تركيا تعمق جراح بوتين وارتباكه بإسقاط الطائرة جمال سلطان اقرأ أيضا: أخطر ما تحمله معركة تهاني الجبالي وسيف اليزل أزمة مصر بعد اعتراف مجلس الأمن بإسقاط الطائرة دروس السيرة الذاتية لكوادر الإرهاب الجديد تساؤلات مشروعة حول الاتفاق النووي مع روسيا هل يلاعبون صلاح دياب أم يلاعبون السيسي ؟! 8 بذكاء سياسي عالي في تفجير الأزمة وفي إدارتها أيضا ، ضربت تركيا ضربتها الرمزية في الصراع على سوريا ، عندما أسقطت الطائرة الحربية الروسية التي اخترقت حدودها ، وأثارت ضجة عالمية وقلقا كبير ، تعامل معه الأتراك ببرود أعصاب كبير ، لدرجة أن يلتقي رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان مع الدكتور أحمد داوود أوغلو رئيس حزب العدالة والتنمية الفائز بالانتخابات ظهر يوم الواقعة لتكليفه بتشكيل الحكومة التركية الجديدة ، بينما العالم كله يتحدث ساعتها بقلق كبير عن إسقاط تركيا للطائرة الروسية . لم يتصرف الأتراك مع الواقعة بتشنج أو عصبية مفتعلة ، ولم يحاولوا حتى استثمار الحدث في كبرياء قومي وعنجهية دارجة في دول "العالم الثالث" ، وإنما تعاملوا معها بوصفها قيام الدولة التركية بحماية حدودها وتأمين شعبها ضد طائرة اخترقت المجال الجوي ، وقدمت تركيا للعالم ما يثبت أن الطائرة الروسية اخترقت المجال الجوي التركي ، وأن الجيش التركي حذر قائدة الطائرة مرارا إلا أنه تجاهل التحذير فتم إسقاطه عن طريق طائرتين إف 16 ، وهو ما صدق عليه حلف شمال الأطلسي وأكدته الولايات المتحدة في بيانات رسمية شكلت تضامنا قويا مع الموقف التركي ، واستدعت الخارجية التركية سفراء الدول الخمس الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن ـ بمن فيهم السفير الروسي ـ وأطلعتهم على حقيقة الحدث ، ثم تحدث أردوغان بثبات مؤكدا على أنه لا يسعى للتصعيد العسكري مع روسيا لكنه بالمقابل ـ حسب قوله ـ لن يسمح باستباحة سيادة تركيا على أرضها وسمائها . الضربة التركية الخطيرة لم يكن يتوقعها فلاديمير بوتين أبدا ، وتصور أن سماء سوريا وحدودها أصبحت ملكا له ولطائراته ، وأنه أصبح صاحب القرار والهيمنة ، وأن الغرب يتقي شره وبلطجته ، حتى أن الولايات المتحدة اضطرت لطلب عقد اجتماع للتنسيق بين طيران البلدين فوق سوريا حتى لا يقع أي لبس أو سوء فهم ، هذا أقصى ما أمكن للإدارة الأمريكية فعله لتفادي النزق الروسي والعنجهية العسكرية لبوتين ، لذلك وصف الرئيس الروسي الضربة التركية بأنها "طعنة في الظهر" ، وهو يقصد أنها ضربة غير متوقعة ، كما أنها كانت "مدروسة" سياسيا ، كما أن إدارة تركيا للأزمة من أول قرار إسقاط الطائرة وما تلاها ، حجم قدرات روسيا على رد الفعل ، وحاصرها ديبلوماسيا وسياسيا ، وأرغى بوتين وأزبد في الكلام والوعيد التافه ، قبل أن ينتهي الأمر إلى عرض أن يتم التنسيق بين روسيا وتركيا والولايات المتحدة في السماء السورية . بوتين تصرف في الملف السوري منذ البداية بنزق ورعونة ، وتصور أنها رحلة أو "طوفة" لأسبوعين أو ثلاثة بطيرانه الحربي الحديث تنتهي بشل قدرات المعارضة وتمكين بشار والميليشيات اللبنانية والإيرانية والعراقية المتحالفة معه من حسم الأمور على الأرض ، غير أنه فوجئ بأنه يستدرج لعملية استنزاف كبيرة وخطيرة ، ورغم التضحيات "المادية" والأخلاقية التي قدمها طوال شهرين تقريبا حتى الآن ، إلا أنه فشل في أن يغير أي شيء جوهريا على الأرض ، فقط عدة قرى دخلتها ميليشيات بشار مقابل عدة قرى أخرى ومدينة كبيرة "مورك" حررها ثوار سوريا وطردوا ميليشات الأسد منها ، كما أن بوتين فوجئ بأن ساحة المواجهة التي عليه أن يواجهها ـ بعد تدخله الدموي في سوريا ـ اتسعت ، باستهداف المصالح الروسية في كل مكان بالعالم وفي الداخل الروسي بما يعني أن شعبه أصبح مطالب بدفع ضريبة هائلة من أمنه وأمانه ومصالحه بسبب حسابات خاطئة من القيادة السياسية ، وهذا يخسر بوتين كثيرا على الصعيد الداخلي ، كما أتت الضربة التركية لتضعه في ارتباك كبير ، فبدا كالمشلول عن رد الصفعة ، لأن تركيا ليست بلدا صغيرا أو هامشيا ، كما أنها عضو في حلف الأطلسي ، كما أن السنوات العشرين الماضية شهدت تعقيدا كبيرا في تشابك المصالح الروسية والتركية في المجال الاقتصادي والتقني والنووي ومجال الطاقة ، وأصبحت أي هزة عنيفة تربك هذه المصالح ستسبب خطورة هائلة على الاقتصاد الروسي وتزيد من حرج بوتين في مواجهة شعبه الذي سيتساءل في النهاية عن معنى دفع المواطن الروسي كل هذا الثمن وكل تلك المعاناة من أجل مغامرة عسكرية لحماية نظام بشار الأسد الدموي والديكتاتوري في سوريا . كان أسوأ ما في مشهد الضربة التركية وإسقاط الطائرة المعتدية ، موقف كثير من العواصم "العربية" ـ مع الأسف ـ الذي بدا أكثر غضبا واحتجاجا على إسقاط الطائرة من الروس أنفسهم ، وبعض العواصم العربية صدرت منها تهديدات لتركيا إعلامية بما أسمته "التأديب" على يد الجيش الروسي ، وكلام مزري وشديد الانحطاط من هذه النوعية ، ويسقط الأقنعة عن عدد من النظم العربية التي تتآمر على ثورة الشعب السوري سرا وتبيع دماء أبنائه ومحنة ملايين المشردين ، بينما تحاول أن تبدو علانية في صورة الطرف الحريص أو الداعم لطموحات الشعب السوري في الحرية والكرامة والعدل . (تم حذف الإيميل لأن عرضه مخالف لشروط المنتدى) : @GamalSultan1