أوباما يراجع حسابات الخروج على وقع التقدم السعودي
التقدم الواضح في التأثيرات الإقليمية التي تقوم بها السياسة الخارجية السعودية خاصة، والخليجية عموما، سواء في عاصفة الحزم في اليمن أم على مستوى تفعيل الشراكات الأمنية العربية أم ما يتعلق بقوة الضغط في الملفين السوري واللبناني دفعت الولايات المتحدة إلى مراجعة حساباتها الإقليمية. ولئن ظهرت خلافات بين الرياض وواشنطن حول المسألة الإيرانية خاصة، إلا أن الولايات المتحدة تعلم جيدا أنه لا يجب التفريط في الحليف الخليجي مهما حدث، وأنه لا بدّ من تصحيح المسار خاصة في ظلّ ظهور بوادر تغيير في السياسات الدفاعية العربية.
العرب [نُشر في 20/04/2016، العدد: 10251، ص(7)]
دورنا التعريف بالعقيدة الخليجية
واشنطن – بات واضحا أن المملكة العربية السعودية، وباقي دول الخليج العربي، لن تقبل من الرئيس الأميركي باراك أوباما، خلال القمة التي ستجمعهما الخميس، كلاما معادا من قبيل أن الولايات المتحدة لن تتخلى عن حلفائها في منطقة الخليج، دون أن يكون متوازيا مع أفعال تبدّد الشكوك والغضب الخليجي بعد ميل واشنطن المريب إلى طهران؛ ولإدراكها أن رئيسا جديدا سيحل في البيت الأبيض في شهر يناير المقبل، وإذا لم يتم من الآن وضع الخطوط العريضة للعلاقات الأميركية الخليجية/العربية الجديدة، فليس هناك ضامن من أن سياسة الرئيس القادم ستكون أفضل من سلفه.
وزيارة أوباما الأخيرة التي تبدأ الأربعاء إلى الرياض، وسيعقد في إطارها قمة مع قادة دول الخليج العربي، تعد فرصة للتأكيد على هذا التغيير. وهو الأمر الذي يبدو أن المسؤولين الأميركيين بدأوا يأخذونه بعين الاعتبار بعد أن تم تفعيل الوعود والتهديدات الخليجية من خلال التدخل في اليمن والتحالف الإسلامي والموقف من حزب الله وتضييق الدائرة على إيران.
ولم يعد بمقدور أوباما، أو أيّ صانع قرار أميركي آخر، أن يقدّم المقترحات والمبادرات على أساس أنها مسلّمات سيتم تنفيذها مباشرة. ومن أبرز ما يؤكّد ذلك ما ذكرته بعض التقارير الاستخباراتية، على غرار تقرير لمجموعة الشرق الاستشارية (ميدل إيست بريفينغ)، يقول إن علاقة مؤسساتية جديدة بين الناتو ودول مجلس التعاون الخليجي يجري التأسيسي لها من أجل خلق تحالف قادر على التعاطي مع طبيعة التهديدات الأمنية الدائرة حاليا في المنطقة.
وذكرت التقارير أن هذا الموضوع سيكون من أبرز الملفات المطروحة على طاولة القمة الأميركية الخليجية، والتي سبقها لقاء جمع بين وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر مع ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، الثلاثاء، غادر على إثره كارتر إلى الرياض، وسط تأكيدات على أن ملف الناتو سيكون من بين الملفات الأمنية الأخرى بدءا من العراق وسوريا واليمن ووصولا إلى الحرب على الإرهاب ومختلف قضايا الأمن الإقليمي والفوضى التي تسببت فيها الولايات المتحدة ثم أدارت ظهرها للشرق الأوسط.
واستغل كارتر جولته في الشرق الأوسط لدعم الحملة العسكرية على الدولة الإسلامية وطمأنة حلفاء الولايات المتحدة بشأن التزام أميركا بدعمهم في خلافهم مع إيران. وسبق كارتر وأوباما إلى الخليج وزير الخارجية الأميركي جون كيري، الذي قال خلال زيارته إلى البحرين يوم 7 أبريل، “بحثنا القمة التي سيشارك فيها الرئيس أوباما مع زعماء دول مجلس التعاون الخليجي، واتفقنا على البدء في عملية تقييم جدوى فكرة إقامة شراكة بين دول مجلس التعاون الخليجي والناتو على أسس محددة، وقد تفضي للمساهمة، وبشكل كبير، في حماية أمن واستقرار المنطقة”.
وفي اليوم التالي، قال نائب سكرتير الأمين العام للناتو الجنرال أليكساندر فيرشباو في لاهاي، إن “هناك حاجة فعلية لإنشاء إطار جديد من العلاقات بين الجانبين”.
بعد أن قوبلت فكرة إبرام معاهدة دفاعية رسمية بالرفض قبل قمة سابقة بين الجانبين، تأمل الرياض وحلفاؤها الخروج من الاجتماع بأنظمة صواريخ دفاعية جديدة.
توسع الدائرة الدبلوماسية الخليجية يقابلها تضييق على الدائرة الإيرانية في توسعها على حساب الأمن العربي
ويريد أوباما إيجاد وسيلة تتوصل بها دول الخليج العربية وإيران إلى “سلام بارد” يطفئ نار التوترات الطائفية في المنطقة ويحدّ من انتشار التطرف الإسلامي. لكن، قبل ذلك، وكما قال مسؤول خليجي رفيع مطلع على الاستعدادات التي تجري للقاء “نريد أن نتلقى تطمينات ملموسة منهم”.
ومن الأسباب التي جعلت العلاقات بين واشنطن ودول المنطقة تمر بأصعب فتراتها، خلافات حول تقييم ما تصفها دول الخليج والولايات المتحدة بأنها أنشطة تعمل على زعزعة استقرار الشرق الأوسط من جانب إيران وكيفية معالجتها. كذلك لا يمكن نسيان تصريحات الرئيس الأميركي باراك أوباما في حواره لمجلة “أتلنتك” والتي صرح فيها باتهامات خطيرة تتعلق بالسعودية.
وتمثل تلك التصريحات سببا رئيسيا لقدوم أوباما إلى السعودية وتقديم اعتذاره عنها حسب صحيفة الواشنطن بوست قائلة إنها “زيارة اعتذار”، في الوقت الذي لا تعير فيه السعودية اهتماما كبيرا بالتصريحات أو الاعتذار لاقتراب خروج أوباما من البيت الأبيض، ولأنها دخلت مرحلة السياسة الدفاعية القائمة على ردّ الفعل ديبلوماسيا أو عسكريا أو اقتصاديا، عند الضرورة ووفق ما تقتضيه الحاجة.
القوة الخليجية الآن أصبحت في مستوى يمكنها دبلوماسيا من توجيه التحذيرات الصارمة لأيّ طرف إقليمي يمكن أن يهدد السلام والأمن، وينعكس ذلك من خلال الرغبة الأميركية والدولية في تفعيل القرارات التي تتعلق بشكل العلاقة الجديدة بين الناتو ومجلس التعاون الخليجي في مؤتمر الدول الحلفاء في يوليو المقبل.
وتقضي هذه القرارات، وفقا لمجموعة الشرق الاستشارية، بإنشاء مراكز تابعة للحلف في بعض الدول العربية ووحدات تدريبية في مختلف الدول، حتى غير الخليجية، وهو ما سيشكّل نقلة جديدة في طبيعة عمل تواجد الناتو في المنطقة، والتي كانت موضع خلاف في السنوات الماضية، قبل أن يصبح الأمر ضرورة واضحة أمام الحلف.
ويساور دول الخليج شك من أن يكون الاتفاق النووي الذي أبرمته واشنطن والقوى العالمية الأخرى مع إيران وكذلك رفض أوباما الانغماس في نزاعات الشرق الأوسط المعقدة قد أتاحا لطهران حرية التصرف دون رادع، لذلك فإن قدوم أوباما للرياض في هذه الفترة يعد أيضا فرصة للخليجيين لوضعه أمام الأمر الواقع وتقديم ضمانات ملموسة سواء سياسية أو عسكرية لتعزيز أمن الخليج.
وتوازيا مع ما تريده دول الخليج من الولايات المتحدة من ضمانات، فإن واشنطن في حد ذاتهاب حاجة لتثبت نواياها تجاه المنطقة. فهي لا تستطيع تغيير سياستها إلا إذا حظيت بدعم إقليمي عربي كاف حتى تعيد انتشارها.
المواقف الخليجية والمغربية الأخيرة تكشف عن تطور التفكير العربي فيما يخص الأمن الاستراتيجي بعيد المدى، والذي يغطي كامل المجال الحضاري الممتد من المحيط إلى الخليج.
المغرب وتوسيع الدائرة
التغييرات في المواقف والسياسات الخليجية ليست في معزل عن مواقف وتغييرات أخرى مساندة وداعمة لها مصدرها شركاء آخرين قد يغفل البعض دورهم المهم في تحديد السياسات ومصير الملفّات العالقة والحرب على الإرهاب بمختلف أذرعه وأسلحته.
ولئن اعتبر الخبراء القرارات الأخيرة التي صدرت ضمن لقاءات جماعية على غرار مجلس وزراء الداخلية العرب، والذي تم خلاله المصادقة، بالأغلبية، على تصنيف حزب الله جماعة إرهابية، أو القمة الإسلامية التي تضمّنت في بيانها الختامي تنديدا بالتدخلات الإيرانية في بعض دول المنطقة، وأيضا قرار المملكة الأردنية استدعاء سفيرها في طهران للتشاور ومطالبة إيران بالتوقف الكامل عن التدخل في الشؤون العربية، فإنهم توقّفوا بتمعّن عند القمة الخليجية المغربية التي تنعقد الأربعاء على إثر زيارة يقوم بها العاهل المغربي الملك محمد السادس إلى الرياض.
وتكتسب هذه القمة أهميتها من تاريخها الذي يتزامن والقمة الخليجية الأميركية، وتأتي بعد أيام قليلة من زيارة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى مصر ثم تركيا، والتي تزامنت بدورها مع زيارة لا تقلّ أهمية أداها وليّ وليّ العهد ووزير الدفاع السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى الأردن.
وأيضا تستمدّ الزيارة أهميتها من ناحية الدور الذي يلعبه المغرب في محيطه الإقليمي الأفريقي في الحرب ضدّ الإرهاب والتشدّد وأيضا ضدّ محاولات نشر التشيع، والأهم من كون المغرب، وهو عضو مشارك في مجلس التعاون الخليجي، هو أول دولة عربية حليفة رئيسية من خارج الناتو.
ويقول مراقبون إن مشاركة العاهل المغربي في القمة، بوصف المغرب عضوا مشاركا في مجلس التعاون الخليجي، تحمل دلالة سياسية مهمة عن التوجه العربي الجديد حيال الموقف الأميركي المتردد إزاء إيران، وأيضا الموقف الأممي والدولي من ملف الصحراء المغربية.
ورجّح المراقبون أن تشكل هذه القمة الخليجية المغربية الأميركية، التي تعد الأولى من نوعها، فرصة لتجديد دول مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة لموقفها الداعم للمغرب في قضية الصحراء، خاصة وأن الاجتماع التحضيري الذي عقده وزراء خارجية الخليج ونظيرهم الأميركي في المنامة تطرق إلى ملف قضية الصحراء.
وكان وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، أعلن عقب هذا الاجتماع، أن وزراء الخارجية الخليجيين “عبّروا عن دعمهم للمغرب في قضية الصحراء، وأهمية المضيّ في الاقتراح المغربي المتصل بالحكم الذاتي، وعدم اتخاذ أيّ إجراءات قد تضعف من ذلك”.
وقال حسان بوقناطر، أستاذ العلاقات الدولي بجامعة محمد الخامس بالرباط لـ”العرب”، “القمة المغربية الخليجية هي ترجمة للعلاقات المغربية الخليجية التي لها امتدادات عميقة، كما أن دول الخليج تعتبر من الشركاء الاستراتيجيين من الدرجة الأولى بالنسبة إلى المغرب”. وأضاف بوقناطر أن “العلاقات الاستراتيجية بين المغرب ودول الخليج أبانت عن قوّتها وجديّتها في السنوات الأخيرة بعدما لاحظنا التعاون المغربي الخليجي في الكثير من القضايا كالتطورات الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط. وهنا نذكر التوافق بين الطرفين في القضية السورية والقضية اليمنية والتعاون الأمني والتبادل الاستخباراتي بين المغرب ودول الخليج خاصة السعودية والإمارات، كما لا ننسى الموقف الموحد للمغرب ودول الخليج بخصوص السياسة الإيرانية في المنطقة، وبالتأكيد يمكننا التذكير بالموقف الخليجي الأخير بخصوص قضية المغرب وهي قضية الصحراء حيث دعمت كل دول الخليج وأيدت الطرح المغربي الذي يقوم على فكرة الحكم الذاتي سواء من خلال التصريحات الرسمية أو من خلال وسائل الإعلام”.
وأكد أستاذ العلاقات الدولية، على أن العلاقات المغربية الخليجية علاقات نموذجية، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن “انعقاد هذه القمة يأتي في جو من التحولات التي يشهدها الوطن العربي والعالم الإسلامي وربما قد يتم التطرق فيها إلى ما تمت مناقشته في القمة الإسلامية التي عقدت في إسطنبول”.
لم يعد بمقدور أوباما، أو أي صانع قرار أميركي آخر، أن يقدم المبادرات على أساس أنها مسلمات سيتم تنفيذها مباشرة
تغييرات حاسمة
توازيا مع ما تقوم به الرياض من دبلوماسية نشطة في الشرق الأوسط، في اتجاه التضييق على التدخلات الإيرانية التي تهدد أمن المنطقة، تعمل السعودية على تجميع قوة مجلس التعاون الخليجي بكل أعضائه، حتى الأعضاء “البعيدين” جغرافيا عن مناطق التماس مع الخطر الإيراني. وبالتالي ليس هناك من رسالة أبلغ وأوضح من ذلك لتؤكّد على أن التغيرات في السياسة الخارجية السعودية، ليست وقتية ومرهونة بتهديد جغرافي محدود، بل سيكون محور اهتمامها كل دول المنطقة العربية والإسلامية. وقد قالت وكالة الأنباء المغربية الرسمية إن هذه القمة “ستشكل القمة مناسبة للتشاور وتنسيق المواقف في مواجهة التحديات والتهديدات التي تعرفها المنطقة العربية، وتبادل وجهات النظر بخصوص القضايا الإقليمية والدولية في هذا السياق الإقليمي والدولي الدقيق”.
ومن النادر أن ينخرط المغرب في سياقات أمنية على المستوى الاستراتيجي الواسع بهذه الطريقة، إذ لطالما عرفت الرباط باهتمامها أكثر بمساحة المغرب العربي والمساحة الأفريقية كآفاق اقتصادية وأمنية استراتيجية. لكن المواقف المغربية الأخيرة تكشف مدى تطور التفكير العربي فيما يخص الأمن الاستراتيجي بعيد المدى، والذي يغطي كامل المجال الحضاري الممتد من المحيط إلى الخليج. ويأتي هذا التنسيق في إطار الجهود السعودية على المستوى الدبلوماسي في تكثيف الشراكة بين الدول العربية وتثبيتها حول حماية المجال العربي بشكل أعمق وأكثر متانة. فتوسيع الدائرة الدبلوماسية الخليجية في ما يتعلق بالدول العربية المشاركة في استراتيجية الحماية العربية، يقابله تضييق على الدائرة الإيرانية في توسعها الإقليمي على حساب الأمن العربي.