سجلت السعودية أسرع نمو بين دول العشرين خلال الفترة 2010 و2014 رغم هبوط أسعار النفط منذ منتصف 2014
ماجد الجميل من جنيف
"صباح الخير" باللغة العربية لكن بلكنة كوستاريكية، هي العبارة التي افتتح فيها السفير ألفارو موليناري، مدير جلسات المراجعة الدورية الثانية للسياسة التجارية للسعودية، جلسة جديدة أمس في مقر منظمة التجارة العالمية المطلة على بحيرة جنيف.
وقال: "لي الشرف أن أتولى إدارة جلسة مراجعة السياسة التجارية للسعودية، وقد كان لي الشرف أيضا أن أحضر مؤتمرا في (معهد القيادة وتنظيم المشاريع) في المدينة (المنورة) عام 2014، في هذا المؤتمر تأثرت إيجابيا جدا بما شاهدته من تقدم يتعلق بالتحول الرقمي الذي تشهده السعودية".
وأضاف: في وقت حديث جدا، علمت أشياء عن سرعة وتيرة تنفيذ السعودية منصة الحكومة الإلكترونية التي تسمح للسكان السعوديين بحرية الوصول لما يصل إلى 500 من الإجراءات الحكومية من خلال أجهزة حواسيبهم أو هواتفهم المحمولة، و"بصفتي قادمٌ من بلدٍ مثل كوستاريكا، التي تُكافح أيضا من أجل التحول إلى اقتصاد يستند على المعرفة، أقول إن بإمكاني أن أستفيدَ من خبرة التحدي السعودي".
وأوضح ألفارو، وهو أحد أعضاء اللجنة التي ستتولى إعداد التقرير النهائي المفصل لمراجعة السياسة التجارية للسعودية (سيصدر بعد ستة أسابيع من الآن)، أن تنويع الاقتصاد السعودي والإصلاحات الهيكلية مطلوب منها أن تحوِّل اقتصاد البلاد إلى اقتصاد قائم على المعرفة، خاصة أن السعودية تملك القاعدة الملائمة لذلك، مضيفا أن السعودية تسعى لتحقيق هذا الهدف الطموح بحدود عام 2030، طبقا لما جاء في خطة التنمية العاشرة (2015-2019)، والآن أصبح هذا الهدف مهما جدا إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار السياق العالمي الراهن في هبوط أسعار النفط، وهو منتج الصادرات الرئيس للسعودية والمصدر الرئيس لعوائد الحكومة.
وتساءل: ما خريطة الطريق المطلوبة لتحقيق الهدف الطموح في التحول إلى اقتصاد يُمكن أن يعتمد على المعرفة والمعلومات وعمالة عالية المهارة؟ ما نوع السياسات التي يُمكن للسعودية أن تتبعها لتسهيل التحوُّل؟ ما نوع إجراءات التجارة والاستثمار التي يُمكن أن تُسهم في تحقيق تحول ناجح؟ وقال: هذه الأسئلة يتم الإجابة عنها بوضوح في ختام المراجعة، إذ ستكون لدينا صورة أكثر وضوحا عن الطريق الذي تتجه إليه السعودية، وماذا بوسعنا، نحن النظام التجاري متعدد الأطراف، أن نعمل لمساعدة واحدة منا؟
وأضاف: قبل أن نجيب عن هذه الأسئلة، سيكون من الملائم أن نعرف أين تقف السعودية في الوقت الحاضر؟ الإجابة: رغم هبوط أسعار النفط تمكنت السعودية من الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي، والتضخم بقي متدنيا، بمعدل متوسط قريب من 3 في المائة خلال السنوات الخمس الماضية، والناتج المحلي الإجمالي ينمو بثبات بمعدل يُقارب من 4 إلى 5 في المائة، ووضعها المالي بقي تحت السيطرة، واحتياطات النفط هي أيضا وفيرة.
لكن موليناري استدرك قائلا: رغم هذه الإنجازات ينبغي مراعاة الحذر طالما أن هبوط أسعار النفط لا يزال حديثا إلى حد ما، وهناك حالة عدم يقين بشأن الفترة التي سيستمر فيها "سيناريو" هبوط أسعار النفط. شيء واحد واضح: التنويع الاقتصادي هو جوهري من أجل التغلب على عصر ما بعد النفط، وعليه هو أمرٌ لا يُمكن تأخيره أو تأجيله.
وبيَّن أن السعودية تفهم هذا الأمر، وقد قررت استراتيجيا أن تعمل على التحول إلى الاقتصاد القائم على المعرفة، "إنه قرار حكيم لاتخاذه، وإن توقيت تنفيذ التغييرات يبدو مناسبا جدا".
وأضاف أن السعودية حددت كلا من: التنويع الاقتصادي، وتحسين المنافسة، والمشاركة النشطة لقطاعها الخاص، باعتبارها ثلاثة مكونات أساسية في استراتيجيتها للتحول إلى الاقتصاد القائم على المعرفة. لكن ما الإجراءات التي اتخذتها السعودية حتى الآن في هذه المجالات؟ وما التحسينات التي لا يزال ينبغي تحديدها؟
وقال: ما يتعلق بالتنويع الاقتصادي، زيادة مشاركة القطاعات غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي للبلاد هو أحد الأهداف المنشودة، لكن هذه الأهداف، هي في كل الأحوال، تعطي ثمارها على مدى طويل الأجل. إذاً ينبغي البحث عن مزايا المدى القصير. يبدو أن تحسين المنافسة، والمزيد من المشاركة النشطة للقطاع الخاص في الاقتصاد على أن يكون هدفه الأساس زيادة الصادرات عن طريق زيادة الإنتاج، إنما هي أمور قابلة للتحقيق في السعودية بسرعة، كما أن أُكلها تظهر سريعا.
واعتبر السفير موليناري أن تشريع قانون جديد للشركات، وفتح بعض القطاعات للاستثمار الأجنبي المباشر، كالتعدين، والبتروكيماويات، والغاز، والمواصلات؛ إنما هي خطوات مُرحب بها في اتجاه التنويع. لكنه قال "هناك قطاعات أخرى، كالخدمات التجارية، والتأمين، لا تزال القيود فيها قائمة في وجه مشاركة القطاع الخاص، في حين يمكن للقطاع الخاص أن يسهم في زيادة نقل المعرفة والمعلومات".
وأوضح أن إجراءات أخرى في مجال التجارة والخدمات يمكن أن تحسِّن مناخ تجارة الأعمال وتعزِّز المنافسة، من بينها: إجراءات عميقة في تيسير التجارة، خاصة في مجال الجمارك، وقوانين أقوى لحماية حقوق الملكية الفكرية، وتحسينات في بنود قوانين المشتريات الحكومية، كل هذه يمكن أن تجلب مشاركة أوسع للشركات الأجنبية في مجال الاستثمار.
وركز بشكل خاص على العنصر البشري قائلا: إن الطريق نحو اقتصاد قائم على المعرفة ينبغي أن يشمل الابتكار، من خلال تطوير قوة عاملة ماهرة قادرة على توليد أفكار جديدة وتقنيات وابتكارات تتلاءم مع عصر المعلومات.
ونقل السفير الكوستاريكي تعريفا محددا لمنظمة التنمية والتعاون الاقتصادي يختصر فهم الولوج إلى الاقتصاد القائم على المعرفة، بالعبارة التالية: "للتنافس بنجاح في الاقتصاد العالمي اليوم، تحتاج البلدان إلى تطوير إمكانات ومهارات جميع مواطنيها، ومطلوب منها ضمان تطوير مهارات الرجال والنساء بصورة ملائمة وإيجاد الفرص لاستخدامهم على نحو مثمر".
وقال: بلا شك أن الزناد القادح للابتكار هو التعليم، وأن السعودية حققت تقدما ملحوظا في غلق فجوة التعليم أمام الشباب البالغين في المرحلة الثانوية، علاوة على أن مزيدا من الأشخاص يصلون إلى التعليم العالي، لكنه لا يزال غير متوائم مع حاجات سوق العمل. ويضيف "من أجل معالجة التحديات الجديدة، من الضروري التصدي للواقع العالمي الجديد بتوليد العرض والطلب على المهارات البشرية لمواجهة ما يسمى الثورة الصناعية الرابعة التي ستفرض نفسها على العالم أجمع. من جانبه، قال ممثل الاتحاد الأوروبي إنه على الرغم من أن السعودية سجلت أسرع نمو بين دول العشرين خلال الفترة 2010 و2014، رغم هبوط أسعار النفط منذ منتصف 2014، إلا أن الاتحاد الأوروبي يلاحظ أن الاقتصاد السعودي بقي معتمدا على صادرات منتجات النفط الخام، وأن وجود القطاع العام في الاقتصاد لا يزال عاليا، وأنه يمكن أن تكون لهذا الأمر نتائج خطيرة، من وجهة نظر الاتحاد الأوروبي.
وأضاف أن "الاتحاد الأوروبي يلاحظ أيضا أن التأخيرات في الدفع في ظل العقود القائمة بين الشركات الأوروبية والحكومة السعودية أصبحت شائعة على نحو متزايد. وأن التأخيرات قلصت من جاذبية السعودية كوجهة للاستثمار الأجنبي الأوروبي. وعليه يدعو الاتحاد الأوروبي السعودية إلى النظر في اتخاذ التدابير الملائمة نحو مزيد من تنويع الاقتصاد، وتطوير قطاع خاص قوي، والانفتاح على الاستثمار، وتوجيه الاقتصاد نحو مصادر الطاقة المستدامة. هذه الإجراءات ستقدم مزيدا من الدعم للنمو الاقتصادي والعمالة".
وقال: نحن نعتبر علاقاتنا التجارية مع السعودية "مهمة جدا"، والاتحاد الأوروبي. كما أكد التزام دول الاتحاد في إنجاز مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة بين الكتلتين الأوروبية والخليجية.
وأوضح أنه في الوقت الذي يلاحظ فيه الاتحاد الأوروبي أن الجانب السعودي اتخذ عددا من المبادرات لتسهيل التجارة والاستثمار الأجنبي، "إلا أنه لدينا ثلاث ملاحظات: أولا، أن إجراءات الاستيراد والتصدير في السعودية لا تزال معقدة جدا، وعليه أحث السعودية على المصادقة على اتفاقية تيسير التجارة التي تمثل خطوة عظيمة إلى الأمام لتسهيل التجارة الدولية".
وفيما يتعلق بالاستثمار، قال: إن متطلبات سيادة حصة الملكية المحلية في شركات الاستثمار وتشغيل الشركات لا تزال تمثل عائقا لعديد من المستثمرين، كما أن الشركات الأوروبية لا تزال تواجه عديدا من المعوقات للحصول على إجازة من الهيئة العامة السعودية للاستثمار، وعليه يدعو الاتحاد الأوروبي السعودية إلى "تبسيط إجراءاتها بالتحرك نحو تبني إجراءات أكثر سرعة وأكثر صداقة للمستثمر".
وتناولت النقطة الثالثة السعودة، قائلا: إن الاتحاد الأوروبي يتفهم أن نظام سعودة القوة العاملة الذي تم إدخاله عام 2011 ضمن برنامج "نطاقات" أمر مهم في إدماج مزيد من المواطنين في النشاط الاقتصادي، خاصة مع الأخذ بنظر الاعتبار معدلات البطالة العالية بين السكان، لكن على الرغم من ذلك "من المهم ضمان وجود حصص، وأحكام، وإجراءات للسعودة، واقعية، وعملية، يمكن التنبؤ بها، وتتسم بالشفافية، ومتماسكة، ومدعومة بمؤهلات قوية، وخطة للتدريب".
ورحب ممثل سويسرا بـ "الأداء الاقتصادي الإيجابي للسعودية، والإدارة المالية الحكيمة التي اتبعتها لمواجهة انخفاض أسعار النفط، والخطوات المتخذة للنهوض باقتصاد أكثر تنوعا واستدامة".
وعن السعودة، قال "إن الجهود المبذولة لتوسيع عمالة المواطنين السعوديين في إطار برنامج (نطاقات) أمر حيوي، لكن تنفيذ البرنامج ينبغي أن يتم بطريقة تتلاءم مع أحكام منظمة التجارة العالمية، وألا تُفرض تعقيدات لا داعي لها على الأنشطة التجارية التي ينبغي أن تبقى مركز الاعتبار الرئيس".
وأضاف أن سويسرا ترحب بمبادرات السعودية الحديثة بتقليص استهلاكها العالي من الهايدروكاربونات والنهوض بالطاقات المتجددة. ودعاها إلى تعزيز هذه الجهود "وتجنب تقديم المعونات للوقود الحجري".