بسبب الحرميْن الشريفيْن والديار الإسلامية المقدسة تعتبر السعودية دولة ليست عادية.
فهي وطن النبي ومهبط الوحي، وهذا بطبيعة الحال قد انعكس على تقاليدها وثقافتها، مما جعلها هدفا مفضلا للإرهابيين والشعوبيين على مر السنين.
تتهمها إيراسميا بدعم داعش والإرهاب، بينما يتهمها بعض السنة بتمكين إيران من رقاب المسلمين.
والأدهى من ذلك أن اشتعال صراع مع الإخوان المسلمين مثير للاستغراب وذلك لمعرفة الجميع بانتهازية الإخوان.
كيف للسعودية أن تواجه العلمانيين والإخوان المسلمين والدواعش والصفويين الذين لا يكفون عن اتخاذها عدوا.
كل هذه المشاكل ربما سببها أن السعودية لا تريد مشاكل، وتجنح دائماً للسلام.
كان من المفترض أن تقود السعودية من الخلف وأميركا في الواجهة.
هكذا جرت العادة لعقود طويلة من التحالف التقليدي بين القوى الإقليمية والعظمى في الشرق الأوسط.
إلا أننا نلاحظ بعد الاتفاق النووي مع إيران، أن أميركا أصبحت “تقود من الخلف” تاركة السعودية في
الواجهة تعالج عصابات الحوثي في اليمن بحرب برية وجوية على حدودها الجنوبية.
المملكة جزء من التحالف على داعش، وتتعرض لهجمات إرهابية من حين لآخر
ضد قواتها المسلحة وحسينيات الشيعة بالمنطقة الشرقية
إضافة إلى تحديات كبرى مثل المنافسة مع إيران على زعامة العالم الإسلامي والدفاع عن القدس والأقصى.
والمحنة السورية التي تستنزف الكثير من اهتمام السعوديين، إلى درجة أنه يمكن القول
بوجود حرب إعلامية سعودية إيرانية حول سوريا.
وزير الخارجية السعودي عادل الجبير يؤكد أن التواجد الإيراني في سوريا هو “احتلال”
وعلى إيران الانسحاب، ويكرر في كل المحافل بضرورة رحيل الرئيس بشار الأسد من السلطة.
وقد ردت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الإيرانية مرضية أفخم بالقول إن “وزير الخارجية السعودي الذي انتهجت بلاده توجهات عسكرية متطرفة
وتستهدف لأكثر من سبعة أشهر بلدها الجار اليمن عبر الغارات وعمليات القصف المستمرة
ليس مؤهلا للتحدث حول دور إيران الإقليمي”.
ثم أن حدود المملكة الشمالية مع العراق لم تعد آمنة، فهي إما حدود مع الحرس الثوري الإيراني
والميليشيات أو مع الدواعش
والحملات الإعلامية ضد المملكة في تصاعد بتحريض من أعدائها الذين يتكاثرون، خصوصا بعد وضع الإخوان على قائمة الإرهاب.
هذه الأيام تكابد السعودية هجمات مسمومة من جميع الجهات
فقد تجرأ رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي عليها قائلا في مناسبتين إنه يدعو إلى وضع المملكة تحت الوصاية الدولية
لعجزها عن احتواء المتطرفين، وفي مناسبة أخرى وصفها بأنها قد أصبحت مثل نظام صدام حسين محاطة بالمشاكل من جميع الجهات.
تتعرض السعودية أيضاً لهجمة منظمة في الإعلام البريطاني على خلفية قضايا متعلقة بحقوق الإنسان وقانون العقوبات الشرعي ومسائل أخرى
والأدهى أن هناك ترويجا للإشاعات والتلميح باحتمالية دخول العائلة الحاكمة في صراع داخلي.
وقد رد السفير السعودي في بريطانيا بمقالة في الديلي تلغراف يلـمح بأن هذا السلوك يهدد بوقف التعاون الاقتصادي والإستخباري مع بريطانيا
وذكر بأن بلاده توفر وظائف لـ50 ألف عائلة بريطانية في البلدين بفضل عقود تجارية بمليارات الجنيهات.
لم يتردد حسن نصرالله، في استغلال مناسبة عاشوراء لرفع شعار “الموت لآل سعود”
وفي نفس الوقت لا يتردد الدواعش بمهاجمة المملكة إعلاميا في كل مناسبة
فالخليفة البغدادي يهدد بأنه سيقتحم المملكة ويفتح السجون ويطلق سراح طلاب العلوم الدينية
كما يسمي عاصفة الحزم بـ”عاصفة الوهم”
وأنها رفسة محتضر في نظره.
الكاتب محمد حسنين هيكل قال في جريدة السفير اللبنانية بتاريخ 21 يوليو 2015
“إن دول الخليج وخاصة السعودية تتصرف بطريقة متخلفة.
وإذا عدنا إلى أساس الموضوع فالسعودية في أزمة لا أعرف كيف ستكون نهايتها أو كيف ستتطور وكيف ستؤثر على نظام الحكم فيها”.
ولم يقف هجوم الكاتب المصري عند هذه الحدود بل عاد قبل يومين على فضائية “سي بي سي”
وقال “أعتقد أن منطقة الخليج كلها في هذه اللحظة تتعرض لعاصفة داخلية، ونحن بعيدون عنها
وسوف تؤثر علينا” وأضاف “السعودية
على سبيل المثال، فيها مشكلات
وفيها قضايا نحن بعيدون عنها..
نتابع إلى أي مدى؟ لا أعرف.. نتدخل فيها إلى أي مدى؟ لا أعرف”.
هيكل بلغ من العمر أرذله، كنا نستمع إليه مع صغارا
ثم اكتشفنا لما كبرنا أن معلوماته كانت تصله
من أجهزة الأمن، وعندما ترك جريدة الأهرام
لم تعد لديه سوى تحليلات لا معنى لها
وعلاقات مشبوهة بعد ذلك مع الخمينيين.
بوقته خسرت مصر كل حروبها في فلسطين وسيناء وبورسعيد واليمن والكونغو رغم تهويلاته الدعائية. منذ 50 سنة ونحن نسمع، من المأجورين، بأن الأسرة السعودية تعاني انقساما وستنهار
وفي النهاية كلهم سقطوا
وبقي حكماء الجزيرة آل سعود.
أثار انتباهي أن السعودية غير محظوظة حتى مع بعض الذين تمد لهم يد العون كالفريق العراقي المتقاعد وفيق السامرائي
الذي كان يروج لأفكار موالية لإيران في صحف وفضائيات سعودية، وفي النهاية صرح هذا الرجل على خلفية الحوادث المفجعة للحجاج
في منى هذا العام، وقال بأن الشيعة
ينظمون على مدار السنة زيارات مليونية للأضرحة المقدسة في العراق وإيران، ولم يتعرض الزوار لحادث واحد
رغم الزحام.
في إشارة إلى أن الإيرانيين أقدر من السعوديين على تنظيم المناسبات المقدسة. كنت أفكر بهذا وأنا أقرأ مقالة حزينة للكاتب السعودي عبدالعزيز محمد قاسم
“دول الخليج والأماني المكبوتة لهيكل”
فهو مذهول من نكران الجميل الذي نراه من بعض الإعلاميين المصريين ضد السعودية
ومنهم رئيس مجلس إدارة الأهرام الذي خالف قواعد الضيافة
وهاجم السعودية أمام سفيرها بالقاهرة أحمد القطان”.
جوهر التناقض رفض السعودية لانتهاج سياسة مذهبية طائفية مشابهة لسياسة إيران.
فطالما الشيعة يسكنون المنطقة الشرقية السعودية خصوصا “الأحساء”، المنطقة الأغنى بالثروات الطبيعية في العالم
فإن التعايش مع الشيعة مصيري بالنسبة للسعودية.
تتصادم المملكة مع السنة في العراق وسوريا لأنها لا تمتلك حلولا جاهزة لمعاناتهم تحت الاضطهاد الإيراني
والسعودية ضد مطالب التقسيم والأقاليم. لن توافق السعودية على أقاليم طائفية، ولن تتساهل مع داعش الإرهابية
ولن ترضى بدولة عراقية تابعة لإيران تمارس الإبادة الجماعية بحق سنة العراق أو تسمح بإعادة تأهيل بشار الأسد بعد كل جرائمه بحق الشعب السوري.
فما هو الحل إذن؟
هذا ما لا يعرفه أحد، وإيران تلعب على هذه التناقضات بكل ما عندها من أوراق
لإ المملكة وتحشيد العداء ضدها.
يبدو أن السعودية قد أصبحت محاطة بالأعداء.
ما هو السبب؟
ربما التردد وحسن الظن هو السبب.
ليس في مصلحة العرب والمسلمين أن تضعف السعودية
وهي ليست ضعيفة على الإطلاق
مازال اقتصادها بخير وتسليحها ممتاز وعلاقاتها الدولية راسخة وتقودها عقول راجحة.
وهي الدولة الأكثر استقرارا في المنطقة
تحكمها تقاليد سياسية منذ مطلع القرن العشرين.
السعودية ما زالت تحتفظ بأصدقاء أقوى وأكثر من أعدائها
ولديها أقوى حليف عربي وهو دولة الإمارات العربية المتحدة التي ضربت مثلا بعيدا بالوفاء والأخوة
فمازال جنودها يقاتلون كتفا لكتف مع الجنود السعوديين في اليمن
كما صرح وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش “
ولأن السعودية تعني كل العرب
لابد من إستراتيجية مضادة”.
السعودية أبعد ما تكون عن الضعف، إلا أنها يجب أن تساعد أصدقاءها على فهمها
وتخفف من الغموض السياسي.