سأكتب اليوم عن العلاقة بين الدين والسند لأمر، حيث إن البنوك وشركات التمويل عندما تُمول أو تُقرض عملاءها تستحصل منهم على سندات لأمر ضماناً لدين مُحدد أو لما قد يترتب في الذمة مُستقبلاً من ديون، وبالتالي فإذا ما تأخر العميل عن السداد (مماطلة أو عدم قدرة)، فإن الدائن يطالب مدينه بالسند لأمر أمام قضاة التنفيذ، ويُصاحب ذلك العديد من الإشكالات التي تستحق الوقفة القانونية والتوصية بشأنها، ومن ذلك:
-1- مطالبة الدائن بكامل مبلغ السند لأمر رغم أن العميل يكون قد سدد بعض الدين.
-2- عدم حلول بعض الأقساط على العميل المدين، ومع ذلك يطالب الدائن بجميع الدين الحال منه والمؤجل.
-3- عدم صحة سبب الورقة التجارية، كأن يكون الشيك مقابل شراء سلعة لم يستلمها مُحرر الشيك، ونحو ذلك.
ومعلوم أن الورقة التجارية (الشيك والسند لأمر والكمبيالة) جاء نظام التنفيذ فمنحها قوة وهيبة باعتبارها سندات تنفيذية واجبة السداد، منعاً لمماطلة المدينين وهيبة واستقراراً للسوق والأوراق التجارية، وهو دور إيجابي مهم قام به قضاء التنفيذ تجاه الأوراق التجارية، ولكن في المقابل فإن النظام يجب بالإضافة إلى حماية الدائن من مماطلة المدين، أن يحمي المدين من تعسف الدائن أو غشه واستغلاله لحمل الورقة التجارية التي بيده بالمخالفة للمبلغ الحقيقي المدين به العميل أو بالتجاهل لما قد يكون قد سدده من مبالغ، ونحو ذلك. وهو دور لا يقوم به أحياناً قاضي التنفيذ خشيةً من توسع عمله وتداخله مع قاضي الموضوع، مما يُرتب - أحياناً- اضطراباً واضحاً في استقرار العدالة وإضراراً بالمدين بسب تحايل الدائن، وبحجة أن على المدين الوفاء بالورقة التجارية دون الدخول مطلقاً بموضوعها، وعلى المدين المُتضرر اللجوء إلى قاضي الموضوع، مما قد يتسبب بسبب الوقت من سجن المدين وإيقاف حساباته رغم أن الدائن لا يستحق مطالبته بقيمة الورقة التجارية.
وللإيضاح أكثر فإن مبلغ السند لأمر عادة ما يُكتب بأحد الآتي:
-1- أن يُحرر المبلغ بكامل الدين وأرباحه لكامل فترة التمويل ولنقل أنها أقساط لخمس سنوات، فإذا سدد العميل العديد من الأقساط وتخلف عن الباقي، وبحوزة الدائن (شركة تمويل أو غيرها) سنداً لأمر بمبلغ كامل الدين، فهل له أن يتقدم لقاضي التنفيذ بكامل قيمة السند لأمر دون اعتبار السدادات، وإن فعل فهل من مواد نظامية تحميه من تحايل الدائن وتعسفه باستعمال ما تحت يده من ورقة تجارية، أم أن نقول له سدد ثم طالب! وهل نفتح المجال على مصراعيه لسماع أية دعوى بالسداد لتكون سبباً في إيقاف التنفيذ مما تفقد معه الورقة التجارية قوتها وهيبتها.
-2- الطريقة الثانية بتحرير مبلغ السند لأمر: أن يحرر المدين السند على بياض ويمنحه الدائن، على اعتبار أن مبلغ الدين -وقت المطالبة- غير معلوم، فلا نعلم كم هو الذي سيُسدد وكم سيكون المُتبقي، وهذا يحصل بالذات أيضاً في تسهيلات الجاري مدين. ثم وقت المطالبة يُعبئ الدائن مبلغ السند لأمر من واقع كشوف حساب العميل لدى البنك، وقد استقر القضاء المصرفي على أن توقيع السند لأمر من المدين على بياض بمثابة تفويض وتوكيل منه إلى البنك بتعبئة خانة المبلغ بحسب الدين المستحق، لكنه اشترط لصحة هذا التفويض ألا تكون تعبئة خانة المبلغ منطوية على غش، وأن يكون المبلغ صحيحاً من واقع الكشوف البنكية بلا زيادات وإلا عُدَ خيانة أمانة.
والسؤال هل النظام وقاضي التنفيذ يحمي المدين من غش الدائن- إن حصل- وذلك في حالة أن الدائن قد عَبأ خانة مبلغ السند لأمر بالزيادة أو بعمولات غير متفق عليها أو بكامل الأقساط رغم عدم حلول بعضها ونحو ذلك؟!
أسئلة كثيرة تُطرح أمام قاضي التنفيذ، تتمحور هل الورقة التجارية واجبة السداد فوراً كونها موقعة من المدين، مُطَهرة من الدفوع، دون أي حق اعتراض من المدين على الورقة أو على مبلغها أو صحة سببها، وهل ذلك من اختصاص قاضي التنفيذ أو قاضي الموضوع، ومتى يكون للمدين الحق في "منازعات التنفيذ"، وهل هناك فروقات بين كون السند لأمر قد حُرر بدين معلوم وقت تحريره، أم لضمان دين مستقبلي سينشأ في الذمة، غير معلوم تحديداً وقت توقيع السند؟.
وهو ما سنجيب عنه في المقال القادم، لظني ومشاهدتي أن هناك لبساً وعدم وضوح قضاء ولدى المتخاصمين والمحامين بشأن ما سبق، والله الموفق.
*المحامي والمحكم في منازعات البنوك والتمويل والأوراق المالية