قصص - روايات - حكاياتلطرح القصص والروايات الخيالية و الحقيقه و الكتابات الخاصة " ذات العبرة و الفائدة ",
القصص والروايات قصص واقعية و روايات - قصص واقعية، قصص عربية، قصص أطفال، قصص حب، قصص غراميه، قصة قصيره، قصة طويلة قصص روايات ادربيه طويله قصص واقعيه قصص روايات قصص حب قصص رومانسيه روايات رومنسيه قصص واقعيه قصص و روايات حب ,
م. أتم دراسته الثانوية والجامعية بمدينة فاس حتى حصوله على الإجازة في الأدب العربي ببحث يهتم بتأصيل المسرح العربي. وفي عام 1971م، أسس فرقة مسرحية في مدينة الخميسات لاقت عروضها الاحتفالية صدى طيبا لدى وسط الجمهور المغربي والعربي أيضا.وقد حصل على دبلوم في الإخراج المسرحي من أكاديمية مونبولي بفرنسا. ودرس بالمعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي بالرباط. وفي 2003م، حصل على الدكتوراه في المسرح من جامعة المولى إسماعيل بمكناس. كما تولى مناصب هامة وسامية مثل مندوب جهوي وإقليمي سابق لوزارة الشؤون الثقافية ومستشار سابق لوزارة الشؤون الثقافية و أمين عام لنقابة الأدباء والباحثين المغاربة وعضو مؤسس لنقابة المسرحيين المغاربة. وقد كتب عبد الكريم برشيد الرواية والشعر والمسرحية والنقد والتنظير. وساهم في بلورة نظرية مسرحية في الوطن العربي تسمى بالنظرية الاحتفالية.
2. مسرحية "ابن الرومي في مدن الصفيح" تطبيقا:
يحمل عنوان المسرحية" ابن الرومي في مدن الصفيح" مفارقة رمزية ودلالية بين شاعر عربي عاش في العصر العباسي حياة شعبية قوامها: الفقر والانكماش والخوف والتكسب ومكان معاصر هو المدينة بأحيائها القصديرية الصفيحية التي تشخص التفاوت الطبقي والصراع الاجتماعي وافتقار الناس البسطاء إلى أبسط حقوق الإنسان. أي أن العنوان يحيل على جدلية الأزمنة: الماضي والحاضر وتداخلهما. ومن خلاله، يتبين لنا أن الكاتب يعصرن التراث ويحاول خلقه من جديد عن طريق محاورته ونقده والتفاعل معه تناصا ومتناصا. ويعني هذا، أن عبد الكريم برشيد يشتغل كثيرا على التراث حتى أصبح نموذجا يقتدى من قبل المسرحيين الهواة وحتى من قبل رواد المسرح الاحتفالي مثل: الطيب الصديقي، وإبراهيم العلج وعبد الله شقرون… وهذه العناوين المدهشة الغريبة التي يتداخل فيها الماضي والحاضر أو التراث وحضور المكان (المدينة المعاصرة) موجودة عند برشيد بكثرة مثل: امرؤ القيس في باريس، عنترة في المرايا المكسرة، النمرود في هوليود…
الاحداث: وتحتوي مسرحية " ابن الرومي في مدن الصفيح" سبع عشرة لوحة احتفالية تجسد عالمين: عالم الخيال وعالم الواقع.
يدخل ابن دنيال صاحب خيال الظل بعربته الفنية ليقدم فرجته للجمهور مع ابنته دنيازاد التي تذكرنا بأسماء شخوص ألف ليلة وليلة.لكن المسئول عن الستارة يرفض السماح له بالدخول مادام العرض المسرحي لم يبدأ؛ لكنه سيتعرف عليه بعد أن يكتشف أنه من كبار المخايلين المتخصصين في خيال الظل, وقد أتى إلى الركح من أوراق التراث الصفراء ليظهر ما لديه من الحكايات والمرايا بدلا من هذه المناظر والمشاهد التي يسعى أصحابها إلى بنائها جاهدين وفيها يفصلون الأغنياء عن الفقراء بينما المسرح حفل واحتفال ومشاركة جماعية:
عامل الستار: سأرفع الستار ولكن ليس الآن. عمال المناظر لم يكملوا البناء بعد.
ابن دنيال: عمال البناء؟…لكن، أي شيء يبنون الآن؟ أريد أن أعرف ذلك….
عامل الستار: لن ترى جديدا….
ابن دنيال: ماذا أسمع؟
عامل الستار…فمنذ كان المسرح والمناظر محصورة في شيئين. القصور للأغنياء…
ابن دانيال:..والأكواخ للفقراء…
(تسمع الدقات التقليدية الثلاث، ينسحب عامل الستار) 11.
ويعرف ابن دنيال بنفسه وابنته ويقدمان نفسهما للجمهور كراويين سيقدمان له مجموعة من شخصيات خيال الظل قصد تسليته وإفادته، وأن ابن دنيال المخايل نزل من التاريخ المنسي إلى هامش الحاضر ليزرع بشارته وأمله في المستقبل:
ابن دنيال: أحبتي. أتيتكم من بين الصفحات الصفر الباليات.
من الزمن المعلب النائم فوق الرفوف.
كنت حرفا تائها. معلقا منشورا
فوق حبل الزمن
فجئتكم، كدفقة نور كموجة صوت
كليل يمطر أقمارا ونجوما ساطعات
كنت عمرا فقيرا، بذر في غيبة السمار زيته
فجئته الآن من قلب غمامة
أحمل حفنة زيت وفي القلب شرارة…" 12.
وبعد ذلك، يتحلق الأطفال حول عربة خيال الظل التي تنعكس في ستارتها الظلال والأضواء لتنسج أنفاسا احتفالية من الخيال والواقع، ولتعبربحكاياها عن فئات مجتمع المدائن والأقطار قريبة كانت أو بعيدة بكل تناقضاتها الحياتية.
وينتقل الكاتب من الخيال ومن لعبة خيال الظل إلى الواقع، واقع المدينة القصديرية ذات الأحياء الصفيحية حيث نلتقي بسكانها ولاسيما حمدان ورضوان وسعدان، هذه الطبقة الشعبية التي أنهكتها الظروف المزرية كالفقر والداء والبطالة وضغوطات الواقع التي لا تتوقف. يقصد المقدم هذه الفئة ليخبرها بضرورة الرحيل لتحويل هذا الحي الذي لا يناسبهم إلى فنادق سياحية جميلة تجذب السواح وتدر العملة الصعبة على البلد ريثما سيجد لهم المجلس البلدي مكانا لإيوائهم في أحسن الظروف. لكن أهل الحي رفضوا هذا المقترح وقرروا أن يكون موعد الرحيل من اختيارهم أنفسهم بدلا من أن يفرض عليهم من فوق وهو لا يخدمهم لا من قريب ولا من بعيد.وتدل الأسماء العلمية التي يحملها الثلاثة على السخرية والتهكم والمفارقة إذ يدل حمدان على الحمد وسعدان على السعادة و رضوان على الرضى على غرار عنوان المسرحية الذي يثير الحيرة والاستغراب المفارق.
ويحاول ابن دنيال أن يستقطب أهل الحي وأطفاله الصغار لكي يقدم لهم فرجة تنعكس على خيال الظل بعوالمه الفنطاستيكية وشخصياته التاريخية والأسطورية؛ لكن هذه الحكايات والقصص لم تعد تثير فضول السامعين وتشد انتباههم. لأنها حسب دنيازاد بعيدة عن واقعهم الذي يعيشون فيه. لذلك اختارت دنيازاد أن يكون الموضوع قريبا من حقيقة المشاهدين يمس مشاكلهم ويعالج قضاياهم ويطرح همومهم، أي يكون المعطى الفني شعبيا. وهذا ما قرر ابن دنيال أن يفعله، أن يحكي لهم قصة الشاعر ابن الرومي في مدينة بغداد التي قد تكون قناعا لكل المدن المعاصرة كما يكون ابن الرومي الشاعر المثقف قناعا لكل المثقفين المعاصرين.
" ابن دنيال:ابن الرومي الذي رسمته وقصصته بيدي ليس وليد بغداد التي تعرفون… شاعر الليلة يا سادتي قد يكون من باريز، من روما، من البيضاء، أو من وهران. قد يكون علي بن العباس أو قد يكون الشاعر لوركا. قد يكون المجذوب أو بابلونيرودا. قد يكون من حيكم هذا. قد يكون أنت أو أنت أو أنت، من يدري؟ قد يكون وقد يكون… سادتي… نرحل الآن إلى بغداد- الرمز." 13
وبعد ذلك، ينقلنا ابن دنيال عبر صور خيال الظل وظلاله إلى بغداد المعاصرة بأكواخها الفقيرة وأحيائها القصديرية ومنازلها الصفيحية لنجد ابن الرومي منغلقا على نفسه منطويا على ذاته لا يريد أن يفتح بابه على العالم الخارجي ليرى الواقع على حقيقته: " هل أفتح الباب أو لا أفتحه؟ هل أفتحه؟
يومك يا ابن الرومي لغز محير، وأحلامك يا ضيعتي رموز غامضة… أحيا بين رمز ولغز." 14
ويزداد ابن الرومي الشاعر المنكمش الخائف على نفسه من العالم الخارجي تشاؤما وتطيرا من الوجوه التي كان يجاورها في حيه الشعبي المتواضع: أشعب المغفل الذي يتهمه ابن الرومي بالغيبة والنميمة ونقل الأخبار بين الناس والتطفل عليهم وجحظة الحلاق الذي كان يزعجه بأغانيه المستهجنة ودعبل الأحدب بائع العطور والمناديل الذي يعتبره وجه النحس والشقاء وعيسى البخيل الإسكافي العجوز الذي كان يعتبره رمزا للشح والتقتير.كل هذه الوجوه الشقية المنحوسة كان يتهرب منها الشاعر العالم، ويكره العالم لأنه لم يجد إلا بيتا يطل على البؤساء والأشقياء والمعوقين والفقراء التعسين.لذا، أغلق بابه على هؤلاء الناس ولم يتركه مفتوحا إلا للذين يغدقون عليه بالنعم والفضائل من أمثال الممدوحين والأغنياء ورجال السلطة والأعيان خاصة رئيس المجلس البلدي. ويقصد الشاعر بيت عمته الرباب باحثا عن جارية حسناء ترافقه في دهاليز الحياة وتسليه في دروبها المظلمة الدكناء. ولم يجد سوى عريب الشاعرة الجميلة التي دفع فيها كل ما اكتسبه من شعره ومدحه قصد الظفر بها عشيقة وأنيسة تشاركه سواد الليالي ووحدته المملة القاتلة في كوخه الذي لا يسعد أي إنسان ولاسيما أنه يجاور دكاكين الجيران المنحوسين الأشرار. مما جعله يعاني من عقدة التطير والانطواء على الذات والهروب من بغداد المدينة وعالمها الخارجي ليعيش حياته في أحضان عريب سلطانة الحسن والدلال بكل حواسه:" وبعد هذا يا ضيوف المخايل وعشاق الخيال…
سار الشاعر الحزين وعريب خلفه… سارا إلى حيث لا نور، لامسك، لا ريحان، ولا وسائد، سارا إلى أكواخ الخشب والقصدير، إلى حيث النور شموع والفرش حصير.
وصل الشاعر، أغلق خلفه كل ثقب وباب، وأقام أزمانا في حضرة الجارية قيام أهل النسك في المحراب" 15.
وسيتحول ابن الرومي من شاعر مثقف إلى شاعر انتهازي متكسب لا يهمه سوى الحصول على الأعطيات والمنح من رجال الجاه والسيادة والسلطة حيث سيشتري رئيس المجلس البلدي ذمته بكتابة قصيدة شعرية يصور فيها بؤس الحي الصفيحي الذي يعيش فيه مع أولائك المنحوسين الأشقياء قصد طردهم من هذا الحي وهدم أكواخه التي يتعشش فيها الفقر والداء والبؤس والنحس قصد بناء فنادق سياحية تجلب العملة الصعبة لحكام بغداد الأثرياء وأعوانهم:
"الخادم يا زمان:.. المهم يا ابن الرومي أن المجلس البلدي قد اتخذ قرارا بهدم هذا الحي… لا تنزعج على بيتك، سيكون لك ماهو أحسن، نعم، لقد فكروا فيك جيدا. ستتحول هذه الأكواخ الحقيرة إلى مركب سياحي ضخم يأتيه السواح الأغنياء من نيسابور وجرجان وفاس وصقلية. ستمطره ألوان من العملة الآتية من أركاديا وفينيقيا وقرطاج، هل تعلم؟ إن المجلس البلدي لا يطلب منك شيئا كثيرا. نعم، لاشيء غير أبيات من الشعر. أبيات تصور الحي الحقير وأهله. أنت تؤمن بالشؤم، أليس كذلك؟ تؤمن بأن متاعبك آتية من هذه الأكواخ الوسخة. من دعبل الأحدب، من جحظة المغني، من عيسى البخيل، من أشعب المغفل، من كل الصعاليك والمشردين، هذه فرصتك يا ابن الرومي للتخلص- وإلى الأبد- من شؤم هذا الحي ونحسه.." 16.
ويستمر ابن الرومي في تطيره ونحسه حيث لا يفتح الباب مطلقا ليعرف ماذا وراء عالمه الداخلي المقفل؛ بل كان يطل على الواقع الموضوعي من ثقب صغير في الباب، وكان لا يرى من بغداد سوى جيرانه الأشقياء التعساء فيزداد تشاؤما إلى تشاؤم، فتسود الحياة في وجهه لولا الحب الذي تغدقه عليه جاريته الحسناء والأحلام اللذيذة التي تسعده في منامه ويقظته:
"أشعب المغفل: ولم لا؟ لقد قلتها دائما وما صدقتم. الشاعر أقدامه في التراب مثلنا ولكن رأسه في السحاب.
دعبل الأحدب: من أجل هذا إذن، أقفل الباب خلفه.
جحظة المعني: الملعون، وأنا من تصورته كل صباح ينهض من فراشه، يلبس أثوابه ثم يطل على بغداد من ثقب المفتاح.
عيسى البخيل: ومن الثقب ياجحظة ماذا يرى الشاعر؟
عيسى البخيل:ماذا يمكن أن يرى غير دعبل الأحدب القاعد صباح مساء بلا بيع ولا شراء؟
دعبل الأحدب: أما أنا فقد تصورته يا رفقتي يقوم كل صبح وفي عينيه حلم أخضر. يترك الوسادة وعلى شفاهه بقايا ابتسام الأحلام. يقوم الشاعر وفي قلبه شوق إلى بغداد فيكون أول شيء يسمعه هو صوت جحظة، فيعود المسكين إلى فراشه، يخلع ملابسه وفي قلبه خوف من يوم نحس… أعوذ بالله من يوم غرته صوت جحظة. ثم يتلو القرآن ويعلق التمائم ويقرأ اللطيف… يا لطيف..يا لطيف، يا لطيف، يا لطيف…" 17.
وينتقل ابن الرومي كما قدمه الراوي من شاعر متشائم متكسب إلى شاعر حالم مستلب ومغترب عن واقعه الخارجي، يعيش الخيال في واقعه يركب السحاب وهو معلق بالتراب الأرضي وكوخه الحقير يتأفف من جيرانه الذين يحبونه ويشعرون به أيما شعور وإحساس:
" عدتم من جديد، أنتم عذابي الذي يمشي وينطق، متى تفهمون أن حضوركم يسرق النور من أيامي؟ أجيبوني! أليس من حقي أن أحيا ككل الناس؟ ماذا أذنبت في حق السماء؟ ماذا أذنبت في حقكم؟ اغربوا عن وجهي واتركوني أجتر عذابي… إليكم عني.. ابتعدوا عن بابي وأعتابي، لقد لوثتم الضياء والهواء… اتركوني، اتركوني." 18 افلامعالم حواءانجليزى
وسيتصالح ابن الرومي مع جيرانه الذين قرروا الارتحال بعيدين عنه حتى يكون سعيدا في حياته ماداموا قد أصبحوا في رأيه رموز الشر والنحس والتطير والتشاؤم. لكن ابن الرومي سيتعلم درسا مفيدا من عريب- صارت حرة بعد انعتاقها من الرق وعبودية العقود المزيفة- التي اختارت أن تعيش معه بشرط أن يفتح بابه للآخرين وجيرانه الذين هم ضحايا الواقع والاستلاب والاستغلال طغمة الجاه والسلطة، وأن تعيش معه في هذا الحي الشعبي مع هؤلاء الناس الطيبين الأبرياء الذين همشوا من قبل المسئولين وأصحاب القرار الذين يريدون ترحيلهم قصد الاستيلاء على ممتلكاتهم وحيهم الذي يسكنون فيه لاستثماره في مآربهم الشخصية:
"عريب: لقد منحتني حق الاختيار وقد اخترت. اخترت أن أكون إلى جوارك، إلى جوار دعبل وعيسى وجحظة وأشعب وغير هؤلاء. إنني أراك واقفا في بركة ماء وعيونك فوق…سجين بغداد وأشياخها وسجين نفسك…ابن الرومي، إنني أشفق عليك من…" 19.
وسيصبح ابن الرومي شاعرا ثائرا يتصالح مع جيرانه ويمنعهم من الرحيل ويعترف بأخطائه الجسيمة التي ارتكبها في حقهم وبأن سماسرة السراب هم المسئولون عن هذا الاستلاب والتخدير الاجتماعي ووعدهم أن يكونوا يدا واحدة في وجه المستغلين وبائعي الأحلام الزائفة:
"ابن الرومي: عيسى، جحظة، دعبل، أشعب، اقتربوا. هذا قلبي التعس أنشره عند أقدامكم سجادا وبساطا. اقتربوا…
جحظة المغني بارتياب) ما هذا الكلام الزائد؟
عيسى البخيل: هل أنت بخير يا ابن الرومي؟
ابن الرومي: نعم، لأول مرة أشعر بأنني أحيا وأتنفس وأرى. اقتربوا، اقتربوا يا من في أحداقكم أقرأ مافي القلب. قلوبكم ناصعة ظاهرة. أراها منشورة أمام الكل على حبل الغسيل… أشعب، يا رسول الحي وقلبه، لست فضوليا. نعم، لأنك الجزء والكل. أنت روح بغداد، الظل، بغداد الفقراء… وأنت ياجحظة، ياكروان حي الصفيح، غنيت عذابنا وشقاءنا، غنيت أفراحنا… وأنت يا دعبل…
دعبل الأحدب: سأرحل كما ودعتك يا ابن الرومي.
ابن الرومي: لا بل ستبقى، نعم، أخاف عليك من العراء. أخاف من قبضة السماسرة. ستبقى. سيبقى الجميع. وليذهب الخادم يا زمان إلى الجحيم…
عيسى البخيل: يا زمان؟!هذا الاسم جديد على سمعنا يا ابن الرومي..
ابن الرومي: سأحدثكم عنه، ولكم ليس الآن… وأنت يا عيسى؟
عيسى البخيل: لست بخيلا يا ابن الرومي. صدقني…
ابن الرومي: أصدقك…" 20.
وتختار عريب في الأخير أن تدفع الشاعر لمعرفة العالم الخارجي قصد تحريره من خياله وأوهامه وأحلامه وانكماشه الداخلي واغترابه الذاتي والمكاني، فأرسلته ليبحث لها عن خلخاله الذي ضاع منها في السوق؛ وبعد تردد وتجاهل قرر ابن الرومي أن ينزل عند رغبة عريب وأن يبحث لها عن خلخالها:
" عريب: ( تحدث نفسها في حزن) ياالله! ماذا فعلت؟ بعثت به إلى السوق لا ليعود بالخلخال ولكن لأحرره من نفسه وأوهامه. تراني فعلت خيرا أم ارتكبت خطأ قاتلا؟ لست أدري.. لست أدري…" 21
ويعود الكاتب إلى خيال الظل وصاحبه ابن دنيال الذي ثار عليه المشاهدون من أهل الحي القصديري؛ لأنهم لم يمنحهم الحلول ويخبرهم عن ابن الرومي الثائر الذي خرج إلى السوق والعالم الخارجي باحثا عن الخلخال الضائع. لكن ابنته دنيازاد وهي من جيل الحاضر على عكس أبيها الذي مازال يعيش أحلام الماضي الأصفر تدعو إلى الثورة والنضال والتغيير والتظاهر من أجل الدفاع عن الحقوق المشروعة فتختار الحركة بدلا من اللفظ البراق والشعارات الجوفاء:
" ابن دانيال:دنيازاد، إلى أين تذهبين يا ابنتي؟
دنيازاد: أين أذهب؟ أذهب إلى حيث يذهب هؤلاء.
ابن دانيال:ولكننا لسنا منهم، نحن من عالم آخر…
دنيازاد: أنت واهم يا أبي، ليس هناك إلا عالم واحد ومدينة واحدة…الكلمة التي تفتقر إلى الحركة هي كلمة زائفة تماما كعملة بلا رصيد. وجودنا داخل المدينة وعذابها أشياء لايمكن القفز فوقها. تعال يا أبي.. عذاب الفقراء ماكان يوما فرجة ولن يكون أبدا…تعال….( تمد يدها لابن دانيال. يتردد هذا لحظة لم يعطيها يده)." 22
الشخصيات الدرامية:
أما الشخصيات الدرامية في المسرحية فهي أقنعة رمزية ويمكن تصنيفها إلى أصناف عدة، فهناك شخصيات تراثية تنتمي إلى الماضي الشعبي والأسطوري (ابن دنيال- دنيازاد) والأدبي (ابن الرومي)وشخصيات معاصرة تنتمي إلى الحاضر(سعدان- رضوان-حمدان- المقدم- رئيس المجلس البلدي)، كما أن هناك شخصيات مثالية مثل: ابن دنيال وابن الرومي وشخصيات واقعية مثل: سعدان ورضوان وحمدان وعريب…كما أن هناك شخصيات كادحة مستغلة بفتح الغين مثل: سعدان وحمدان ورضوان وجحظة المغني وعيسى البخيل ودعبل الأحدب وعريب وشخصيات مستغلة (بكسر الغين) تملك الجاه والسلطة والزيف مثل: المقدم و الخادم يا زمان ورئيس المجلس البلدي.وسنحاول الآن رصد مواصفات الشخصيات المذكورة في المسرحية التي صاغ الكاتب أسماءها في صيغة المفارقة والسخرية: