6- يأخذ ما يريد:
كان اليوم التالي يوما مجنونا كما توقع بول ..وكذا كان حال الأيام التالية .
فقد سعى بول وراء عدة أسهم تصدرت واجهة المبيعات .
فكان أن بقيت باميلا مشغولة بتسجيل طلباته .
كان الساعة يوم الخميس قد تجاوزت السادسة عندما استدعاها قائلا إن الطلبات جميعها نفذت .
وإن عليها تسجيلها وإرسالها الى قسم الحسابات جميعها للتأكد من الأرقام المسجلة.
وفيما هي واقفه قرب مكتبة تهادت إليها رائحة عطر فرنسي فاخر.
رفت باميلا رأسها فشاهدت قوام سوزي هاليداي النحيل المكسو بزي أنيق أزرق اللون حريري .
في اللحظة التي التقت عيونهما ، شاهدت باميلا الصدمة الكاملة تجمد وجه سوزي وانفتح فمها الرائع دهشة:
- أنت ! ماذا فعلت....!
وقبل أن تكمل جملتها وقف بول مرحبا بها. فنسيت كل ما يتعلق بباميلا وأسرعت اليه ترتمي بين أحضانه.
- حبيبي ..أشتقت الى رؤيتك كثيرا ، فلم أستطع البقاء مدة أطول.
هل أشتقت إلي.؟
نظر بول من فوق رأس سوزي الى باميلا :
- هذا كل شيء الآن آنسة سامرز . رجاء أهتمي بتصحيح الطلبات مع المحاسبة؟
تركت باميلا المكتب نغلقة الباب وراءها ، وضحكة سوزي الناعمة ترن في أذنيها. أحست بقبضة تمسك بقلبها وتشده ،
فلسوزي جو من الرفعه لن تصل اليه .
إنه جو التقة الأكيدة التي تتأتى من العيش في وسط ارستقراطي يسمح للمرء بشراء كل ما يرغب فيه.
انشغلت بترتيب طلبات الشراء كل يحسب فئته لتواصلها الى غرفة الكومبيوتر ...وخرج بول وسوزي ، التي كانت تتعلق بذراعه بتملك يظهر بوضوح أن هذا الرجل ...لها.
حرر بول ذراعه من سوزي وربت على يدها . ثم تقدم الى طاولة باميلا ونظر بسرعه الى الطلبات المرتبة :
- لقد كان يومنا حافل بالعمل اليوم آنسة سامرز . سأخرج الآن . لماذا لا ذهبين أنت أيضا الى المنزل وغدا نهتم بهذه ؟
- لا بأس سيد غراينجر ، ليس لدي معهد اليوم . وأستطيع البقاء قليلا حتى أنقل هذا العمل الى غرفة الكومبيوتر .
فقطب جبينه :
- لا حاجه الى العجلة خاصة وأنني لا أحب أن تتأخري ـ فهذة الشوراع تُقفر ما أ تقفل سوق القطع .
دنت سوزي من بول وأمسكت يده تجذبه نحو الباب :
- حقا يا بول . .. إنها ليست عادتك ..تبدو كأنك أم رؤوم .
الآنسة سامرز قادرة على العناية بنفسها ...فللفتيات العاملات مقدرة على تخطي الصعاب .
جرته الى خارج الغرفة والتقطيبة ما أنفكت على وجهه .
عملت باميلا بسرعة ، مدركة أن الطاقة الغاضبة هي التي تدفعها.
كانت الساعة توشك أن تصبح الثامنة عندما سمعت وقع أقدام ثقيلة في الممر المهجور .
فذعرت لأنها تذكرت فجأة أنها لم تقفل الباب الخارجي .
وأنها وحيدة في مكتب فارغ .
حين أنفتح الباب كانت تمسك سماعة الهاتف بيد مرتعشة وتطلب طوارئ الشرطة ، ولكن الجسد الذي سدّ الباب كان جسد بول غراينجر .
فتنفست باميلا الصعداء ثم أعادت السماعة الى مكانها .
- لقد أرعبتني ، لم أتوقع عودتك هذا المساء.
انعقد حاجباه بعبوس أسود:
- أنت لا تسمعين أبدا ، ألم أطلب منك عدم البقاء بعد ساعات العمل ؟
كان بإمكان مطلق شخص الدخول من هذا الباب كما فعلت أنا تماما ...ماذا كنت ستفعلين عندئذ ؟
- أنا قادرة على التعامل مع الموقف . كنت أتصل بالشرطة عندما دخلت .
- قد يجدونك ميتة عندما يصلون ..ألم أقل لا تتأخري ..أنا أتوقع من موظفي تنفيذ أوامري .
ولكنني أراك مصممه على بذل المستحيل حتى أفقد صبري وأطردك ..حسنا...لن تنجحي في هذا...ربما أمضيت حياتك تديرين الرجال حول أصبعك ..
ولكنني مختلف . فأنا لا أجد باميلا الجديدة أكثر جاذبية من باميلا العجوز .
لذا سأختفظ بك حتى أثبت لك هذا . ستبقين ملتصقة بهذه الوظيفة حتى أطلب منك الرحيل لكنني لن أسمح لك بإغضابي حتى أطردك ..والآن وضبي أغراضك ..سنخرج.
أمسكت كومة الأوراق:
- سأضع هذه مكانها ..لن أتأخر .
فقاطعها ضاربا يدها بعنف ليعيد الأوراق الى الطاولة.
- دعيها من يدك ! قلت سنخرج!
أمسك بمعصمها وجرها الى الباب .
عندما أصبحا في المصعد نظرت إليه:
- لا أستغرب عدم أحتفاظك بسكرتيرة أخرى غيري . فأنت طاغية !
نظر إليها بول ببرود:
- لا أعتقد أن هناك شيئا من الديكتاتورية إذا توقع رب العمل من موظفية الطاعة.
لقد طلبت منك ألا تتأخري في العمل ، فكان أن تعمدت عصيان رغباتي .
- كان لدي عمل أنهيه .....فمن صميم عملي تحضير هذه الطلبات للكومبيوتر صباح الغد.
- ومن صميم عملك أن تطيعي أوامري أنا ...مسؤوليتك الوحيدة هي الإذعان لتعليماتي .
- حسنا ..أنا لا أوافقك الرأي سيد غراينجر ، فأنا مسؤولة أمام الشركة.
- أنا الشركة ..آنسة سامرز ...ومسؤولياتك لي وحدي!
اقتادها نحو السيارة حيث جلست في المقعد الأمامي صافقا الباب خلفها، ثم أستوى الى مقعد القيادة وقال بصوت متزن :
- هل تناولت الطعام ؟
- لست جائعة .
- لا أدري لماذا أزعج نفسي بالسؤال ..حسنا لا أظنك تناولت طعاما ..وربما أنك غاضبة غضبا سيجعلك تذهبين مباشرة الى النوم دون عشاء فقد قررت أن نأكل شيئا قبل أن أوصلك.
التفتت إليه وقطع الجليد تتساقط من صوتها :
- قلت لك لست جائعة !
- حسنا أنا جائع . فإن شئت راقبيني وأنا مسترسل في إرضاء شهيتي .
فسألته بصوت خفيض :
-ألم تأكل مع الآنسة هاليداي ؟
- لم أكن جائعا ..وقد حدص أن أصيبت بالصداع فكان أن أوصلتها الى البيت .
فقالت بسخرية لاذعة :
- آه ....وهكذا سعيت إلي بديلة عنها .
لمعت عينا بول بدهاء ، وكأنه يسترخي من مزاجه السوداوي :
- يا عزيزتي الآنسة سامرز ..لن تكوني أبدا بديلة عنها . ليس هناك كقارنة بينكما على الأطلاق .
غلت باميلا غضبا :
- أووه ..تكاد تجنني غضبا!
ظل بول يقود السيارة وقد أسترخت أساريرة :
- أجل ..هذا صحيح ..أليس كذلك؟
وابتسم لها بخبث .
تجاوزت السيارة مبنى البريد في شارع أوكسفورد ، ذلك البرج المرتفع الشهير.
ثم أنعطفت فوق أحد الجسور مرورا بالوسط التجاري الذي راحت باميلا تتأمل مبانيه المرتفعه حتى وصلا الى أحد المجمعات التجارية المزدحمة بمحلات الثياب ومحلات العطور والزينة والمطاعم .
هذا المكان يبدو بعيد المنال عنها هي الموظفة البسيطة التي تعتمد في معيشتها على أجر السكرتارية . أشاحت بصرها عن الواجهات المغرية:
- إلى أين نحن ذاهبان؟ أنا متعبة حقا وأريد العودة الى البيت.
- لا تقلقي ، ستصلين الى المنزل في الوقت المناسب.
دار حول المجمع وتوقف أمام مدخل تظللة خيمة حمراء ، وهو مدخل فندق فخم .
حينما أصبحا على مقربة من المدخل أسرع الحارس لفتح باب باميلا ، فيما أسرع موظف آخر لأخذ مفاتيح السيارة لركنها في مكان جيد . بعد ذلك وضع بول يده على خصر باميلا
واقتادها بثبات ليجتازا الباب الخارجي ذي الأطار النحاسي اللماع ، مستخدمين مصعد المطعم وصولا الى طابق المبنى العلوي ، حيث تناهت الى أسماعها موسيقى رومانسية مؤثرة كانت
تأتيهما من باب المقهى المضاء بالشموع.
حيا كبير السقاة بول بأسمه وتقدمهما الى طاولة منعزلة مخصصة لأثنين تشرف على الهايد بارك الشهير وعلى قصر وستمستر الذي تتلألأ أنوارة على نهر التايمز .
طلب بول لنفسة كوكتيلا ولباميلا كأس عصير الليمو ن البارد ثم ودون أن يسألها ماتريد من طعام ، طلب من الساقي أن يحضر لهما
ما يطلبه ، ثم استراح في مقعدة ..وعيناه فضوليتان وهانئتان في آن معا .
- أحب المجئ الى هذا المطعم لأنني أحظئ بمنظر للهايد بارك مختلف عن المنظر الذي أراه مطلا من شرفتي .
تذكرين ذلك المنظر ، أليس كذلك؟
احر وجه باميلا وقد تذكرت المناسبة جيداَ . ارتشفت رشفه من شرابها البارد ثم التفتت الى الباب الخارجي
القريب منها . نعم بول يتحدث عن المنظر البادي أمامهما ولكن عينيه مابرحتا وجهها لحظة .
عضت على شفتها السفلى بعصبية ، محاولة السيطرة على التوتر الذي بدأ يتصاعد في داخلها .
- سألتك أن كنت تتذكرين المنظر من شقتي . أتودين الأجابة أم تفضلين قضاء الأمسية بوجوم ؟
- لست واجمه إنما لم أحب وجودي في هذا المكان . أن تعبة وأود الذهاب الى المنزل .
- إذن عليك الذهاب الى المنزل في الوقت المناسب . اعتبري هذا العشاء حزءاً من عملك . وإن وجدته عملا شاقا، أقترح عليك إطاعة أوامري في المستقبل . فأنا على عكسك آنسة سامرز .أعني ما أقول ، ولا أتلاعب دون التفكير في العواقب .
- أنا آسفه لما فعلت ، ولقد أعتذرت . فلماذا تريد غير هذا ؟ لا أرى سبباً لغضبك .
- أنا لا أغضب عادة آنسة سامرز بل أنتقم . وما أنا الآن أطالب بأن تدفعي ثمن السخرية التي كانت على حسابي .
- أنا لم أسخر ، بل كان ما أرتدته وظيفة فقط أتعلم منها المزيد عن عالم المال .
أكمل بول شرابه قبل أن يجيب :
- حسنا ..أستطيع القول إنك حققت مرامك . وجيب أن تعترفي أنك تتعلمين الكثير عن عالم الأستثمار.
هزت باميلا رأسها :
- صحيح . الوظيفة رائعه أتمتع بها في الواقع .....لكن الأمر ....
- أي أمر آنسة سامرز؟
- أوه ... لا أدري ..أعتقد أنه لا شيء.
كيف تقول له إنه مو من يصعب الأمور عليها؟
لو يتركها وشأنها لاستطاعت السيطرة على نفسها.
لكنها لن تنجو إن بقي يضغط عليها كما يفعل .
وصل العشاء فتمتعت باميلا بلحم الخروف الطري مع البطاطا المسلوقه.
بعد العشاء أصر بول على أن تجرب ما تخصص بصنعه المطعم من قهوة غنية سوداء.
مضافا إليها الشكولا والكريما .
فجلست هانئة تتمتع بطعم الشراب الدافئ الحلو.
راقبها بول وهي تشرب قهوتها . ثم مال الى الأمام يمد إصبعه ليمررها على شفتيها العليا ليزيل أثر الكريما .
توقفت أنفاسها في حلقها لهذه الحركة الطوعية ، فتراجعت الى الوراء، خائفة من الأحساس المجنون الذي اجتاح جسدها.
أنزل بول يده ولكنه ظل يحدق فيها . ثم وقف دون أن يبعد نظرتة عنها .
ودنا منها واضعا يديه على كتفيها قائلا بصوت دافئ :
- فلنرقص.
- يستحسن ألا نفعل . فلدي الكثير من العمل غدا وأنا أريد البدء باكرا.
أمسك سدها ورفعها عن الكرسي :
- لا داعي الى حضورك باكرا عندما تقضين الأمسية مع رئيسك.
كانت أنفاسة دافئة وناعمة على أذنها وهو يقول :
- استرخي ..أنها مجرد رقصة . هيا...تحركي ....أحس بك متصلبة كالخشب.
دفعت باميلا يدها عن صدره ، وأبعدت رأسها لتنظر أليه .
صوتها أجش يرتعش هامسا ، وعيناها تتوسلانه :
- أرجوك دعني أذهب .
قست تعابير وجهه ولكنه خفف من ضغط ذراعية عليها وألقى يده بلطف على خصرها ثم اقتادها ثانية الى الطاولة.
فالتقطت حقيبتها ، ثم غادرا المبنى دون أن يتفوها بكلمة.
زج بول بالسيارة بين زحام السيارات ، ثم بعد ضعة دقائق ، ألتفت أليها ولكنها لم ترَ على وجهه بادرة تشير الى تأثرة .
- لا أعتقد أنك قد تفكرين في البقاء عندي موفرة بذلك علي توصيلك الى منزلك؟
فإن بقيت أستطيع اصطحابك الى المكتب صباحا ، ولن يجرؤ أحد عندئذ على أنتقاد تأخرك.
تحول توتر باميلا الى غضب عارم:
- لا ....بالطبع لن ينتقدوا تأخري ، لأنهم سيكونون مشغولين بالأقاويل .
أعلم أنه لن تساوي سمعتي شيئا عندما تنتهي أقاويل الشركة مني . لماذا لا تذهب باحثا عن الغالية ....سوزي؟
فأنا واثقة أنها ستسعدك الليلة !
- هذا صحيح بالطبع ...أنها على عكسك تماما . عاطفية ، رقيقة ، لا تملك لسانك اللاذع الشرير.
وأوقف السيارة ..فأدركت باميلا أنهنا وصلا الى شقتها ، مدت يدها الى الباب لكن بول أمسك بها .
- السيدة المهذبة تنتظر عادة السيد المهذب حتى يفتح لها باب السيارة .
بقيت جامدة في مكانها فيما أسرع يترجل من السيارة ليفتح لها الباب . قالت له ببرود:
- لم أكن أعلم بوجود سيد مهذب في الجوار القريب.
- نكتة ظريفة ...لكنك ستدفعين ثمنها .
أغلق باب السيار ووقف ينتظرها حتى تدخل الى المنزل فألتفتت إليه تشير إليه بنفاذ صبر أن يبتعد ولكنه أسرع يتقدمها لفتح لها باب المنزل الأمامي بطريقة
أضطرت معها للمرور تحت ذراعه ...بعد ذلك تابعت سيرها ، مع العلم أنها ماتزال تشعر به يتعقبها ، فقع أقدامه الثابتة تدوي في المدخل .
وقفت أمام باب شقتها ، وأرجت مفتاحها من الحقيبة ، ولكن سرعنا ما غطت يده الضخمة يدها ، وأخذ المفتاح بلطف ، فتح الباب ثم أعاد المفتاح .
فلما تحركت لتدخل مدّ يديه يمسك بكتفيها ويديرها إليه.
- لم تنته الأمسية بعد!
كانت النار الملتهبة في عينيه مزيجا غريبا من الرغبة والغضب .
جذبها إليه بوحشية فجاء عناقه خاليا من اللطف لأنه لم يكن يطلب منها شيئا بل كان يأمرها ، يخذ مايريد ، يسحق جسدها بين ذراعية القويتين .
بلغت درجة حرارة دمها الغليان ، وغمرتها زوبعه ودوامة من العاطفة المشبوبة حتى أصبحت عاجزه بين يديه.
فارتفعت ذراعاها تطوقان عنقه استجابة لعناقة .
عندما أحس بتجاوبها ، رقت لمساته وأصبحت يداه الفولاذيتان أخف من الريشة .
كانت تسمع خفقات قلبه المتسارعة تحت يديها اللتين راحت تمررهما على صدره.
عندما رفعت عينيها أحست بذراعيه ترتفعان الى عنقه ، وبيديه تبعدان يديها عن عناقه .
كان ينظر الى أرتعشتها والسخرية تلمع في عينيه :
- سأعتبر هذا العناق دفعة على هجومك علي منذ لحظات .
أمسك أكرة الباب يفتحه بها ثم تركها تدخل الى الشقة قائلا:
- اقفلي الباب وراءك ، فلا يمكن أن تعرفي أي نوع من السادة غير المهذبين قد يكون مختبئا في الظلام.
دوت ضحكته المتعجرفة في أذني باميلا عندما كانت خطواته تبتعد .
فأقفلت الباب ودخلت الى غرفة نومها ، وبدأت تستعد للنوم .اندست تحت الغطاء تحملق الى السقف متذكرة دغدغة لمساته واستجابتها له .
إن آخر ما ترغبة في الحياة ، هو الوقوع في حب بول غراينجر .
لكن هذا ما وقع فعلا ، وهذا الواقع يتطلب منها بذل ما أوتيت من قوة إرادة لتقاوم تهجماته إن قرر حقا تنفيذ رغباته .
أمضى بول اليوم التالي في مقر الشركة الرئيسي الكبير يحضر أجتماعا للإدارة ، فتنفست باميلا الصعداء وصبت اهتمامها على عملها ، متحررة من التوتر الذي يولده وجود بول .
أمنت لها نهاية الأسبوع كذلك راحة من عذاب وجوده ، باتت بيرل في الوقت الحالي تقضي معظم أوقات الفراغ مع تالبوت ، لذا كانت باميلا تسترخي في الشقة وحيدة.
في صباح هذا الأحد سمعت بيرل تغادر للأنضمام الى تالبوت في منزل أحد المنتجين ولكنها لم تودع بيرل بل عادت الى النوم .
أزعج رنين متواصل متواتر مسمعيها فمدت يدها لتسكت المنبه ولكنها أكتشفت أنه صامت .
قطبت ونظرت الى الهاتف قرب السرير و إذا بالرنين مستمر فعلمت أنه جرس الباب .
تناولت روبها عن طرف السرير ، ولبسته دون أن تربطه وأسرعت حافية القدمين ترد.
كانت ما تزال نعسى عندما صاحت :
- من الطارق ؟
- هذا أنا ..بول .
حاول عقلها الناعس التفكير في الموقف . إنه الأحد ولا يعقل أن يتوقع منها أن تكون في العمل .
إذن لماذا حضر بول غراينجر ال هنا ؟
هل حدث شيء ؟ أأصيب وجاء يطلب مساعدتها ؟
فتحت الباب بسرعة . فدخل بول كالعاصفة ، ولكنها ضغطت بيديها على صدره وسألته بلهفة وخوف :
- ماذا حدث ؟ ما الأمر؟
طافت عيناه على جسدها ثم استقرتا على وجهها قبل أن يغلق الباب وراءه ليحتويها بعد ذلك بين ذراعية برقه ، مخفضا رأسه ليطبع قبه على شعرها :
- لم يحدث شيء باميلا ...لم هذا القلق كله؟
تنهدت بارتياح . ثم تذكرت مظهرها غير المحتشم فشعرت بالأحمرار يكسو بشرتها خاصة وأن عينيه لم تبرحا وجهها .
وقفت بعيده عنه تجذب أطراف الروب حول جسمها وتعقده عقده مضاعفه :
- إذن ، لماذا أنت هنا ؟
خمدت النار في عينيه قليلا بعدما قعد على كرسي هزاز .
- كنت في الجوار ، فاغتنمت الفرصة ، لأراك في المنزل .
- حسنا .....ماذا تريد؟
- رويدك ، رويدك ..أنت لست ودودة هذا الصباح ..أليس كذلك؟
- لست مضطرة الى إظهار الود . فاليوم الأحد ، ومؤسسة غراينجر لا تدفع أجر خدماتي في العطلة الأسبوعية .
فابتسم :
- وهذا أمر جيد كذلك . يبدو أنك تنوين قضاء يومك في السرير ، والمؤسسة كما تعلمين لا تؤمن خدمات كهذه لزبائنها .
حاولت قدر طاقتها أخفا ء غضبها :
- أتسمح ، أرجوك ، قل لي ما تريد ثم أرحل ، فأنا غير مستعدة للتعرض الى تهجماتك .
أصبح وجهه فجأة جادا ، فترك الكرسي الهزاز وتقدم ليجلس على الأريكة قربها .
- لم أقل شيئا أريد منه مهاجمتك باميلا . ألا تعرفين متى يقصد المرء المزاح ؟
في الواقع ..جئت معتذرا عن تصرفي ذلك المساء .
لقد وعدت ألا أتحرش بك ، فكان أن نكثت بوعدي غير أنني أؤكد لك أن هذا لن يحدث ثانية .
وفي الواقع أريد قضاء اليوم كله معك لأبرهن لك أنني سأتصرف بلباقة معك من الآن وصاعدا .
هزت باميلا رأسها ...الأمر مذهل ..كيف تتغير علاقاتهما مع كل التفاف في الحديث.
- حسنا . أقبل أعتذارك ، لكن لم يكن هناك ضرورة لأجتياز هذه المسافة لتخبرني بهذا . لِمَ لم تستخدم الهاتف؟
- لو كلمتك هاتفيا لوجدت عذرا لئلا تمضي اليوم معي . أليس كذلك؟
- لا حاجة الى أختلاق عذر ما . لأنني بكل بساطة غير قادرة على تمضية النهار برفقتك ، فلدي أسياء أفعلها .
- أنا ..لدي ..يجب أن أقوم بأعمال منزلية . وهناك جريدة لأحد أحب قراءتها هذا عدا رسائل علي كتابتها .
- فليؤجل هذا كله الى وقت آخر . ولتكن الصراحة حليفتك ، فما تقصدينه بالتحديد أنك لا ترغبين في قضاء اليوم معي .
وهذا ليس إنصافا . فأنا أستحق فرصة لأظهر لك أن بإمكانك الثقة بي .
بدأت باميلا بالتململ ..فالمشكلة على الرغم مما يعتقد ، أنها تريد بالفعل تمضية اليوم برفقته.
لاحظ ترددها ، فأمسك يديها ، وأوقفها عن الأريكة :
- ارتدي ملابسك . ولا تتأخري . لم أتناول فطوري حتى الآن وأنا جائع.
اقتادها الى غرفة النوم التي ما إن أصبحت فيها حتى أغلق الباب وناداها من وراء الباب :
- لدي مفاجأة لك ، أيضا :
- أرتدي ثيابا بسيطة .
أعلمتها عيناه الراضيتان أن ثوبها أعجبه . كان سروالها القطني عاجي اللون يليق بقميصها القطني المستدير الياقة الذي يصل الى حد وركيها .
رافقها الى الشارع ، وسار بها متجاوزا سيارته ، فنظرت اليه حائرة لكنه أمسك يدها وأكملا المسير .
- لن تركب السيارة ...فلن تبتعد كثيرا ...والسير يساعد على إذكاء الشهية للطعام .
فضحكت :
- أن اشتد جوعي فلن نجد طعاما في المدينة يشبعني ، فأكاد أموت جوعا لأنني لم أتناول حتى الآن فطوري.
- أعدك أن تجدي المكان الذي نقصده يستحق العناء ، فستحصلين فيه على أفضل فطور ذقته في حياتك.
كانت الأرصفه مكتظة بالناس المسرعين نحو الشارع وكانت تتناهى إليهما نغمات موسيقية هي مزيج من اليونانية والإيطالية.
رفعت باميلا رأسها متسائلة ، فابتسم بول واستمر يشدها وراءه .
بدا لها أن الجموع جميعها تتوجه الى مسار واحد . عندما وصلا الى أحد المنعطفات سلكاها وهناك علت الموسيقى ، وشاهدت الزينة
مدلاة من الأبنية وكأنه يوم عيد الميلاد ـ الشارع مقطوع في وجه السير وعربات الأطعمة تصطف على الجانبين تفوح منها رائحة الطعام الأوربي اللذيذ .قال لها :
- هذه ساحة مونتساي ، لا بد تعرفينها والكنيسة المحلية تحتفل سنويا بعيد شفيعها ..
وهذه عادة مازالت سائدة منذ زمن بعيد ، يأتي الناس من كل حدب وصوب للأحتفال ، وأكثرهم من الأوربيين ، أما أنا فلا تفوتني سنة دون أن أشارك في الأحتفال .
وفي هذه السنه سعيد أنا بك لأنك تشاركينني فرحتي .
اقتادها الى عربة صغيرة اشترى منها بعض الخبز بالنقانق والجبن .
ثم حثا الخطى نحو الساحة يلتهمان فطورهما غير العادي .
وكأن هذا أول طعام إيطالي لذيذ تتذوقة باميلا ذلك اليوم .
انضما الى المحتفلين الراقصين رقصا فلولكلوريا والى الغناء الأيطالي والأوبرالي .
وأخيرا أمسك بول بمرفقها ليقودها بعيدا عن الزحام .
- لقد تأخر الوقت . و علينا العودة .
عندما كانا يغادران الشاحنة رأيا الشوارع أهدأ من ذي قبل ففكرت أنها لم تتمتع قط كما تمتعت هذا اليوم ...
وتصديقا لوعده كان بول سيدا مهذبا معها بل في غاية التهذيب ، فهو لم يحاول إزعاجها بالمزاح .
ولا حاول إثارة غضبها ، كانت ذراعة مستقرة بنعومة على خصرها وهما يجتازان المسافة المؤدية الى شقتها وسرعان ما أصبحا هناك .
فأخذ منها المفتاح وفتح الباب . ثم قادها الى الداخل .
بقي أمام الباب المفتوح ، لم يخطَ الى الداخل . وقال لها :
- أضيئي الأنوار ، فتشي الشقة وسأنتظر هنا .
ففعلت ما قاله وعادت بسرعة:
- كل شئ على مايرام ..لا داعي لكل هذا الحذر .
- ربما لا .... لكنني أظنك تخاطرين جدا ، فهذة لندن وأنت في ضاحية نائية لا في بلدة صغيرة.
- أعتدت أن أعتني بنفسي ...فلا تقلق يا بول .
ما زال أسمه غريبا على لسانها ولكنه أصر على أن تستخدمة أقله خارج المكتب .
قال لها بصوت متهدج:
- هذا ما أنا متأكد منه ..ربما أعتدت على العناية بنفسك والمرء قد يكون كثير الأعتماد على نفسة .
إنما لا ضير أن يترك شخصا آخر يهتم به ويرعاه .
نظرت الى عينيه ، فإذا فيهما اهتمام حنون لم تشاهده فيهما من قط....
نظر إليها عن كثب والرغبة تشتعل ثم تتلاشى بسرعة تحت سيطرته الفولاذية .
حبست أنفاسها لتلتقي نظراتهما ، آمله أن تقرأ عيناه رسالة الحب التي أرسلتها عيناها ...لكنه نتهد تنهيدة عميقة قبل أن يرتد على عقبيه متجها الى الدرج .
أقفلت باميلا الباب ، تحس بالبرد والوحدة على الرغم من حرارة أواخر الصيف.
نهايه الفصل السادس