أثار قرار الكونغرس الأمريكي بالموافقة على رفع الحظر المفروض منذ أربعين عاما عن تصدير النفط المحلي للخارج العديد من التساؤلات: حول توقيته، وتداعياته على أسعار النفط في الأسواق العالمية، خاصة في ظل الانهيار الكبير في أسعار النفط، والاضطرابات التي تحياها منطقة الشرق الأوسط
تزامن رفع الحظر مع إقرار الكونغرس قانون الموازنة لعام 2016، إلى جانب تسوية تتضمن إجراءات للطاقة المتجددة تلبية لرغبة الديمقراطيين، مقابل إلغاء الحظر المعمول به منذ العام 1975 على تصدير النفط الأمريكي.
ومن بين نصوص القانون المقترح، والذي سيحدد نفقات الدولة الفيدرالية حتى 30 سبتمبر المقبل، تقديم سلسلة تنازلات من قبل الحزبين، بما فيها رفع منع تصدير النفط الذي كان مطلبا ملحا للجمهوريين.
يضمن القرار تمكين الولايات المتحدة من تصدير النفط الخام، وتعزيز تقاسم العائدات بين الولايات عن عمليات الحفر عن النفط والغاز في المناطق البحرية، إذ بفضل ثورة النفط الصخري بات بإمكان أمريكا منافسة روسيا والسعودية على صدارة منتجي النفط في العالم.
وقد جاء قرار الولايات المتحدة في السبعينيات في ظل التراجع الواضح لإنتاج النفط، والارتفاع في الاستهلاك، ما يعني زيادة الحاجة إلى الاستيراد، وبصفة أساسية من دول الشرق الأوسط، وهو ما دعا المسئولين آنذاك لمنع تصدير النفط الخام، والغاز الطبيعي للخارج، والاحتفاظ به للاستهلاك المحلي.
تغيرت الأمور بشكل كبير في الوقت الراهن، حيث صار سوق النفط يعاني فائضا في العرض، بينما أصبحت أمريكا ثالث أكبر منتج للنفط في العالم بعد السعودية وروسيا، وقد فتح القرار العديد من مخاوف استمرار إمدادات النفط الأمريكية، على الرغم من انخفاض عدد مصافي النفط في الأعوام القليلة الماضية، والتي من شأنها أن تشكل خطراً للمزيد من الهبوط للأسعار خلال العام المقبل، كما يرى المراقبون.
ويرى البعض أن تزايد وتيرة انخفاض أسعار النفط سوف تؤثر على إنتاج النفط الصخري، حيث إن انهيار أسعار النفط سيمتد إلى انخفاض كبير في حفر واستكمال الآبار الجديدة، وهي المعضلة الأساسية التي ستواجه أمريكا. لاسيما وأن صافى تأثير صادرات الخام الأمريكي على السوق في الوقت الحالي هي صفر.
لم يأت قرار منع تصدير النفط الأمريكي في عام 1975م من فراغ، بل جاء خوفا من حدوث نقص، بعد الصدمة النفطية التي سجلت فيها أسعار الذهب الأسود ارتفاعا كبيرا، وهو ما تعرف بـ” أزمة النفط” عام 1973 والتي أثرت على العديد من دول العالم المنتجة والمصدرة معا.
بدأت هذه الأزمة حينما أعلن أعضاء منظمة الدول العربية المصدرة للبترول” أوبك” حظر نفطي لدفع الدول الغربية لإجبار إسرائيل على الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة في حرب 1967.
فضلا عن إعلانها توقف إمدادات النفط إلى الولايات المتحدة والبلدان الأخرى التي تؤيد إسرائيل في صراعها مع سوريا ومصر والعراق، وبالتالي اتفق أعضاء” أوبك” على آلية لضبط أسعار النفط في أنحاء العالم لتثبيت أذرع لها أمام الدول الغربية آنذاك. حيث تم فرض حظر على شحنات من النفط الخام إلى الغرب، تحديدا الولايات المتحدة وهولندا التي زودت إسرائيل بالأسلحة، وسمحت للأمريكيين باستخدام المطارات الهولندية لإمداد ودعم إسرائيل.
والمتعارف عليه أن” أوبك” كانت تعد هي المورد الأساسي لمصادر النفط في العالم، إذا اعتمدت معظم الاقتصاديات الصناعة في الغرب تحديدا على النفط الخام القادم من ” أوبك”، إذ أدى الحظر حينها إلى ارتفاع أسعار النفط، وحدت من النشاط الاقتصادي الغربي وقتها.
وفتح ارتفاع الأسعار إلى تأميم الدول الأعضاء في “أوبك” شركات البترول في بلدانهم، خاصة السعودية، والتي سيطرت على تشغيل شركة ” أرامكو”، في المقابل أنتجت هذه “الفوضى” صدمة في الغرب. حيث فقدت بورصة نيويورك للأوراق المالية 97 مليار دولار في قيمة أسهمها في ستة أسابيع، ومع كل ذلك أدت أزمة الطاقة إلى زيادة الاهتمام بمجالات الطاقة المتجددة، مثل: الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، والاعتماد على الفحم والطاقة النووية.
الكبت الاقتصادي الذي تعرضت له الدول الغربية الواقعة ضمن الحظر دفع بعضها إلى إطلاق مبادرات واسعة لاحتواء الأزمة، وتحديدا اعتمادهم المستقبلي، لاسيما أن الأزمة أفرزت عن انهيار سوق الأوراق المالية خلال عامي ” 1973-1974″.
تعد الولايت المتحدة من أكثر الدول التي تحتوي على مخزون نفط صخري في العالم؛ حيث إنها تمتلك حوالي 75% من إجمالي المخزونات في العالم، وهو ما جعل خشية الدول المنتجة للنط تزداد لعودة هذا النوع إلى السوق بقوة، بفضل سماته العديدة.
وزاد اكتشاف النفط الصخري في دول أخرى في بعض مناطق قارة أمريكا الشمالية، مثل كندا الوضع تعقيدا، الأمر الذي أحدث ضجة بين الدول المصدرة والمنتجة للنفط، خوفا من يؤثر النفط الصخري على أسواق النفط التقليدي، رغم أن عملية استخراجه تكون ذات كلفة عالية نسبة إلى النفط الخام .
وبالتالي، لم يتم البدء بإنتاج النفط الصخري تجاريًا على نطاق واسع، سوى في الأعوام الأخيرة؛ حيث شهدت أسعار النفط ارتفاعا كبير حتى منتصف عام 2014 وهو ما جعل الاستثمار في النفط الصخري مرتفع التكلفة أمرا ذا جدوى من الناحية الاقتصادية.
وينظر إلى النفط الصخري بأنه أحد الموارد الواعدة للوقود الأحفوري في ظل تقلص احتياطيات النفط الخام. ويشار إلى أن الولايات المتحددة صدرت “586” ألف برميل من الخام في أبريل الماضي، وهو أعلى رقم تصدره على الإطلاق، وأكثر من إنتاج “الإكوادور وليبيا”، العضوتين في “الأوبك”، لكن الرقم تراجع إلى “409” آلاف برميل سبتمبر الماضي.
ويخشى أن ازدهار النفط الصخري ورفع الحظر عن ضخه للأسواق العالمية، سوف يزيد لأسعار النفط ، في حين يصر العديد من المراقبين داخل الأوساط الأمريكية على أن التصدير يعد فرصة لإنقاذ صناعة الزيت الصخري وعدم تعرضها للإفلاس في ظل انخفاض الأسعار.
كثر الحديث في دلالات توقيت قرار مجلس النواب الأمريكي رفع الحظر عن تصدير النفط للخراج، لكنها تمحورت حول أنه تأتي استجابة للطفرة الإنتاجية للخام الخفيف في الوقت الذي يتركز فيه الاستهلاك المحلي على الخام الثقيل الذي تأتي به من كندا والسعودية وفنزويلا.
ومن بين الدلالات أيضا أنه يفيد المنتجين الأمريكيين بشكل واضح، حيث يمنحهم سوقا أوسع لخامهم، إلى جانب كثرة المخاوف بشأن ضعف صحة الاقتصاد العالمي، وحالة الركود والذي أججته المتغيرات التي تعصف بالمنطقة العربية والإقليمية، وعدم استقرار أسعار النفط، وتحكم الدول المنتجة” الأوبك” في سياسات التصدير والأسعار والإنتاج.
ويأتي القرار أيضا رغبة في تشجيع المزيد من إنتاج الزيت الصخري، خوفا من تأثر الصناعة بموجة الانخفاض الحالي في الأسعار.
وقد جاء القرار متزامنا مع مجلس الاحتياطي الفيدرالي تقضي برفع سعر الفائدة للمرة الأولى منذ صيف 2006، ما تسبب في موجة ذعر في الأسواق الناشئة، وقد يثير موجة هبوط إضافية في أسواق المال، ونزوحًا مكثفًا لرؤوس الأموال من هذه البلدان.
نظرة الدول المنتجة للنفط” الأوبك” والمراقبين لقرار رفع الحظر الأمريكي
بمجرد الإعلان عن القرار حتى سارعت “أوبك” تأكيدها على أن أسعار النفط ستبقى تحت 100 دولار للبرميل لفترة طويلة، وأن سعر النفط سوف يصل إلى إلى 70 دولارا للبرميل في عام 2020
وبالتالي، فإن الوضع الحالي من وجهة نظر” الأوبك” بسوق النفط يمثل تحديا لخطط حيث تزيد الفجوة بين العرض والطلب. في حين يؤكد خبراء أن تأثير صادرات الخام الأمريكي على سوق النفط يساوي “صفرا” ، لأن أمريكا لا تزال دولة مستوردة، وستبقى تصدر الخام الخفيف المستخرج من التربة الصخرية، ولكنها ستظل تستورد الخام الثقيل، وبالتالي إن المحصلة ستظل ثابتة.
إلا أن العديد من المراقبين لأسعار النفط توقعوا بعد قرار رفع الحظر أن تتعرض أسعار النفط العالمية لمزيد من الهبوط النسبي يبدو أنه يحدث بالفعل) خاصة مع استمرار ارتفاع سعر الدولار).
وفرض المزيد أيضا من الضغوط على نفسيات المتعاملين بأسواق النفط مما ستكون عاملا من عوامل الضغط على الأسعار والهبوط ، ودخول دول الخليج العربي في فصل جديد من الخسارة المالية، إذ إن القرار من شأنه زيادة تخمة المعروض بالأسواق العالمية.