عندما حدثت تفجيرات في فرنسا وألمانيا وغيرها تألم البعض ممن ينتسبون للاسلام وحزنوا وشجبوا واستنكروا وابدوا تعاطفهم الشديد مع الضحايا ،
وفي تفجيرات تركيا المتعددة نشاهد نفس "البعض" يتباشر ويتسابق لمتابعة الاخبار وهو يتشقق فرحاً " وإن حاول إخفاء فرحه " ..
إن الله تعالى حين ابتلى المؤمنين بشدة عداوة المنافقين لهم، وفرحهم بما يصيبهم، وغمهم من فرحهم إنما هو لخير المؤمنين؛ فإن الملك ملك الله تعالى، والأمر أمره سبحانه، والقدر قدره عز وجل، فلا يقع شيء إلا بعلمه وأمره، وهو سبحانه يحب عباده المؤمنين، ويكره ما يسوءهم ولو قدره عليهم، فلن يقدر إلا ما هو خير لهم في العاقبة، ولو بدا في أوله غير ذلك؛ ولذا يتردد سبحانه في قبض روح المؤمن لعلمه أن المؤمن يكره الموت، والله تعالى يكره ما يسوء المؤمن. وهذا التدبير الرباني بابتلاء المؤمنين بالمنافقين فيه من الخير ما لا يحصى:
ففيه كشف المنافقين ومعرفتهم، وتنقية الصف منهم، وكشف القناع عن وجوههم الحقيقية؛ ليرى جمهور الأمة سوادها وظلمتها، وحسدها وحقدها، فلا يغتر بهم أحد بعدها.
وفي الابتلاء بشراسة المنافقين وكيدهم قوة للمؤمنين، وشحذ لعزيمتهم، ورياضة لهم على الصبر والتقوى، وقد قيل: الضربة التي لا تميت صاحبها تقويه. وقد كتب الله تعالى البقاء لأمة محمد عليه الصلاة والسلام إلى آخر الزمان، وإن لقي الله تعالى بعض أفرادها في موجات البلاء، فكل ما يصيبها من أوصاب وابتلاءات وتسلط من أعدائها فهو قوة لها ولمن يبقى من أفرادها؛ حتى تكون أمة صبورة شجاعة متقية، تستحق العاقبة بالظفر والنصر.
ومن ثمرات الابتلاء بعداوة المنافقين: لجوء المؤمنين بأنواع العبودية لله تعالى، وصدق التوجه إليه، والتوكل عليه، والتعلق به، والانطراح على بابه، والإلحاح في دعائه.. ولولا موجات البلاء ما صقلت النفوس، ولا أخرجت بلابل القلوب، ولا توجه المؤمنون إلى الله تعالى توجها كاملا قطعوا معه كل العلائق بغيره عز وجل.. وقارن -يا عبد الله- صلاتك حال كربك وصلاتك في أمنك، ودعاءك في محنتك، ودعاءك في عافيتك؛ لتعلم أن الكروب والمحن تُذَوِّقُك حلاوة العبودية وطعم الدعاء، فالمحن والكروب مقربات إلى الله تعالى، مزهدات في الدنيا، معظمات للآخرة.. ولو لم يجن المؤمن من شدة الابتلاء والكرب بأعدائه المنافقين إلا ذاك لكان كافيا.. فكيف وهو يجني الكثير والكثير.. من تكفير السيئات، ومحو الخطيئات، وزيادة الحسنات، ورفع الدرجات، والتكيف مع الابتلاءات، والرياضة على الصبر، وازدياد الإيمان، وتمكن التقوى، وتطهير القلب، وهزيمة الأعداء، والتمكين في الأرض، وقد قال نبي الرحمة - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَا يُصِيبُ المُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلاَ وَصَبٍ، وَلاَ هَمٍّ وَلاَ حُزْنٍ وَلاَ أَذًى وَلاَ غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ" رواه البخاري.