درج الحكام فى كل وقت وحين على كراهية عمر بن الخطاب رضى الله عنه ، لشدة ورعه وتقواه وعدله الذى أصبح مضرب الأمثال بين المسلمين على مدى العصور ، وقد ظلت كلمات الرسول الرومى الذى ذهب إلى المدينة للقائه رضى الله عنه ، التى قال فيها : حكمت فعدلت فأمنت فنمت يا عمر . خالدة ما بقيت السماء والأرض ، كما تمتد هذه الكراهية أيضًا معها ، فعدل عمر بن الخطاب وقوته وشجاعته فى الحق هو العدو الأول لهؤلاء الحكام ، بداية من حكام بلاد الروم ، وبلاد فارس وإلى اليوم .
وانتقلت هذه الكراهية ذاتها الإمبراطورية العثمانية التى حكمت الدنيا من الشرق والغرب ، وامتدت جذورها فى بلاد أوربا التى لم تنس لهذه الدولة العظيمة سيطرتها على بلادهم عدة قرون متوالية ، نشرت خلالها الإسلام فى شتى ربوعها ، ولهذا استمرت فى النيل منها ومحاولة القضاء عليها نتيجة بزرع العرقية والقومية فى البلدان العربية والإسلامية الموالية لهذه الإمبراطورية الكبيرة ، ولما قررت الرحيل عن تلك البلدان زرعت موالين لها فى كل المجالات الاقتصادية والساسية والاجتماعية ، كما عملت على إيجاد حكام أكثرهم خونة لله ولرسوله وللمؤمنين ولشعوبهم ، وبالتالى امتدت كراهية هؤلاء الحكام من أسيادهم الأوربيين إلى الخلفاء العثمانين ، واستمرارًا لهذه النزعة تأتى تصريحات رئيس الوزراء السوري بعنوان "طموحات أردوغان السلطانية التوسعية واهمة وخيالية" فى 8 / 12 / 2013 فى إحدى الصحف وتحت هذا العنوان كتب الصحفى : جدد رئيس الوزراء السوري وائل الحلقي اتهامه لحكومة حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا بـمواصلة دعم الإرهاب في سورية من خلال الدعم المالي واللوجستي للإرهابيين وتوفير المقر والممر الآمن لهم من أجل التسلل إلى سورية وارتكاب الجرائم بحق شعبها".ونقلت وكالة الأنباء السورية "سانا" عن الحلقي القول في مقابلة مع قناة تركية إن "حكومة رجب طيب أردوغان متورطة بجريمة سفك دماء السوريين وما زالت سياستها محكومة بطموحات أردوغان الواهمة والخيالية بإعادة أمجاد السلطان وإخضاع دول المنطقة لسيطرته". وهذا الوزير أحد المجرمين والقتلة الذين ارتكبوا مئات المجازر والمذابح التى قُتل فيه الآلاف من الأطفال والنساء والشباب والشيوخ ، بل تعدى فجرهم إلى تدمير بيوت الله فى الأرض ، وحرقوا الأراضى الزراعية بما فيها من حبوب وزروع ، وهو المنطق نفسه الذى تنفسه القذافى من قبله فى ليبيا ، ومبارك فى مصر ، ورجال الإنقلاب الآن فى مصر ، فهم يكرهون أردوغان ، لأنه يمثل الرجل الإنسان فى زمن قل فيه الرجال ، وانتهى فيه الإنسان وتجرد من إنسانيته حتى وجدنا من يؤيدهم فى مذابحهم وعتوهم وفجرهم ، فهو الحاكم الوحيد الآن الذى يحمل قلبًا نابضًا ليس بحب شعبه فقط ، بل بحب كل مسلم يمشى على الأرض ، يكرهونه لأنه الحاكم الوحيد فى العالم الآن الذى يعتبر كل أرض يصلى على أرضها وينطق بالشهادة فيها وطنًا له ، وليس من أجل فرض نفوذ بلاده فى تلك الأماكن والبلاد كما يقول المغفلون من الناس ، فليس أردوغان من الغباء بمكان أن يفكر فى هذا ؛ لأنه يعرف التغيرات الدولية فى العصر الحالى ، والتى لا تسمح بالإحتلال والتحكم بالقوة المسلحة ، والكل رأى وسمع وشاهد فشل الولايات المتحدة الأمريكية وهى أكبر قوة كونية الآن ، وهى تجر ذيل خيبتها من العراق ومن أفغانستان ، وإن شاء قريبًا من مصر .
يكرهون أردوغان لأنه رفض أن يقف مع هذه الحفنة من المجرمين ضد حرية شعوبهم ، ورفض أن يساعدهم باعترافه بهم وهم يقتلون شعوبهم ويحرقون الأخضر واليابس ، وليس الأمر كما يزعمون ويصورون لضعاف العقول من الناس ، أو يظنون أن الناس تصدق ترهاتهم وأكاذيبهم المفضوحة التى تصورها آلات تصويرهم فى كل مكان ، ألا يعقل هؤلاء أم على قلوبهم أقفالها ، لقد عميت أبصارهم وقلوبهم .
يكرهون أردوغان لأنه الحاكم المسلم الوحيد فى الوقت الراهن الذى يحترم شعبه ويخدمه بما يليق بحاكم يعتبر نفسه خادمًا للشعب ، لا يسرقه ، ولا يخونه ، ويعدل بين جميع طوائفه ، ولم يثبت أنه أخذ قرشًا واحدًا ، بدون وجه حق ، وهذه الصفات يكرهها الحكام العرب الآن ؛ لأنهم جاءوا على ظهور الدبابات الأوربية التى وضعتهم فى هذا الأماكن لإفقار شعوبهم وإذلالها ، والتفرقة بين طوائفها ومذاهبها وعدم العدل فيها .
يكرهون أردوغان لأنه حول بلده من دولة ضعيفة لا تملك شيئًا من العلم أو الصناعة إلى دولة أصبحت من الدول الكبار فى العالم ، وفى مصاف الدول الصناعية الكبرى ، والتى بدأت فى صناعة السيارات والطائرات بدون طيار ، وأخيرًا الدبابات ، كما جعل اقتصاد تركيا من الإقتصاديات الأولى فى العالم ، وهذا لما لا يريده حكامنا لأنهم وتبعًا لما يراه حكامهم الأوربيين يريدون أن تستمر بلداننا الإسلامية والعربية فى الضعف والاستكانة والذلة ، والفقر . يكرهون أردوغان لأنه يريد أن يرفع الحصار عن غزة المحاصرة ، ويذهب لزيارتها من وقت لآخر ، مقدمًا لها ما تحتاجه من آليات زراعية وممدًّا لها بالوقود كلما استطاع إلى ذلك سبيلاً ، ويعادى الكيان الصهيونى بالرغم من وجود اتفاقيات اقتصادية قديمة بين البلدين ، ولكن هؤلاء الحكام يساعدون اليهود فى حصار المسلمين فى غزة ، ويتركونهم يموتون تحت القصف ، ومن أصيب منهم مات جريحًا بلا دواء ولا مستشفيات ، ولا كهرباء ولا ماء . إن من يرى المدن التركية فى الوقت الراهن يعرف ويدرك تمام الإدراك لماذا يكره الحكام العرب أردوغان الذى اهتم بالمدن التركية ونظافتها وفقرائها وأبنيتها ومدارسها وجامعاتها ، حتى أصبح فى كل مدينة من مدنها جامعة حكومية ، هذا غير الجامعات الخاصة ، أما فى بلداننا العربية والإسلامية فحتى الآن لم يدخل بعضها الماء النظيف ، ولم تعرف مدنها الكبرى المدارس الثانوية فضلا عن الجامعة .
يكرهون أردوغان لأنه يهتم بشباب بلده التى يحبها من قلبه ، ويعمل على توفير العمل المناسب لكل منهم ، بلا تحيز لأحد منهم على الآخر ، بل بامتحان يثبت جدارته عن أخيه وأخصيته بهذا العمل أو ذاك ، أما حكامنا يرون أنه لا حق لأحد من غير أولادهم بالأعمال الكبرى والعظيمة ، فرجال القضاء لا يوافقون على تولى أولاد الفقراء تلك المناصب بالرغم من أخقيتهم بها لتفوقهم الدراسى ، وهكذا فى الجيش والشرطة والجامعات .
يكرهون أردوغان لأنه يحاول التقدم ببلده من خلال الاهتمام بالعلماء والخبراء وأساتذة الجامعات ورجال القانون والتعليم والاقتصاد ، ويحاول جلب الخبرات البشرية من الخارج بكل ما أوتى من قوة ، أما حكامنا الذين يتهمونه بمحاولة استرجاع مجد الإمبراطورية العثمانية – ويا ليته يستطيع ذلك – فيستمرون فى القضاء على بلادنا ومحاولة تدميرها بكل قوة من خلال القضاء على العلماء والخبراء وأساتذة الجامعات ورجال القانون والتعليم والاقتصاد ، بقتل بعضهم وحبس بعضهم ونفى بعضهم ، ومنع الكثيرين من العمل ، وما نراه فى العراق وسوريا ومصر وليبيا خير دليل على ذلك .