ثانياً: ومن أسباب الثبات على الخير والصلاح الإيمان بالله تعالى قال عز وجل " يُثَبِّتُ اللَّهُ
الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة " والإيمان الذي وعد أهله وأصحابه
بالتثبيت هو الذي يرسخ في القلب وينطق به اللسان وتصدقه الجوارح والأركان فليس
الإيمان بالتحلي ولا بالتمني ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل فالالتزام الصادق في
الظاهر والباطن والمنشط والمكره هو أعظم أسباب التثبيت على الصالحات قال الله تعالى "
وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتا ً" فالمثابرة على الطاعة المداوم
عليها المبتغى وجه الله بها موعود عليها بالخير والتثبيت من الله مقلب القلوب ومصرفها.
ثالثاً: من أسباب الثبات على الطاعة والخير ترك المعاصي والذنوب صغيرها وكبيرها
ظاهرها وباطنها فإن الذنوب من أسباب زيغ القلوب فقد قال صلى الله عليه وسلم فيما
أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه:
" لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن
ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن "
وأما الصغائر فعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
" إياكم ومحقرات الذنوب كقوم نزلوا بطن واد فجاء ذا بعود وجاء ذا بعود وجاء ذا بعود حتى
أنضجوا خبزتهم وإن محقرات الذنوب متى يؤخذ بها صاحبها تهلكه "
خل الذنوب صغيرها وكبيرها ذاك التقى *** واصنع كماش فوق أر ض الشوك يحذر ما يرى
لا تحقرن صـغـيرة إن الجبال من الحصى
رابعاً: من أسباب الثبات على الإسلام والإيمان الإقبال على كتاب الله تلاوة وتعلماً وعملاً
وتدبراً فإن الله سبحانه و تعالى أخبر بأنه أنزل هذا الكتاب المجيد تثبيتاً للمؤمنين وهداية لهم
وبشرى قال الله تعالى "
قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدىً وَبُشْرَى
لِلْمُسْلِمِينَ" فكتاب الله هو الحبل المتين والصراط المستقيم والضياء المبين لمن تمسك به
وعمل.
خامساً: ومن أسباب الثبات على الصالحات عدم الأمن من مكر الله
فإن الله سبحانه و
تعالى قد حذر عباده مكره فقال عز وجل " أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ
الْخَاسِرُونَ" وقد قطع خوف مكر الله تعالى ظهور المتقين المحسنين وغفل عنه الظالمون
المسيئون كأنهم أخذوا من الله الجليل توقيعاً بالأمان وقال الله تعالى" أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا
بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ ` سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ"
يا آمناً معَ قبحِ الفعل منه *** هل أتاك توقيعُ أمن أنت تملكه
جمعت شيئين أمناً واتباع هوى *** هذا وإحداهما في المرء تهلكه
أما المحسنون من السلف والخلف فعلى جلالة أقدارهم وعمق إيمانهم ورسوخ علمهم وحسن
أعمالهم فقد سلكوا درب المخاوف يخافون سلب الإيمان وانسلاخ القلب من تحكيم الوحي
والقرآن حتى صاح حاديهم يقول:
والله ما أخشى الذنـوب فإنها *** لعلى سبيل العفو والغفران
لكنما أخشى انسلاخ القلب من *** تحكيم هذا الوحي والقرآن