منذ أكثر من عشر سنوات وأنا أكتب بهذا المنتدى الرائع
وجدت بعض الاعضاء لايتقبل الآخر ولايقبل الاختلاف وتعدد الآراء فهو على قاعدة إن لم تكن مثلي ومطابق لي تماما فأنت عدوي
نصحت أحدهم بأن ينفتح على الآخر وأن يسافر حتى يرى العالم
إلا أنه أصر على أن سفره للخارج جريمة لاتغتفر ومحرمة
قلت له جرب اخرج من بوتقتك إلا انه أصر ورفض وتمسك برأيه
لكن في الحقيقة لاألومه فهو نشأ على ذلك وتعلم منذ صغره هذا
أصبح لديه ما يعرف الحرمان الحسي
ولهذا ربوا أبنائكم على تقبل الآخر وتعدد الآراء وأن الناس مختلفون والله عز وجل خلقنا شعوباً وقبائل لنتعارف
اذكر قصة جميلة لتأثير البيئة الصحراوية ( البدوية ) وكذلك المدنية على شاعر واحد
في قصة مشهورة للشاعر علي بن الجهم
يُحكى أنّ الشاعر البدوي علي بن الجهم، الذي عاش كل فترة طفولته وشبابه في الصحراء، حيث أنّ الحياة الجافة الصعبة قد أثرت على ألفاظه مع أنه كان رشيق المعاني، لطيف المقاصد، يُحكى أنه قد ضاقت به الحال يوماً فجاء إلى الخليفة العباسي المتوكل لينشده الشعر طامعاً بعطاياه، فاستهل قصيدته في مدح المتوكل بقوله:
أنت كالكلب في حفاظك للوُدّ -- وكالتيس ِ في قراع الخطوب ِ
أنت كالدلو لا عدمناك دلواً -- من كبار الدّلا كثير الذَّنوب
(الذنوب بفتح الذال معناها الكثير السيلان بسبب امتلائه)
فثار عليه الحاجب والوزير والخدم يضربونه ويريدون إسكاته فلا يكمل قصيدته، ولكن الخليفة المتوكل -وقد عرف قوة ابن الجهم الشعرية- عرف وفهم أن قسوة الألفاظ تسيطر عليه بحكم البيئة التي عاشها وأن هذه التشبيهات هي من نتاج انطباعاته البيئية.
ثم إن الخليفة المتوكل أمر بأن يتم إسكان علي بن الجهم في بيت وسط بستان في الرصافة على شاطئ دجلة عند جسر بغداد. وكانت تلك المنطقة خضراء يانعة فيها أسواق وخضرة ونساء وجمال، وقال لرجاله: أرجعوه إليّ بعد شهر ليعرض بضاعته، وفعلاً بعد شهر جيء بعلي بن الجهم هذا إلى جلسة المتوكل وحوله الأدباء والشعراء وقال له: أنشدنا، فقال علي بن الجهم قصيدة رائعة قال فيها وعنها الشعراء (لو لم تكن لديه إلا هي لكانت تكفيه أن يكون أشعر الناس)، والتي قال فيها :
عيون المها بين الرصافة والجسر 0000 جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري
خليلي ما أحلى الهوى وأمره 0000 أعرفني بالحلو منه وبالمرَّ !
كفى بالهوى شغلاً وبالشيب زاجراً 0000 لو أن الهوى مما ينهنه بالزجر
بما بيننا من حرمة هل علمتما 0000 أرق من الشكوى وأقسى من الهجر ؟
و أفضح من عين المحب لسّره 0000 ولا سيما إن طلقت دمعة تجري
وإن أنست للأشياء لا أنسى قولها 0000 جارتها : ما أولع الحب بالحر
فقالت لها الأخرى : فما لصديقنا 0000 معنى وهل في قتله لك من عذر ؟
صليه لعل الوصل يحييه وأعلمي 0000 بأن أسير الحب في أعظم الأسر
فقالت أذود الناس عنه وقلما 0000 يطيب الهوى إلا لمنهتك الستر
و ايقنتا أن قد سمعت فقالتا 0000 من الطارق المصغي إلينا وما ندري
فقلت فتى إن شئتما كتم الهوى 0000 وإلا فخلاع الأعنة والغدر
الى اخر القصيدة التي راح فيها يتغزل بحبيبته في مشهد شعري إبداعي أدهش الجميع، إذ كيف لمن كان يشبه الخليفة بالكلب والدلو أن يأتي بهذا الكلام فائق الروعة والرقة؟! حتى أن الخليفة المتوكل قال: "إني أخشى عليه أن يذوب رقة ً" .
وهكذا هي البيئة إذاً، لها أثرٌ ومقال، بل إنها التي تترك بصماتها على الإنسان أياً كان، وهي مصفاة لشخصية الانسان بل هي مختبر جمالي يمنح أعذب الأساليب وأرق الألفاظ، إنها البيئة يعيشها الإنسان فتدربه وتطوره ليتغير ويتحول من الفوضوي إلى المنهجي، ومن الجاف إلى الرقيق، ومن الجافي إلى الذوقي