تستوقفني أمثلة صارخة لخلع رداء الوطنية على المكشوف، وارتداء ثوب وطن آخر، ويبلغ الحماس بهؤلاء درجة أنهم يتناقضون، كما يتنفسون، ولذا فقد أصبحوا مجالا للتندر، إذ جرت العادة أن يتم نشر تناقضاتهم، والتي كتبوها خلال فترات متفاوتة، جنبا إلى جنب، فيصبح المتابع أمام فانتازيا ساخرة، من التناقض المضحك، والمثير للتندر، والأعجب أن هؤلاء لا يتوقفون، بل يواصلون هذا التناقض الفج، وهنا ندرك خطورة التحزب الفكري، أو الأدلجة، فالشخص المؤدلج يسير وفق توجيهات محددة، ومبرمجة سلفا، ويؤكد كثير من الباحثين على أن تغيير فكر الشخص المؤدلج، سواء كانت أدلجته متأسلمة أو متحررة، أمر صعب جدا، إن لم يكن مستحيلا!.
المؤدلجون في مجتمعنا ينتمون إلى مدارس وتيارات شتى، ولكن أبرز هذه التيارات، وأخطرها على الإطلاق، هو التيار السروري، والذي أسسه اللاجئ السوري محمد سرور زين العابدين، وتكمن خطورة هذا التنظيم «الخطر جدا» في مقدرته على المخادعة، والمخاتلة، اذ إن هذا التنظيم في تكوينه الأساسي، خليط من السلفية التقليدية، والتي عليها علمائنا الأجلاء، ومن فكر الإخوان المسلمين، أي فكر سيد قطب، فأتباع هذا التنظيم يؤمنون بمبادئ السلفية، وفي ذات الوقت، يتبنون الفكر الحركي لتنظيم الإخوان المسلمين، وهذا هو ما جعل هذا التنظيم ينجح نجاحا ساحقا في «الاستقطاب»، أي حشد الأتباع، لأن معظم أتباعه من البسطاء يرون نصف الكأس الممتلئ، أي الجانب السلفي في زعماء التنظيم السروري السعوديين، ولكن يخفى عليهم الجانب الحركي الخطر، والذي يجعل من هؤلاء البسطاء، أيضا، وقودا لمغامرات التنظيم، والتي تتطلب حماسا وشجاعة، لا يقدر عليها القادة، والذين يتمتع كثير منهم بالثراء الفاحش، وحياة الرفاهية، ورغد العيش!!.
الرؤوس الكبيرة لللتنظيم السروري السعودي «الخطر» هي التي تمارس التناقض، فهم على سبيل المثال، يثيرون البلبلة هنا، في المملكة، ضد أي حراك تنموي، ولكنهم يصمتون، بل أحيانا يشيدون، بأي حراك تنموي مماثل، في البلدان التي تدعم تنظيمهم!!، ودونكم موقفهم من قضية الحجاب الإسلامي، ففي الوقت الذي لا يتوانون عن اتهام أي مواطنة سعودية ترتدي الحجاب الإسلامي بالفسق والفجور، نجدهم يشيدون بأي سيدة تلبس ذات الحجاب، في البلاد التي تدعم تنظيمهم « الخطر»!!، ولعلكم تابعتم آخر مسرحياتهم الهزلية، والمثيرة للسخرية، حينما شمتوا بحادثة الحريق، في مدينة دبي، وزعموا بأن هذا الحريق هو عقوبة إلهية، بسبب احتفالات المدينة بأعياد رأس السنة، مع أن البلاد التي تدعم تنظيمهم تقام فيها ذات الاحتفالات!!، ولا يراودني شك في أنه لو اشتعل حريق فيها، أي في البلاد التي تدعم تنظيمهم، لقالوا إن هذا الحريق مدبر من أعداء الإسلام، في حربهم المستمرة على الدين!!، نعم، فالأدلجة تلغي العقل تماما، وما أود أن أختم به هو أن توزيع صكوك الوطنية، أو نفيها عن أي مواطن، دون دليل قاطع، أمر غير جيد. هذا، ولكن نزع الشخص المؤدلج لثوب الوطنية تماما، وارتداؤه لطربوش بلد آخر، هو أمر مختلف تماما، ويدخل تحت مظلة «الخيانة الوطنية»، وأنا وأنتم نعرف هؤلاء واحدا واحدا، ويعرفهم من يهمه أمن هذه البلاد، فاطمئنوا.