في مكة المكرّمة تقيم أسرةٌ شهيرة عُرفت بأنها تحمل شرفاً عظيما أختصّها الله - عزّ وجلّ - به منذ أكثر من 1400 عام إلى أن تقوم الساعة، وتوعّد كل مَن حاول حرمانهم منه بأن يكون من الظالمين.
تلك هي أسرة آل الشيبي الذين قال الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - لجدهم عثمان بن طلحة: "خذوها يا بني طلحة بأمانة الله – سبحانه - واعملوا فيها بالمعروف خالدة تالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم".
يتجاوز عدد أفراد أسرة الشيبي 350 فرداً؛ أغلبهم يعيش في مكة وقليل في المدينة، وجميع حملة مفاتيح الكعبة الموجودين في هذا العصر من آل الشيبي، هم من أبناء محمد بن زين العابدين، وينقسمون إلى أبناء الشيخ عبد القادر بن علي وهم عائلة عبد الله، وحسن آل الشيبي، وأبناء عبد الرحمن بن عبد الله الشيبي، وهم على مدى التاريخ يحظون باحترام وتقدير ورعاية حكام المسلمين، بخاصة حكومة خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله.
لقد انطلقت البداية بقصةٍ تاريخيةٍ مشوقةٍ عندما تولى قصي بن كلاب وهو الجد الخامس للرسول - عليه الصلاة والسلام - أمر مكة وكان ابنه الأكبر عبد الدار فقيراً وكان والده يعطف عليه كثيرا، فاختصه بأمور شرف كثيرة كالسدانة وغيرها، وتوارثوها حتى وصلت أبي طلحة عبد الله بن عبد العزى. وعندما تم فتح مكة، فتح الرسول - صلى الله عليه وسلم - الكعبة ودخلها وأخذ مفتاح الكعبة من عثمان بن طلحة، لكن الله - عزّ وجلّ - أنزل الآية الكريمة: «إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها»، فدعا النبي - صلى الله عليه وسلم - عثمان بن طلحة فدفع إليه المفتاح، هو وابن عمه شيبة بن عثمان بن أبي طلحة، وقال لهم تلك العبارة الخالدة التي صارت ملزمة لكل من شرّفه الله بحكم هذا البلد الأمين.
والسدنة كمهنة لها مصطلحات أخرى مرادفة يستعملها بعض الناس مثل الحجابة، والخِزَانَةُ. وهي في اصطلاح الإسلام: ولاية مخصوصة، لقومٍ مخصوصين، لشيءٍ مخصوص. فالمقصود بالولاية: خدمة الكعبة، وكِسْوتها، وتولي أمرها، وفتح بابها وإغلاقه، وهي من مأثر قريش التي أبقاها الإسلام ولم يبطلها.
وسدنة الكعبة المشرفة هم من أعلم الناس بمهامهم وتاريخ كل ما يتعلق بما يقومون به حتى في أدق التفاصيل. وتعطى السدانة للأكبر سناً، وليست هناك مدة محددة لبقاء السادن في السدانة، فهو سادن حتى وفاته، مع الأخذ في الاعتبار أن له الحق في توكيل مَن ينوب عنه عند العجز أو المرض أو غير ذلك عندما يقتضي الأمر التوكيل.
ومن أجلّ وأشرف أعمال السدنة الترتيب لغسل الكعبة المشرّفة التي يقوم بها أمير المنطقة عادةً نيابةً عن خادم الحرمين الشريفين مرتين غالباً في بداية العام وفي الأول شعبان من كل عام.
يقول عبد القادر الشيبي كبير سدنة الكعبة المشرّفة، إن الإعداد لغسل الكعبة يتم قبل شهر على الأقل من الموعد المحدّد لهذا الإجراء المتعارف عليه، فيما تتم كسوة قبلة المسلمين بثوب جديد في التاسع من ذي الحجة سنوياً.
وعن بعض التفاصيل: "الكسوة الداخلية للكعبة تأخذ حالياً اللون الأخضر، وتسمى «الكسوة الخضراء»، بعد أن كان لونها أحمر حتى بداية عهد الملك فيصل بن عبد العزيز، يرحمه الله، الذي تغيّر في عهده لون الكسوة الداخلية إلى اللون الأخضر حتى الآن".
وعن كيفية الغسيل: فبعد فتح السدنة لباب الكعبة المشرّفة يتم إدخال ماء زمزم الطاهر وخلطه بدهن الورد والعود ثم غسل أرضية الكعبة المشرّفة والمغطاة بالرخام وكذلك جدرانها الأربعة من الداخل على ارتفاع نحو مترين، ثم يتم إخراج الماء للخارج وتنشيفها ثم تطييبها من الداخل حيث تنتهي بذلك مراسم الغسيل والتي تتم مرتين في العام.
وتأتي مهمة تفقد بناء الكعبة من أولويات السدنة. يقول عبد القادر الشيبي : "تتم صيانة الكعبة بشكلٍ دوري تحت إشراف رئاسة الحرمين الشريفين، من أي عوامل خارجية تؤثر في البناء، وتم عمل أكبر صيانة للكعبة في العصر الحديث في عهد الملك فهد بن عبد العزيز، يرحمه الله، بعدما لُوحظ وجود تصدّعات بداخلها بسبب السيول والأمطار الشديدة، وقد كان ذلك عام 1417هـ". وبالتأكيد فالسدنة يمتلكون معرفة أدق أسرار الكعبة المشرّفة.
يقول الشيبي عن ذلك: "الكعبة من الداخل هي عبارة عن أرض على شكل مربع من الرخام والجدار أيضاً رخام، والنصف الأعلى من الجدار مُغطى بثوب حرير أخضر.. والجو بالداخل حار لأنه لا توجد طاقة ولا شباك. تحتوي على ثلاثة أعمدة حمراء بوسطها، ومعلق بها بعض الهدايا المقدمة من الخلفاء والسلاطين سابقاً، كما يوجد «باب التوبة» وهو باب موجود إلى يمين الداخل للكعبة، ويتم من خلاله الصعود للسطح، وهو مصنوع من الذهب كذلك.
ثم بعد ذلك الكسوة الخضراء التي تغطي باقي الجدران والسقف كذلك.
ويعلق على جدرانها الداخلية ما يقارب 15 فانوساً قديماً، وبداخل الكعبة يشعر الإنسان براحة كبيرة.. ومعظم الذين يدخلونها يسجدون ويبكون فوراً من شدة الخشوع ونخرجهم منها بصعوبة شديدة وبداخلها ثلاثة أعمدة ولها ميزان علوي له سلم".
وعن كيفية الاحتفاظ بالمفتاح يذكر عبدالعزيز الشيبي: "أحتفظ بالمفتاح في كيس خاص تتم صناعته يدوياً في مصنع كسوة الكعبة المشرّفة وهو في مكانٍ آمن ولم يسبق أن فقدناه.. إلا أن كتب التاريخ تشير إلى أن أحد الأشخاص حاول سرقته في أحد العصور الإسلامية ولكن تم العثور عليه".
وحول المواقف يؤكد أنهم يواجهون الكثير من الاات، نظراً لكثرة الزوّار والراغبين في دخول الكعبة. والطريقة المعتادة هي أن تقوم إمارة مكة المكرّمة بالترتيب مع كبير السدنة لعمل تصاريح للدخول في كل مناسبة غسل للكعبة بعدما يتم إرسال الكشوف، وفيما لا توجد شروط محدّدة للدخول، لكن أحياناً تكون الأولوية لكبار ضيوف الدولة، وكبار الشخصيات.
وأما الكسوة فقد جرت العادة أن يتم تسليم السدنة الكسوة الخارجية للكعبة الشريفة من خلال احتفال يقام بمقر مصنع الكسوة بمنطقة أم الجود في مكة المكرّمة، تمهيداً لتركيبها على الكعبة المشرّفة في التاسع من ذي الحجة من كل عام . ويتم التوقيع على إجراءات التسلُّم والتسليم من قِبل الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، وكبير سدنة بيت الله الحرام.
وفي الوقت الذي يغبط فيه أفراد هذه الأسرة على هذا الشرف العظيم، فإنهم لا يعتقدون أن مهامهم في خدمة البيت الحرام تقف عند ذلك كله، بل هو ما يجب أن يتوافق مع كون هذه العائلة تحمل شرفاً لا يعلوه شرفٌ فقد اختصّها الله بحمل مفتاح الكعبة المشرّفة إلى يوم القيامة".