إني لألقم اللقمة أخاً من إخواني فأجد طعمها في حلقي !(ابو سليمان الداراني) .
حديثي لكم عن الإخوة الصادقة التي تبنى على أواصر الإيمان ويجتمع شملها على حب الله تعالى مع خلوها من كل شوائب الحياة والمصالح والأغراض الدنيوية الزائلة .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أوثق عرى الإيمان المولاة في الله والمعاداة في الله والحب في الله والبغض في الله " . رواه الطبراني
فقد جعل الرسول صلى الله عليه وسلم أحد الركائز التي يبنى عليها الإيمان ويكمل صرحه وهو الحب في الله , فمن أحب لله لا لمصالح الدنيا ولا أغراض الهوى فهو مؤمن ؟.
وقد تحسَر الكافرون يوم القيامة وتمنوا بأن يكون لهم ولو أخاً صالحاً حميماً ينقذهم من عذاب الهوان والنار فصاح لسان حالهم : " فما لنا من شافعين ولا صديق حميم " .
حسرة ولكنها في غير موضعها وفي غير أوانها ولذلك لم تنفع , ولو إستثمروها في الدنيا وصاحبوا الاخيار وعقدوا أواصر الإخوة معهم لنالتهم نفحات : " هم القوم لا يشقى جليسهم " ولكن ضيعوا على أنفسهم الفرصة الذهبية فكانت النتيجة هيهات وهيهات .
ويقول الحسن البصري رحم الله : إستكثروا من الأصدقاء المؤمنين فأن الرجل منهم يشفع في قريبه وصديقه فأذا رأى الكفار ذلك قالوا : " فما لنا من شافعين ولا صديق حميم " .
وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
" قال الله تعالى : وجبت محبتي للمتحابين فيَ , وللمتجالسين فيَ , وللمتزاورين فيَ , وللمتباذلين فيَ " .
تأمل هذا الحديث النبوي الشريف بأن محبة الله عزوجل تجب أي تحق لهم , لمن أحب في الله ؟ أو جالس في الله أو زار لله أو بذل لوجه الله .
كم هي نعمة عظيمة ومنحة إلهية كبيرة أن تكتب لك محبة الله تعالى فتكون من أحبابه ؟ .
الإخوة صلة الامة بعضها بالبعض الآخر فقد أقامه الرسول صلى الله عليه وسلم على الإخاء الكامل , الإخاء الذي تمحى فيه كلمة "أنا" ويتحرك الفرد فيه بروح الجماعة ومصلحتها وآمالها فلا يرى لنفسه كياناً دونها ولا إمتداداً إلا فيها . (محمد الغزالي) .
واسمعوا معى هذه القصة التى حصلت بين المهاجرين والأنصار : حدثت هذه القصة التي تكاد أن تكون ضرباً من الخيال أو ألاساطير في زماننا لكنها حقيقية وواقعية حدثت في زمان الرعيل الاول وهم أصحاب الامتياز الرباني الصحابة الاخيار رضوان الله عليهم أجمعين .
قصة سعد بن الربيع وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما , رجلان من بلدين مختلفين لم يلتقيا من قبل ولا يعرف أحدهما الآخر .. ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم آخى بينهما ...
فجاء سعد بن الربيع الى عبد الرحمن بن عوف فقال له : إني أكثر الأنصار مالاً فأقسم مالي نصفين ولي إمرأتان فانظر أعجبهما اليك فسمها لي فاطلقها فإذا إنقضت عدتها فتزوجها .
قال عبد الرحمن بن عوف : بارك الله لك في أهلك ومالك أين سوقكم ؟؟ فدلوه على سوق بني قينقاع وبدأ يربح ويكسب الأموال وبوركت تجارته .
ما هذا الإيثار ؟ وما أروع هذه الروح العظيمة ؟ وما هذا الايمان ؟ السر في هذا تحقق قول الله تعالى فيهم : " إنما المؤمنون إخوة " ! ...
وأسمع إلى الصحابي الجليل أبي الدرداء رضي الله عنه وهو يقول : إني لأدعو لسبعين من إخواني في سجودي أسميهم بأسمائهم .
ابو الدرداء رضي الله عنه ينتهز أقدس الحالات وأكثرها عبودية وأقربها للأجابة وهي لحظة السجود بين يدي الباري عزوجل ليدعو لأصحابه وبأسمائهم رغم كثرة عددهم وهم سبعين .
هل جربت هذه الحالة ؟ هل تدعو لأخوانك في سجودك ؟ هل تحب لهم ما تحب لنفسك ؟ هل تكره لهم ما تكره لنفسك ؟ .
فالإخوة لا تنبع في المستنقعات العفنة ولا في قلوب النفوس الخسيسة التي تمتلأ غلاً وحسداً وبغضاً وقد عشعش فيها الشيطان .
الإخوة تنبت في البيئة الصالحة للإنبات في القلوب الكبيرة والنفوس المتسامحة التي ملأت حباً ووداً وكرماً وعفة .