يعد التمويل العقاري أداة مهمة من أدوات رفع نسبة تملك المساكن للمواطنين في كل دول العالم، لكن هنالك سؤال مهم يحتاج إلى إجابة ممن يرغب في اتخاذ قرار التمويل وهو (هل ظروفي الحالية تسمح لي بتملك سكن )، ومن المستغرب أن يحاول الشخص اتخاذ قرار مؤثر في حياته مثل الحصول على تمويل عقاري دون أن يتأمل ظروفه ويؤدي واجبه المنزلي المتمثل في تحليل موارده المالية والدخول في عالم الأرقام وتمحيصها للوصول إلى القرار السليم بعد الاستخارة والتوكل على الله، وبالطبع لا توجد إجابة مثالية تتوافق مع ظروف الجميع وإمكاناتهم المالية وتفضيلاتهم المختلفة لنوع الوحدة السكنية المطلوبة، ولكن هناك مؤشرات معتمدة ومبسطة تساعد على اتخاذ القرار بشكل أفضل للراغب في شراء السكن وتوضح مدى جدوى التملك وفقا لظروفه الحالية وظروف السوق المحيطة به، وهذه المؤشرات معتمدة من منظمات عالمية مثل الأمم المتحدة والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وجهات أكاديمية مثل المركز المشترك لأبحاث الإسكان وهو ثمرة تعاون بين جامعتين عريقتين وهما هارفارد وmit، كذلك فإن مؤسسات حكومية مثل إدارة الإسكان والتطوير العمراني الأمريكية (hud)تتبنى نشر ومتابعة هذه المؤشرات لتحديد نوع التشريعات والأنظمة التي تعزز القدرة على التملك لدى أغلبية المجتمع، وكي تستطيع أيها القارئ الكريم اتخاذ القرار الصحيح في الإقدام على التمويل من عدمه أنصحك بأخذ ورقة وقلم وآلة حاسبة أو فتح ملف إكسيل، لحساب أهم ثلاثة مؤشرات وهي:
مؤشر القدرة على التملك، وهو من أهم المؤشرات المستخدمة لقياس القدرة على التملك في مدينة معينة، وطريقة حسابها تكون بقسمة قيمة الوحدة السكنية المطلوبة على الدخل السنوي للفرد، والمعيار المناسب لهذا المعدل بأن يكون 3 أو دون ذلك، بينما إذا وصل المعدل إلى أعلى من 5 فتوصف تلكم المدينة بأن التملك مستحيل فيها، وغالبا ستكون كذلك بالنسبة لك إن كنت من ذوي الدخلين المتوسط أو المحدود، فلو كان دخلك السنوي مثلا 120 ألف ريال والوحدة السكنية التي تناسب احتياجاتك (وليس رغباتك) تكلفتها 700 ألف، إذا فمعدل القدرة على التملك بالنسبة لوضعك هو 5.8 وبالتالي فإن الأسعار لا تناسبك بتاتا.
مؤشر نسبة تكاليف السكن من الدخل الشهري، وهو من المؤشرات المهمة لمن يرغب في الحصول على تمويل عقاري، وتمثل نسبة الاستقطاع المناسبة لمصروفات السكن من الدخل الشهري، والمعيار العام هو ألا تتجاوز قيمة قسط التمويل مع فواتير الخدمات الشهرية من كهرباء وماء واتصالات ما نسبته 30 في المائة من الدخل الشهري كمتوسط حتى 40 في المائة كحد أقصى لذوي الدخل الأعلى من المتوسط مع توافر الدفعة المقدمة لديك نقدا وليس كقرض شخصي، وحيث إننا نتحدث عن متغيرات قد تختلف من شخص إلى آخر فلا بد من التأكيد على ألا تعرضك تكاليف السكن لضغوط مالية تضطر بسببها إلى أن تلجأ إلى الاستدانة لتغطيتها، وهذا سيتضح لك عند مراجعة كشف حسابك المصرفي ومصاريفك خلال العام المنصرم، وفي حال قررت أنك ستلجأ إلى خيار المنزل المرحلي، فلا بد أن تتأكد من أن التمويل العقاري الذي ستأخذه سيغطي المدة المتوقع قضاؤها في تلكم الوحدة السكنية ولا يزيد عليها، فإن كنت تتوقع أن أقصى مدة لبقائك في شقة ذات غرفتين لا تزيد على عشر سنوات مثلا، فلا بد ألا تتجاوز مدة سداد التمويل عشر سنوات وألا تتجاوز نسبة الاستقطاع مع فواتير الخدمات 30 في المائة، وهذه الأرقام تستطيع الحصول عليها من أي مصرف يقدم منتجات التمويل العقاري.
المؤشر الأخير هو مؤشر سعر الوحدة السكنية إلى الإيجار السنوي، وهذا يوضح لك إذا ما كانت السوق مناسبة للاستمرار في الإيجار أو أن خيار الشراء هو الأفضل، ويبدأ المعدل من المدى 1 إلى 15 ويعد الشراء خيارا أفضل وفقا لظروف السوق الحالية، ثم من 16 إلى 20 وتعد السوق في مرحلة توازن بين الخيارين وهنا يمكن أن تعتمد على المؤشرين السابقين لاتخاذ قرارك، وفي حال وصل المعدل إلى 21 وأعلى فالأفضل البقاء على الإيجار حاليا، وكمثال لو كان سعر الوحدة السكنية التي تتوقع أن توفي حاجتك خلال السنوات المقبلة 500 ألف ريال، والإيجار السنوي لنفس المواصفات والمنطقة 35 ألف ريال، فمعدل السعر إلى الإيجار هو 14 تقريبا، وبالتالي فخيار الشراء هو المناسب وفقا لهذا المؤشر.
الخلاصة، هذه المؤشرات تتميز بأنها تحاكي واقع اليوم ولا تنظر للمستقبل ومتغيراته الكثيرة، وإنما تأخذ وضعك المالي حاليا في الاعتبار ووضع السوق الحالي كذلك وهنا تكمن سهولة الحصول على الأرقام لقياسها، في الوقت ذاته من المهم تقصي وضع السوق المحيطة بك وتوجهاتها حتى تتخذ القرار بدقة أكبر، فعند توقع انخفاض الأسعار في المدى القريب أي خلال ثلاث سنوات، ووجود قرارات حكومية تدعم هذا الانخفاض فالأولى الانتظار وعدم الاستعجال في اتخاذ هذا القرار المصيري، الذي يؤثر فيك على المدى البعيد نظرا لطول مدة التزاماته المالية