حديث عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (مَنْ حَلَفَ يَمينٍ صَبْرٍ لِيَقْتَطِعَ بِها مَالَ امْرِىءٍ مُسْلِمٍ، لَقِيَ اللهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبانُ فَأَنْزَلَ اللهُ تَصْديقَ ذَلِكَ (إِنَّ الَّذينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَنًا قَليلاً أُولئِكَ لاَ خَلاقَ لَهُمْ في الآخِرَةِ) إِلى آخر الآية؛ قَالَ فَدَخَلَ الأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ وَقَالَ: ما يُحَدِّثُكُمْ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمنِ قُلْنا: كَذا وَكَذا، قَالَ فيَّ أُنْزِلَتْ: كانَتْ لي بِئْرٌ في أَرْضِ ابْنِ عَمٍّ لي، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: بَيِّنَتُكَ أَوْ يَمينُهُ؛ فَقُلْتُ: إِذًا يَحْلِفَ يا رَسُول اللهِ؛ فَقالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: مَنْ حَلَفَ عَلى يَمينِ صَبْرٍ يَقْتَطِعُ بِها مَالَ امْرِىءٍ مُسْلِمٍ، وَهُوَ فِيها فاجِرٌ لَقِيَ اللهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبانُ).
الشرح:
في هذا الحديث الخطير بيان عظم جرم من أكل مال امرئ مسلم واستباح حقه أيا كان بالباطل. وقد ورد الوعيد أيضا في استحلال المال اليسير كما في حديث أبي أمامة: (فقال له رجل وإن كان شيئا يسيرا يا رسول الله قال وإن قضيبا من أراك). ولا شك أن التعدي على مال المسلم أمر محرم كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِل). والجرم يعظم والإثم يشتد إذا كان المرء يتوصل إلى أخذ حق أخيه بالحلف الكاذبة واليمين الفاجرة فيحلف أنه مستحق لهذا المال وهو كاذب في حلفه وإنما عظم ذلك لأنه استخف بالجبار ولم يوقر الله ويقدره حق قدره ولأن الحاكم يقضي له بهذا المال فيكون له نوع مستمسك وحق في الظاهر. وقد ورد في السنة أن هذه اليمين تسمى اليمين الغموس لأنها تغمس صاحبها في النار. ولأجل ذلك كانت العقوبة المترتبة مغلظة في الآخرة وهي أن يلقى الكاذب غضب الرب عليه فكيف ستكون حاله حينئذ والعياذ بالله من سخطه. وفي الحديث إثبات صفة الغضب لله سبحانه فالغضب صفة فعلية اختيارية متعلقة بالمشيئة وأهل السنة يثبتون لله ما ثبت في الكتاب والسنة من الصفات الذاتية والاختيارية على الوجه اللائق به خلافا للمعطلة. وفيه أن القاضي يحكم بما ظهر له من الحجة ويعمل باليمين على ظاهرها إذا كانت سالمة ولا يبطلها إلا بدليل بين أو مخالفتها لأصل أقوى منها. وفيه دليل على أن حكم الحاكم في الظاهر لا يبيح الحرام في الباطن للكاذب وهذا مذهب الجمهور خلافا لأبي حنيفة. ودلت الآية على ذم كل من باع دينه وأمانته ويمينه بشيء من متاع الدنيا الزائل فيا ويل من فعل ذلك ويا خسارته يوم القيامة. وهذا كحال بعض الباعة في الأسواق خاصة في سوق السيارات والمواشي ممن يمتهنون الكذب والغش والتدليس وترويج سلعهم بالأيمان الكاذبة. وكذلك أهل الخصومات في المحاكم المتساهلين بالشهادة الفاسدة والحلف على فجور. وقد أصبح ذلك ظاهرة في بعض البلاد والله المستعان. فينبغي للمؤمن أن يعظم اليمين خاصة في باب الأموال والحقوق ولو كانت يسيرة ويوقر الله ويكون صادقا ولا يحلف إلا على حق ثابت كالشمس وقد كان كثير من أهل الورع يتوقون الحلف في الخصومة عند الحاكم ولو أفضى ذلك بهم إلى التنازل عن حقهم خشية الوقوع في الوعيد.