شؤون خليجية - ريهام سالم
ليس سرا أن إيران تتخذ من التشيع أداة لتحقيق أحلامها التوسعية في الخليج غير أنها لا تستطيع المجاهرة بذلك.. وليس سراً أيضا أن رئيس النظام السوري بشار الأسد يكن عداء منقطع النظير للمملكة السعودية خاصة بعد الإعلان المتكرر من الجانب السعودي بأن على الأسد أن يرحل سياسياً أو عسكريا.. وهو الأمر الذي قد يفسر زرع إيران لخلايا تجسسية في المملكة وزرع رئيس النظام السوري بشار الأسد لعناصر تتجسس لصالحه، وذلك في ظل تنامي النفوذ السعودي في المنطقة.
ويتضح أن "التجسس" هو كلمة السر في كل ما مرت به المملكة.. خاصة أنها آلية "قديمة حديثة" يلجأ إليها العدو للحصول على كافة المعلومات "العسكرية والسياسية وغيرها" التي تخدم موقفه حتى يتمكن من التعامل مع القضية في إطار التفاصيل المتحصل عليها من العناصر التي تمكن من تجنيدها والملقبون بـ"العملاء".
وبات الحديث الدائم من قبل المسؤولين السعوديين بأن "المملكة مستهدفها" أمرا يتطلب درجة أعلى من اليقظة الأمنية والوعي المجتمعي، قد تكون الأولى محققة بدرجة أو أخرى خاصة بعد الإعلان عن ضبط خليجة التجسس الإيرانية وبعدها ضبط جاسوس سوري يتجسس لصالح رئيس النظام الدموي بشار الأسد، إلا أن كشف اللاعيب وتطويق الجواسيس يتطلب درجة عالية من التوعية المجتمعية خاصة في ظل تغلغل الجواسيس في المؤسسات الحيوية واستمالة ضعاف النفوس.
فإيران على استعداد كامل لتدمير الخليج واللعب بكافة الأوراق فتارة تسعى لتفكيك النسيج المجتمعي وتحريك الخلايا الشيعية النائمة التي زرعتها هناك وتارة أخرى تلوح بأحقيتها في بعض دول الخليج فضلا عن تأسيس المليشيات الطائفية وتمويلها وتدريبها, وتارة تستخدم آليات ناعمة وتتبرأ من كل ذلك لتحقيق هدف واحد وهو "مشروعها التوسعي".
جاسوس لصالح الحليف الإيراني (بشار الأسد)
وقبل يومين قضت المحكمة الجزائية المتخصصة بالمملكة بالسجن 8 سنوات على مواطن سوري أُدين بالتجسس لصالح نظام "بشار الأسد" المدعوم من إيران وقررت إبعاده من المملكة بعد انتهاء محكوميته.
وجاء الحكم "الابتدائي" بعد ثبوت إدانة السوري ممارسة نشاط استخباراتي على أرض السعودية لصالح النظام السوري، من خلال تمريره معلومات عن المعارضين السوريين المقيمين بالمملكة لصالح الاستخبارات السورية.
كما اتهمته المحكمة بحسب ما نشرت صحف محلية بإعداد وتخزين ونشر ما من شأنه المساس بالنظام العام من خلال قيامه بنشر ما يقوم به جيش النظام السوري والأحداث الدائرة هناك من قتل وعنف من خلال مقاطع فيديو وصور على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» وتطاوله على السعودية وحكامها وشعبها.
وقررت المحكمة تعزير المتهم لقاء ما أدين به بالسجن 8 سنوات تبدأ من تاريخ إيقافه، منها سنتان استنادا للمادة (6) من نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية، ومصادرة مضبوطات الحاسب الآلي العائدة للمدعى عليه استناداً للمادة (13) من نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية، كما قررت المحكمة إبعاده عن البلاد بعد انتهاء محكوميته بالسعودية.
جاء ذلك في الوقت الذي تتخذ السعودية ودول الخليج إجراءات مشددة ضد إيران والدول الحليفة لها، حيث سبق أن وجهت محكمة سعودية في فبراير الماضي التخابر مع إيران إلى 32 سعوديًّا باستثناء اثنين، أحدهما إيراني والثاني أفغاني.
استغلال النساء في التجسس ونقل التوجيهات
وكشفت التحقيقات أن المخابرات الإيرانية استغلت النساء؛ من بينهن زوجات لعناصر المخابرات، في نقل التوجيهات إلى أعضاء خلية التجسس، وفي حمل المعلومات وتوصيلها من أعضاء الخلية إلى عناصر المخابرات الإيرانية.
واعترف المتهم رقم 25 في الخلية -وهو سعودي الجنسية في الستين من عمره- بتقديم خدماته لعناصر الاستخبارات الإيرانية، عبر إيصال نساء إحداهن -زوجة أحد عناصر المخابرات الإيرانية يدعى "سيد محمد الطريقي"- إلى منزل أحد المتهمين، ومن ثم نقلهن مرة أخرى إلى أحد المجمعات التجارية؛ كي لا يكتشف أمرهن، وذلك بأمر وترتيب من قبل المخابرات الإيرانية، حسبما أوردت صحيفة الوطن السعودية.
وإذا كانت النساء هي إحدى الآليات الإيرانية للتجسس وتوصيل المعلومات فإن أيدي إيران العابثة امتدات أيضا للعالم الافتراضي, حيث خلقت مليشيات رقمية للانتقام، وتمكنت من شن هجوم من خارج المملكة لتدمير المعلومات أو التجسس على مسؤولين مهمين، فعلى سبيل المثال في عام 2015 تبنت مليشيا رقمية تدعى الجيش اليمني الإلكتروني، الهجمة الإلكترونية على موقع وزارة الخارجية كردة فعل على التحالف العربي لإعادة الأمل لليمن والذي تقوده المملكة لحفظ اليمن من العبث الإيراني.
أما في عام 2012، فأعلنت مليشيا أخرى تدعى سيف العدالة القاطع (هناك احتمالية أن تكون المليشيا السابقة هي نفس هذه المليشيا) مسؤوليتها عن حادثة الهجوم الرقمي الأكبر على شركة أرامكو، انتقاما من المملكة على تدخلها في البحرين وسوريا. واتجهت أصابع الاتهام إلى طهران في إنشاء وتطوير برنامج «شامون» الخبيث Shamoon والذي دمر أكثر من 30 ألف جهاز.
وعلى ذكر شركة أرامكو, فقد كشفت التحقيقات مع خلية التجسس لصىالح إيران السابق الإشارة لها عن سعي المخابرات الإيرانية لزرع وتجنيد مجموعة تجسسية داخل الشركة، بهدف الحصول على معلومات سرية وحساسة تخص المملكة.
وشملت اللائحة الموجهة للمتهم الرابع عشر في قضية التجسس وهو أحد موظفي شركة أرامكو، عدداً من التهم الخطرة، من بينها تسليم المتهم لعناصر من المخابرات الإيرانية صورا لحقل “الغوار” النفطي، بالإضافة لتكليفه من قبل المخابرات بتشكيل مجموعة داخل أرامكو للحصول على المعلومات، وهو ما من شأنه تعريض الأمن الداخلي والخارجي للمملكة واقتصادها للخطر، بحسب “مكة”.
استبعاد موظف سوري تجسس على المعارضة
وتعود جذور قضية التجسس لصالح إيران إلى ثلاث سنوات خلت، عندما أعلنت وزارة الداخلية السعودية في 19 مارس 2013 إلقاء القبض على سعوديين وإيراني تورطوا في أعمال تجسسية لمصلحة إيران.
وبالرجوع إلى 2013 تبين أن السلطات السعودية سبق أن استبعدت موظفاً سوريا في السفارة السورية بالرياض، وقامت بترحيله عن أراضيها على أثر شكاوى تقدم بها عدد من أبناء الجالية السورية المقيمين بالمملكة لدى السلطات السعودية المختصة، يشكون فيها المدعو ( جهاد الراعي ) الذي يعمل في السفارة السورية كمتعاقد مدني داخلي.
وفحوى الشكوى التي تقدم بها أبناء الجالية السورية المتضررين أن الموظف المذكور- وهو ابن شقيق القنصل محمد الراعي الذي كان يعمل سابقا في السفارة (كقنصل وضابط أمن السفارة ) – يقوم بأعمال التجسس والمتابعة والتصوير على بعض الناشطين السوريين المقيمين بالرياض لصالح الاستخبارات السورية.
مكالمات السعوديين تمر عبر واشنطن!
وفي عام 2013 أيضا، كشفت "كريبتوم"، وهي مكتبة إلكترونية أُنشئت بواسطة الولايات المتحدة. وتعد مستودعا للوثائق والمواد السرية، كشفت أن وكالة الاستخبارات الأمريكية تجسست على أكثر من ٧.٨ مليار مكالمة هاتفية في السعودية.
وقال تقرير كريبتوم أن السعودية كانت هدفا
رئيسيا لعمليات التجسس، إلا أنها لم تكن الوحيدة. تجسست الولايات المتحدة على دول أخرى في الشرق الأوسط والعالم العربي، فبعدد عمليات
تجسس مقاربة للسعودية، تجسست الاستخبارات الأمريكية على المكالمات في العراق. فيما وصل سقف عمليات التجسس على مصر إلى 1.9 مليار اتصال، و1.6 مليار اتصال في الأردن.
دعوات صهيونية للتجسس على المملكة
وفي عام 2015 وقبل توقيع الاتفاق النووي، دعا (مركز أبحاث الأمن القومي) الصهيوني إلى اعتبار السعودية هدفا استخباريا وتحسين قدرة الكيان على جمع المعلومات عنها.
وحذر المركز الذي يعد أهم محافل التقدير الاستراتيجي في الكيان من أن رصد ومتابعة احتياطات السعودية لمراكمة قوتها العسكرية في أعقاب التوقيع على الاتفاق النووي بين إيران والدول العظمى يعتبر متطلبا مهما لعدم وقوع الكيان تحت وقع المفاجآت.
وشدد المركز على أن السعودية تتعاطى بمنتهى الجدية مع التداعيات المترتبة عن التحول الذي طرأ على موقف المجتمع الدولي من إيران مشيرا إلى أن السعوديين يعيدون بناء تحالفاتهم الإقليمية ليتمكنوا من مواجهة تبعات الاتفاق مع إيران.ويقتضي تحول السعودية إلى هدف استخباري بالنسبة للكيان أن يكثف كل من جهازي الموساد وشعبة الاستخبارات العسكرية (أمان) من جهودهما لإيجاد مصادر معلومات استخبارية شخصية وتقنية