محور
مراقبة الله من محاور التربية الإيمانية التي كانوا يبذلون فيها النفس والنفيس حتى يتعلمه ويعيشه المؤمن، فلا يحتاج كل واحد واحداً بجانبه يراقبه، لأنَّ مولاه معه حيث ذهب وولى، والمراقبة من أسس التربية الإيمانية التي تحل
مشاكل المجتمعات بكلمة واحدة، وعندها لا تحتاج الأمة لكل هذه الجيوش من الشرطة والرقابة والتموين في كل مكان ووراء كل ناصية أو جدار.
سهل التُّسْتَري الصُّوفي، لم يكن له في وقته نظيرٌ في المعاملات والوَرَع، وكانَ سببَ سُلوكه هذه الطريقَ خَالُهُ محمد بن سوار، فقد قال: قال لي خالي يوماً
{قيل وكان عمره عندها ثلاث سنوات}:
{ألا تذكر اللَّهَ الذي خلقك؟ فقلت له: كيف أذكره؟ فقال: قل بقلبك عند تَقَلُّبِك في ثيابك ثلاثَ مرات مِنْ غير أَنْ تحرّكَ به لسانَك: (اللَّهُ معي، اللَّهُ ناظرٌ إليّ، اللَّهُ شَاهِدي) فقلتُ ذلك لياليَ ثم أعلمتُه فقال: قُلْها كلَّ ليلةٍ سبعَ مرّات، فقلت ذلك ثم أعلمته، فقال: قلها في كلِّ ليلةٍ إحدى عشرة مرة، فقلت ذلك، فوقعَ في قلبي حلاوةٌ، فلما كان بعد سنةٍ قال لي خالي: احفظْ ما علَّمْتُك ودُمْ عليه إلى أن تدخلَ القبرَ فإنه ينفعُك في الدّنيا والآخرة؛ فلم أزلْ على ذلك سنينَ، فوجدتُ لها حَلاوةً في سِرِّي؛ ثم قال خالي يوماً: يا سهلُ مَنْ كانَ اللَّهُ معه وهو ناظرٌ إليه وشاهدُه يَعْصيه؟! إياك والمعصيةَ} فكانَ ذلك أولَ أمره{1}
الله غنىّ غنىً كاملاً، وما قدره من خير لعبد أو للعبيد لاينتظر من هذا العبد شيئاً يفعله للحميد المجيد ولايريد منا شيئاً، مع أنه يعطينا المأكل والمشرب ويحيينا ويهدينا، ولا يوجد أحدٌ منا إلا ووقع في شدّة، إن كان في مرض أو في حاجة إلى مال أو في مشكلة، ولا يوجد واحد منا وقع في شدّة وقال يارب وتخلىّ عنه أبداً، من منا حدث له ذلك ؟ لو كل واحد منا كتب ماحصل له من حضرة
الله يكتب مجلدات لأنه قال هذا:
{وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً{2} وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} الطلاق
هو يريد شيئاً واحداً منا فقط وهو أن نتقي الله، ونراقب الله، ونخاف من الله، ونخشى من غضب الله، ونعمل حساب لليوم الذى نلقى فيه الله، وكل واحد منا يحسب حساباته ويجهّز صُحفه .. أنا راجع .. فماذا أحمل معي عند رجوعي إلى الله؟ كم مخالفة علىّ؟ وكم محضر مسجّل علىّ وسأحاسب عليهم هناك؟ وكم لي من الرصيد هناك؟ وذلك لكى أرضي خصومي وأعطيهم من هذا الرصيد؟ يكفى واحداً فقط أو إثنين وينفد هذا الرصيد، ويقولون لى : إحمل عنا مما عندك
المؤمن دائماً يحاسب نفسه على هذا الحساب، فأنا لا أعلم متى خروجي من هنا، فلو أعرف الميعاد، فلا مانع .. آتى قبلها بسنة وأترك كل السوء والمعاصي وأبدأ في الطاعات، فمن منا يعرف بميعاد موته؟
{وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} لقمان34
ليس معي شيئاً .. فلا بد وأن أكون جاهزاً دائماً على الفور للقاء الله
انظر إلى أصحاب رسول
الله صلى
الله عليه وسلم، فكلنا نحزن عندما يأتي الموت، لكنهم كانوا يفرحون
{فقد روي عن حذيفة أنه كان يتمنى الموت، فلما احتضر قال: حبيب جاء على فاقة، وعن عليّ أنه كان يطوف بين الصفين بغلالة، فقال له ابنه الحسن: ما هذا بزي المحاربين، فقال: يا بنيّ لا يبالي أبوك، أعلى الموت سقط، أم عليه سقط الموت، وكان كل واحد من العشرة المبشَّرين بالجنَّة يحبُّ الموت ويحنُّ إليه، وعن عمار، لما كان بصفين قال: الآن نلقى الأحبة، محمداً وصحبه، ولَمَّا احْتُضِرَ بِلالٌ قَالَ: غَدًا نَلْقَى الأَحِبَّةَ مُحَمَّدًا وَحِزْبَهُ، قَالَ: تَقُولُ امْرَأَتُهُ: وَاوَيْلاهْ، وهو يقول: وَافَرَحَاهْ}{2}
أين أنا ذاهب ؟ أنا ذاهب لرسول
الله صلى
الله عليه وسلم وصحبه الكرام
إذا كان من يذهب من هنا بجسمه في الدنيا ليزور حضرة النبي صلى
الله عليه وسلم ويطوف بالبيت نقيم له حفلاً وفرحاً ونهنئه، حتى من يفوز في قرعة الحج كلنا نبارك له، لماذا ؟ لأنه ذاهب ليزور النبي صلى
الله عليه وسلم ويطوف بالبيت، فكيف بمن هو ذاهبٌ إلى
الله بذاته وليس لبيت الله، وذاهبٌ أيضاً لرسول
الله صلى
الله عليه وسلم وللصحابة الكرام والأنبياء والمرسلين والصالحين، وهم ينتظرونه ليهنئوه بسلامة الوصول.
فالمؤمن ماذا يكون حاله؟ دائماً المؤمن يكون جاهزاً للقاء الله، والله يحبُّنا حبَّاً لا يستطيع أحدٌ أن يصفه، فهو يحبُّ المؤمنين:
{إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} البقرة222
يحبُّ الجماعة الذين يتطهَّرون، كلُّ فترة ذاهبون، آيبون، يتطهَّرون لكى يتوب عليهم الله، ونحن لماذا نصلِّي؟ قال صلى
الله عليه وسلم:
{أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهْرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ مَا تَقُولُونَ؟ هَلْ يُبْقي مِنْ دَرَنِهِ شيئاً؟ قَالُوا: لَا يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ. قَالَ: ذلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ يَمْحُو اللَّهُ بِهِن الخَطَايَا}{3}
فكلما أذنب الواحد منا، وارتكب بعضاً من الذنوب، ثم يخرجه
الله من هنا مغفوراً له .. فيعود ثانيةً فيفعل الذنوب، فيخرجه
الله من هنا مغفوراً له، فالله يحبُّ هؤلاء القوم التوَّابين والمتطهِّرين، فالتوبة التوبة، وقد كان الحَبيب صلى
الله عليه وسلم القريب من مولاه يتوب إلى
الله في اليوم والليلة أكثر من سبعين مرة، وهو من غفر
الله له ماتقدَّم من ذنبه وما تأخر، فما بالنا بنا نحن، كم يجب علينا من التوبة في اليوم والليلة؟