مُنذ تسعينيات القرن الماضي بدأت تجارة الفوركس (شركات تداول العملات الأجنبية) في إسرائيل تتطور حتى حظيت 15 شركة فوركس إسرائيلية بمكانة بارزة وعالمية في أيامنا هذه، كثيرٌ منها غير موجود في إسرائيل وتُخفي هويتها الإسرائيلية أو أي شيء يربطها بإسرائيل، بل إن بعضها لا يقبل بالتعامل مع إسرائيليين، ولكن معظم زبائنها من أوروبا والخليج العربي، مثل شركة إكسفوركس وتبلغ حجم التداولات فيها حوالي 10 مليار دولار شهريًا، وفي كثير من الأحيان يتم الاستعانة بإغراء شباب عربية للعمل برواتب مغرية؛ للإيقاع بأثرياء الخليج لتحقيق المزيد من الأرباح لهذه الشركات الإسرائيلية.
مطلوب عرب
“لن تحتاج إلى شهادة جامعية ولا خدمة في الجيش، كُل ما تحتاجه أن تُجيد اللغة العربية ببراعة وطلاقة”.
يواجه الفلسطيني الذي يعيش داخل إسرائيل العديد من المصاعب في الانخراط في الشركات الإسرائيلية، فتتعدد الأسباب ولكن يبقى أهمها أنه لا يخدم في الجيش، ولكن كل المصاعب تتلاشى عندما نتحدث عن سوق الفوركس، حيث لن تحتاج إلى شهادة جامعية ولا خدمة في الجيش، كُل ما تحتاجه أن تُجيد اللغة العربية ببراعة وطلاقة، بالإضافة إلى قُدرات جيدة في الإقناع على الأقل، فيكفيك أن تدخل لموقع مثل Drushim وتكتب في خانة البحث (متحدث بالعربية)؛ لتكتشف كمًّا هائلات من الوظائف المغرية، حيث تعرض بعض الوظائف راتبا قد يصل إلى 5000 دولار وهو راتب ضخم ومغرٍ جدًا، إذا علمنا بأن معدل الدخل الشهري للمواطن العربي يصل نحو 1500 دولار.
وفي مُحاولتنا لفهم هذا الواقع بشكل أقرب قمنا بالتواصل مع إحدى الشركات التي وضعت إعلانًا تبحث فيه عن موظفين عرب (فقط) للعمل في مجال الفوركس، فلم تمر إلا ساعات قليلة حتى عادت إلينا مسؤولة التوظيف في الشركة لتتأكد من مسألتين فقط، فهي ليست مهتمة إلا أن يكون المتقدم عربيًا وأن لديه رغبة جامحة بالعمل في مهنة مُربحة جدًا على حد قولها، وأخبرتنا أن المدير سيتصل بنا في أقرب وقت ممكن ليحدد موعدًا للمقابلة، وفعلًا فلم يمض الكثير من الوقت حتى رنّ الهاتف، عرّف عن نفسه بأنه مدير في شركة فوركس مقرّها في مدينة هرتسيليا، ويبحث عن شباب نشيطين للعمل في مجال المبيعات في شركة فوركس للتواصل مع الزبائن المتحدثين باللغة العربية من دول عربية مختلفة.
وكان من بين الأسئلة إذا ما كانت لدينا خبرة في مجال المبيعات أو الفوركس، ورغم أن الإجابة كانت: لا، إلا أنه أكد أن ذلك لا يهم كثيرًا والمهم هي الرغبة في العمل، وأكد أن كثيرين يربحون لديه فوق الـ2500 دولار شهريًا، وهو راتب مميز جدًا من غير الإضافات، كما أكّد أن الشركة تدرّب الموظفين الجدد على العمل ولا حاجة للقلق. ومن الجدير بالذكر أن المسؤول في الشركة لم يسأل عن أي شهادة أو دراسة جامعية وكُل ما سأل عنه هو السيّارة، وأكد أنه مستعد لتحمل كُل تكاليف السفر، وأخبرنا أن لديه موظفًا من مدينة الناصرة في شمال البلاد (على بُعد ساعتين سفر)، وأنه يدفع له كُل تكاليف السفر من وإلى العمل.
الفوركس.. الإرهاب الاقتصادي!
“عمليات نصب واحتيال، قد تؤدي إلى تهديد أمن واستقرار اليهود في العالم”.
على موقع صحيفة جلوبوس الاقتصادية الإسرائيلية، نُشرت مقابلة مع موظف سابق في 4 شركات فوركس إسرائيلية يُدعى أرئيل مَرُوم، بعنوان: “من 30 حتى 40 % من شركات الفوركس الإسرائيلية تُقوم بعمليات نصب على مستوى العالم”، وقد قرر أرئيل في المقابلة أن يفضح هذه الشركات متوجهًا للجهات الحكوميّة المسؤولة عن تنظيم الشؤون المالية في إسرائيل بملاحقة شركات الفوركس؛ لأنها تقوم بعمليات نصب واحتيال تحت مظلّة الربح السريع والمتاجرة بالعملات الأجنبية، مؤكدًا أن هذه العمليات قد تؤدي إلى تهديد أمن واستقرار اليهود في العالم، وكان من بين تصريحاته:
“ما يحصل في عالم الفوركس اليوم هو إرهاب اقتصادي، يستهدف أفرادًا من مختلف دول العالم. إنني أخشى أنه إذا ما تم نشر هذه المعلومات في التحقيقات الصحفية، وهو أمرٌ لا بُد حاصل، سيضر بأمن إسرائيل وقد يؤدي إلى موجة من الكراهية تجاه الشعب اليهودي وإسرائيل، وستكون الأضرار كبيرة”!
وأكّد للصحيفة: “لقد بدأت العمل في مجال الفوركس بعد سنوات من العمل في المجال الاقتصادي التقليدي كالبنوك وشركات التأمين، إلا أنني أصبت بالذهول عندما رأيت ما يحصل في الفوركس، إن شركات الفوركس تسرق ببساطة زبائنها. كثيرون يساوون بين الفوركس والكازينو، إلا أن كثيرًا من شركات الفوركس أسوأ بكثير من الكازينو”!
ويوضح كذلك: “إن هذا المجال يحصد ملايين الدولارات كُل عام، جُلّ العمليات التي تقوم بها الشركات في إسرائيل تكمن في التشغيل، الإدارة والتسويق، الإحصائيات المُخيفة: أكثر من 95% من الزبائن هم ضحايا للنصب والاحتيال.”
فلسطين.. بدلًا من إسرائيل!
“يبدو أن شركات الفوركس ليس لديها مشكلة في تشويه اسم فلسطين”.
ولعلّ من أبرز ما ورد في المقابلة، هو أن عمليّات النصب لا تنحصر فقط في سرقة الزبائن بل في الغش وتزييف الحقائق، بل والكذب عليهم أحيانًا حيث يقول مروم -موظف سابق في شركة فوركس-: “إن هذه الشركات تعمل ضد كُل المعايير، فالصفقات التي يعقدها العُملاء لا تخرج إلى الأسواق، وهي تقدم استشارات بلا تراخيص لازمة، وهناك الكثير من التزييفات الحاصلة في مستنداتها وبهذا فإنها تتجاوز الإجراءات القانونية التي تحظر تبييض الأموال، وفوق ذلك نجدها تتبادل مع عملائها معلومات كاذبة بشكل مقصود، بالأخص عندما يُخبرك الموظف أنه يتحدث معك من لندن، وهو يتحدث في واقع الأمر من تل أبيب”.
وليس أرئيل مَروم الوحيد في تصريحاته هذه، حيث نجد أن شادي عثامنة وهو من شباب الداخل الفلسطيني الذين عملوا في شركة فوركس إسرائيلية، يُصرّح أنه ترك العمل في شركة فوركس إسرائيلية لأسباب كثيرة، أهمها: الكذب، ويقول إنه بعد أن اجتاز معظم الاختبارات من بين عدد كبير من المتقدمين وجد نفسه مطالبًا بالقول بأنه ليس من إسرائيل، وبعد أن رفض الفكرة وقرر ترك العمل، توصّل مع الشركة إلى اتفاق يقول أنه من فلسطين بدلًا من إسرائيل.
وقد أكّد لنا في هذا السيّاق قائلًا: “إن شركة الفوركس لم يكن لديها أي مشكلة بالتصريح بأنني من فلسطين خاصة أنني عارضت فكرة الكذب، فكان بمثابة فكرة لتخطي هذا الأمر ليتماشى مع مصالحهم المادية حتى لو كان يتعارض مع مصالحهم السياسية، فالمهم هو جني المال بأي وسيلة”.
الضحايا العرب
“وحسب تجربتي وما رأيته فقد وصلت نسبة الخسارة إلى 99% على الأقل بدون مبالغة”.
بالنسبة لشادي، فإنه القشّة التي قسمت ظهر البعير، كانت وهو يُشاهد أبناء جلدته يُسرقون ويُنهبون من قبل هذه الشركات وكأنه شريك في السرقة، فقد كشف معلومات مثيرة حول ضحايا الفوركس مؤكدًا: “أن نسبة ما يسمى بضحايا الفوركس الذين يخسرون كل ما اشتركوا به في الشركة هو 90% وهذا الرقم هو ما تدّعيه الشركات نفسها, أما أنا على الصعيد الشخصي وحسب تجربتي وما رأيته فقد وصلت نسبة الخسارة إلى 99% على الأقل بدون مبالغة عند مجموعة الزبائن التي كانت بحوزتي، مع العلم أن جميع الزبائن المتكلمين باللغة العربية كانوا بحوزتي”.
ويستطرد في حديثه ليذكر القصّة التي جعلته يترك العمل، عندما اتصل به أحد الزبائن الذين خسروا كل ما يملكون، ولشدة تعلقه بالمجال، صار مدمنًا حتى اتصل به ذات يوم وقال: “الآن هو موسم الزيتون، وقد جنيت 4 جرّات زيت وأود بيعها والمتاجرة بها في الفوركس”.
وبحسب تقرير للجزيرة نت فإن أحد الموظفين في شركات الفوركس أكد أن قيمة الأرباح التي حصّلتها إحدى شركات الفوركس الإسرائيلية من العالم العربي بنحو 30 مليون دولار شهريا وهذا من العملاء المبتدئين فقط، هذا غير المبالغ الطائلة التي تُجبى من العملاء القدامى يذكر التقرير مسارات وإمكانيات متعددة تتيحها هذه الشركات لكسب ثقة المستثمرين، كالحصول على منحة مالية إضافية كهدية قد تصل إلى 30% من حجم المبلغ الذي قام المستثمر بإيداعه، مما يشجعه على إيداع مبالغ كبيرة.
أين الدولة؟
“هل ينتظر المسؤولون عندنا حتى تتفجر الكنس اليهودية في العالم بسبب كراهية العالم لليهود، كي يوقفوا هذه الظاهرة”؟
بالعودة إلى المقابلة التي أُجريت مع آرئيل مروم، وفي محاولة للإجابة عن أسباب عدم اهتمام الدولة بضبط عمليات النصب والاحتيال التي تجري يوميًا على الفوركس، يقول: “إن شركات الفوركس تعمل مع جهات أجنبية، والعُملاء لا يعلمون أساسًا أنهم يتعاملون مع شركة إسرائيلية، بالأخص عندما نتحدث عن عُملاء من الدول العربية. وبالتالي فإن الشكاوى لا تصل إلى المحاكم وهكذا تبقى مثل هذه القضايا طي الكتمان”!
وفي نفس السياق يُعلّق قائلًا: “ماذا سيحصل عندما سيكتشف آلاف الأتراك، الروس، الإسبان، الإيطاليين والفرنسيين أنهم وقعوا ضحايا عمليات نصب تجرى من إسرائيل؟ هل ينتظر المسؤولون عندنا حتى تتفجر الكنس اليهودية في العالم بسبب كراهية العالم لليهود، كي يوقفوا هذه الظاهرة؟
مخابرات.. في مواقع الفوركس
“استغلال منصات كهذه للربح السريع في تجنيد المزيد من العُملاء للمخابرات الإسرائيلية”.
لعلّ أغرب حكايات الفوركس الإسرائيلي ليست في سرقة الأثرياء العرب، وإنما استغلال منصات كهذه للربح السريع في تجنيد المزيد من العُملاء للمخابرات الإسرائيلية فقد ذكر موقع المجد، وهو موقع فلسطيني مختص بالتوعية بخدع المخابرات الإسرائيلية، حكاية أحمد من غزة، الذي قام يتسجيل بياناته في أحد مواقع الفوركس، فقام أحدهم بالتواصل معه زاعمًا أنه رجل من الخليج، ولديه أموال لا يملك الوقت لمتابعة تشغيلها عبر الصفحات وطلب من أحمد العمل معه مقابل مبلغ من المال شهريًا، وكانت المفاجأة عندما اكتشف أحمد لاحقًا أن ذلك الرجل لم يكن خليجيًا بل كان من رجال المخابرات، حيث طلب منه أثناء الحرب الأخيرة على غزّة بتقديم معلومات عن المقاومة وهدده بكشف أمره من خلال الأموال التي استلمها عبر البنوك.