منظمة حزب العمال الكردستاني الإرهابية عبد الله أوجلان أثناء توليه منصب مستشار رئيس الوزراء. وتكشف تسجيلات الشرطة أنه توجّه إلى إيران ثمانين مرة خلال عام واحد في الفترة نفسها. كما لعب أتالاي دورا بارزا في سياسة سوريا وعرّف أردوغان على خمسة أشخاص معروفين بأنهم “إيرانيون”، أولهم رئيس المخابرات الحالي هاكان فيدان، والثاني هو كبير مستشاري أردوغان والمتحدث باسمه إبراهيم كالين، والثالث هو كبير مستشاري أردوغان لشؤون الشرق الأوسط نائب رئيس حزب العداله والتنمية ياسين أقطاي، والرابع هو وزير الداخلية المستقيل مؤخراً أفكان آلا، أما الخامس فهو رجل الأعمال التركي من أصل إيراني والمتهم بتقديم رشاوى لأربعة وزراء في حكومة أردوغان رضا ضراب.
أتالاي هو أحد الأسماء التي وجّهت سياسة أنقرة تجاه الأكراد وسوريا، مثلما فعل إرشاد هورموزلو وتمت إحالته هو أيضا إلى التقاعد بحجة المرض، وذلك بعد دخول تركيا مستنقع سوريا والأكراد.
الجميع يعلم أيضاً أن رئيس المخابرات التركي هاكان فيدان هو “رقم واحد” من رجال الإيراني بشير أتالاي. يُزعم أن جهاز المخابرات التركي يمتلك أدلة رسمية على تورط أردوغان وشخصيات مهمة في العدالة والتنمية في النفط المشترى من داعش والأسلحة الكيميائية المُرسلة إليه. أردوغان لم يستطع إقالة هاكان فيدان من منصبه رغم إعلانه إياه شخصاً غير مرغوب به في مسرحية انقلاب الخامس عشر من يوليو/ تموز الماضي. فالعديد من وسائل الإعلام المحلية وصفت فيدان منذ فترة بـ”الصندوق الأسود لأردوغان”. وعلينا ألا نندهش إذا استقال هاكان فيدان أو تولى منصباً آخر خلال فترة قريبة من سقوط أنقاض سوريا على الحكومة التركية.
أ.د. إبراهيم كالين، الذي يشغل حالياً منصب كبير مستشاري أردوغان، هو من فريق بشير أتالاي أيضاً. وأفضل من يعرف هذا هم أعضاء حزب العدالة والتنمية. خصوصاً أنه أحد الأركان الرئيسة للوفد الذي وقع الاتفاق مع إيران على الرغم من المملكة العربية السعودية متخلياً عن الأفكار القديمة في سياسة تركيا تجاه سوريا والأكراد.
أ.د. ياسين أقطاي.. مستشار أردوغان وكبير مستشاريه المسؤول عن شؤون الشرق الأوسط، هو أيضاً من فريق بشير أتالاي. أعرف أقطاي معرفة شخصية، ففي عام 2007 قمت بجولة معه في مصر وتطرقنا خلالها إلى كل القضايا الحساسة معه. وعلمت من الأفكار التي طرحها خلال الجولة أنه أكاديمي يدافع عن سياسة إيران المذهبية المنتشرة في المنطقة وعن الخميني وآية الله علي خامنئي. لهذا لم أفاجأ عندما تم تعيينه بعد عدة سنوات كبير مستشاري أردوغان لشؤون الشرق الأوسط. أما وزير الداخلية المستقيل مؤخرا أفكان آلا فأعرفه معرفة شخصية من حيث إنني وهو منتميان إلى البلدة نفسها في مدينة أرضروم. هو إيراني جيد، نشأ على أحلام الخميني، وتولى منصباً في الدولة، حيث رشّحه بشير أتالاي في عام 2007 لرئيس الوزراء آنذاك أردوغان. وبدون إضاعة وقت عيّنه أردوغان مستشاراً لرئيس الوزراء.
الجزء المثير في الأمر هو إعلان أفكان ألا الحرب على جميع الأكراد في عام 2015، بينما جلس بشير أتالاي على طاولة المفاوضات مع أوجلان من أجل عملية السلام في عام 2013.
رضا ضراب هو رجل أعمال إيراني حاصل على الجنسية التركية لا يمتلك مكتباً واحداً رغم امتلاكه مليارات الدولار. نجح ضراب في إنشاء علاقات جيدة مع أردوغان وأسرته بفضل بشير أتالاي. لكنه اعتقل بقرارٍ من المحكمة بسبب تقديمه رشاوى إلى الوزراء وأبنائهم. وثبت أن له علاقات خطيرة مع نجل أردوغان بلال لتشهد تركيا إغلاق أكبر واقعة فساد في تاريخها فجأة أثناء توجّه الشرطة للقبض على نجل أردوغان. لن أدخل في تفاصيل الحادث. حسناً، أين هذا المهرج الإيراني حاليا؟ تم اعتقاله في أمريكا بسبب غسيله أموال إيران وداعش داخل تركيا بدعم من حكومة العدالة والتنمية. وتم إخراج ضراب، الذي وصفه أردوغان بأنه رجل محب للخير، من السجن في تركيا بأمرٍ من أردوغان نفسه. أما ضراب الذي لم يثق في أردوغان فتوجّه إلى الولايات المتحدة وجعلها تعتقله. وهو الآن بالحبس في أمريكا نظراً لأن محاكمته لاتزال قائمة. ما ستفهمونه هو أن رضا ضراب الذي عرّفه بشير أتالاي على أردوغان هرب إلى الولايات المتحدة وقام بتسليم نفسه إلى السلطات هناك خوفاً من عقوبة الموت بعدما جعل أردوغان وإدراته ينفذون كل الأعمال القذرة لإيران وداعش.
الشخصية الخامسة هو أستاذي من ثانوية إسطنبول والذي يشغل حاليا منصب أستاذ في جامعةٍ بإسطنبول وعضو إدارة وقف SETA للبحوث السياسية والاقتصادية والمجتمعية التي أسسها أردوغان بنفسه. وقف SETA البحثي هو أحد مؤسسات Think-Tank التي توجِّه سياسات العدالة والتنمية. لم أفاجأ من رؤية معلمي بجوار طه أوزهان، المدير السابق لوقف سيتا وأحد المعجبين بالخميني ورئيس لجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان، ومستشاري الرئيس إبراهيم كالين وياسين أقطاي.
لن أذكر اسم معلمي، لأنني لا أريد أن أغدر به. لكن خلال سنوات دراستي الثانوية حاول أستاذي تلقيننا الأيدوليجية الإيرانية والتقيت به خلال رحتلي من القاهرة إلى إسطنبول مطلع يونيو/ حزيران عام 2013. وأخبرنا حينها أنهم قدموا لافتتاح مكتب SETA في مصر. وطبعاً هذا المكتب مُغلق حاليا بسبب الأزمة بين الدولتين.
الخلاصة أنني أريد التأكيد على أن الفكر الموجه لحكومة العدالة والتنمية وأردوغان يتشكل من مستشارين ووزراء إيرانيين بمظهر سني ومتعاطفين مع الخميني والتركيز على عدة أسماء منهم. ليس لدى مشكلة مع المذهب الشيعي ولا المواطنين الذين يتبعون هذا المذهب. ردة فعلي موجهة للأشخاص الذين حولوا الشرق الأوسط إلى كتلة من اللهب ويستغلون الشيعية والسنة كأداة ويخدمون التوسع الفارسي الإيراني. كما أن الصفة المشتركة لجميع الشخصيات الوارد ذكرها في الأعلى أن الشعب يعرفهم على أنهم شخصيات سنية. أما الخاصية الأخرى فهي أن المشاريع التي تولوها في تركيا كانت في البداية إيجابية لكنها تحولت في نهاية المطاف وبشكل مأسوي إلى مستنقع لتركيا والمنطقة.
أريد أن أوجه رسالة مرة أخرى إلى الدول العربية، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية: أعتقد أنني أوضحتُ من خلال الأمثلة الوارد ذكرها بالأعلى أن من يجلس على الطاولة للتفاوض مع “تركيا الأردوغانية” هو في الواقع يجلس مع إيران وليس مع تركيا. هل فهمتهم الآن لماذا رجّح أردوغان إيران على السعودية في المسألة السورية؟