قال الكاتب السعودي جمال خاشقجي إنّ الشعوب لم تعد تريد إسقاط الأنظمة بعدما رأت ويلات ما بعد الربيع العربي، وإنما تريد «جودة الحياة»، لكن الأنظمة التي لا تريد ذلك يجب أن تمضي خارج التاريخ غير مأسوف عليها.
وكتب خاشقجي مقالاً بعنوان
” تيران وصنافير وسورية واليمن و «رؤية 2030»”
هذا نصّه :
الجميع يسأل، ما سر هذه الحماسة والحيوية اللتين دبّتا في السياسة الخارجية السعودية، بعدما انطلقت الطائرة الحربية الأولى من مطار خميس مشيط قبل أكثر من عام، لتقصف مواقع الحوثيين في اليمن معلنة «عاصفة حزم» لم تهدأ حتى الآن، ليس في اليمن فقط وإنما امتدت بعيداً حتى ماليزيا وقلب أفريقيا؟
الاستماع إلى صاحب «رؤية 2030» ولي ولي عهد السعودية الأمير الشاب محمد بن سلمان، وقراءة الرؤية يجيبان عن هذه الأسئلة ..
«حنا عندنا ثلاث مناطق قوة مستغلة وغير مستغلة ولا أحد ينافسنا عليها»،
يقول محمد بن سلمان في حديث متلفز بُثّ على قناة «العربية» الاثنين الماضي، هي باختصار «الإسلام، القدرة الاستثمارية الهائلة، والموقع الجغرافي».
في حديث خاص مع مجموعة صغيرة من الكتّاب وعلماء الدين والدعوة السعوديين يشرح أكثر، كيف أن المملكة هي راعية الإسلام الوسطي الحقيقي،
ولا يجوز لا لإيران التي امتد نشاطها «الدعوي» بعيداً حتى إندونيسيا شرقاً ونيجيريا غرباً، ولا لـ «داعش» أو «القاعدة»، واللذين امتد نشاطهما ودعوتهما شرقاً وغرباً أيضاً، أن يمثلا الإسلام،
وقد شرعت الرياض في مواجهة هذا التمدّد، وحققت نجاحات عدة،
فالنشاط الإيراني ينحسر، بل إن دولاً عدة باتت تمنعه، وأخرى ذهبت حتى قطع العلاقات مع طهران،
والحرب الفكرية على «داعش» و «القاعدة» ستأخذ بعداً أكبر، ليس بإرسال دعاة سعوديين، وإنما بدعم المؤسسات الإسلامية الرسمية والعريقة في تلك البلاد،
إذ لا يوجد إسلام سعودي كما يزعم حتى الرئيس الأميركي باراك أوباما، وإنما «إسلام وكفى»،
ما يذكرني ببرنامج رائع كان يبث ظهر كل يوم من إذاعة الرياض في الستينات والسبعينات الميلادية، وكان يقدمه الأستاذ زهير الأيوبي – رحمه الله – يُدعى «مسلمون وكفى»، يحمل رسالة التضامن الإسلامي التي صاغها ونجح بها الراحل الملك فيصل، خلال تلك الحقبة التي تبوأت فيها المملكة موقعاً مميزاً لدى الشعوب الإسلامية كراعية للإسلام الوسطي، وقد تردد ذكر هذا المصطلح الصحيح سياسياً وعقدياً غير مرة في «رؤية 2030».
القدرة الاستثمارية التي تريدها الرؤية أن تكون بديلاً عن الإدمان على النفط، مرتبطة أيضاً بالموقع الجغرافي، الذي يريد الأمير محمد بن سلمان استثماره لمصلحة المملكة ودول المنطقة،
لكنه يصطدم بمشروع إيراني موازٍ، ولعل لدى القوم «رؤية 2030» تخصّهم، لكنها لا تتم عبر حسن الجيرة وتبادل المنافع وإحلال السلام والاستقرار، وإنما عبر ميليشيات، وتهريب أسلحة، ومؤامرات وانقلابات.
الرؤية الإيرانية لا تقوم على المشاركة، وإنما على إخضاع الآخرين والتبعية لولي فقيه في طهران.
في السعودية لا نفعل ذلك، وإنما نوقّع عقوداً، وتحالفات استراتيجية في ضوء النهار ومع حكومات قائمة لا أحزاب سرية وميليشيات.