الطائف - - محمد السويهري :
خمسة أبناء وزوجة في رقبتي، يعلم الله وحده كيف أدبِّر لهم قوتَ يومِهم، وما يسدّ بطونهم الخاوية، ولم أكن أتوقع يومًا أن أكون في هذا الموقف، وتلك الحالة المعيشية والصحية السيئة، بعد أن خدمت 20 عامًا و6 أشهر بالقوات البرية (اللواء الحادي عشر بخميس مشيط). هكذا بدأ عبد الله عامر السويعدي، حديثه لـ””، قبل أن يروي لنا تفاصيل إصابته ومأساته وأصل الحكاية.
قال السويعدي، والحزن يكسو وجهه الشاحب: “أعيش في حيّ نخب بالطائف، وبينما كنت أؤدي واجبي فى حراسة حدود بلادي وأرض الوطن، شاء القدر أن أُصَاب أثناء المرابطة لمراقبة تحركات الحوثيين عام 1433هـ، بضربة (سحبة) كهرباء، دخلتُ بعدها في حالة اكتئاب نفسي حادٍّ، وفور أن تقاعدتُ من العمل بعد عامين فقط من الإصابة (1435هـ)، تدهورت حالتي النفسيَّة، وتعقَّدَتْ حياتي الاجتماعية، وأغلَقَتِ الدنيا في وجهي كل أبوابِهَا، وتركَتْ لي بابًا واحدًا مواربًا، يدلف منه بعض المحسنين وأهل الخير، من حينٍ لآخر، فيخفِّفُون عنى آلامي، ويمدُّون يد العون التي تساعدني على مواجهة الحياة.
يصمت أبو الأبناء الخمسة، ويحاول منع دموعِه من السقوط، ثم يستأنف قائلا: “مع صعوبة المعيشة، أصبحتُ عاجزًا عن تلبية طلبات واحتياجات أسرتي، وكانت الاستدانة هي البديل المؤلم، الذي دفعني لشراء سيارة أعمل عليها، وأُدبِّر من إيرادها ريالاتٍ بسيطةً تغنيني عن السؤال، ولكن تعرضْتُ إلى حادث، فتوقَّفَتِ السيارةُ، ولم يتوفَّرْ لي ما يمكِّنُني من إصلاحها، وجلستُ أضرب أخماسًا في أسداس، حائرًا: ماذا أفعل وكيف أتصرف، وأنا بدون عمل أو مورِد رزق آخر؟! حتى تراكمَتْ فوق رأسي الديونُ، وخنقتني الهمومُ والضغوط، وأصبحتُ مهدَّدًا بالسجن في أي وقت، لعجزي التام عن سداد ما اقترضته من الناس، وصِرْتُ في موقف صعب، لا أُحسد عليه”.
أقاطعه: وأين راتِبُك التقاعديُّ؟
ينظر الرجل يمنة ويسرة، وكأنه غير مصدِّقٍ ما يقوله لي، ثم يبتسم ساخرًا ويقول بصوت متقطع مختنِق: “تخيَّلْ، حتى الآن لم يتمَّ صرفُ ريالٍ واحدٍ من حقوق التقاعد؟! ولا أدري السبب؟ ومَن المسؤول؟!”.
ويضيف: “فإن عَرَفْتَ طريقًا هذه الحقوقِ فَكَثَّر اللَّه خيرك، رحمةً بي وزوجتي الصابرة وبأبنائي البائسين”.
وأين تعيش حاليًا؟
“في الشارعِ.. ألتحفُ الرصيفَ، فبعد أن عجزْتُ عن دفع الإيجار طردني صاحب البيت من المسكن، فهو ليس جمعيَّةً خيريَّة، وغير مسؤولٍ عن حالتي، ولا تعنيه مأساتي”.
وماذا تريد الآن؟
كل ما أرجوه وأتمناه أن يصل صوتي إلى سموِّ وزير الدفاع والطيران الأمير محمد بن سلمان، ليشملني برعايته، وإنسانيَّتِه، ويسدِّد عني (جزاه الله خيرًا) ديوني، وينتشلني من تلك الحالة، وأن يوجِّه سموُّه بسرعةِ صرفِ مستحقاتِ التقاعد، ويفتح لي نافذةَ أملٍ لعلاجي، فقد خدمتُ وطني أكثرَ من عشرين عامًا، وليس كثيرًا على مملكة الخير والإنسانية، أن يقف حُكَّامُها مع من يتعرضون مثلي لهذه الظروف الاجتماعية الصعبة، أو يُصابون وهم يذودون ويدافعون عن عرض وشرف بلادي”.
ويعلو صوتُه متفائلا: “إنها صرخة أُطلِقُها، ولعلَّ وعسى أن أَجِدَ بها من ينتشلني ويخفف آلامي ويزيل كل هذا الوجع الذي يسكن دمي، ويحرجني، بل ويجعلني لا أستطيع أن أنظر في وجه أمِّ أبنائي، عندما تستحي أن تطلب مني غداءً أو عشاءً، وهى تعلم بعد الله بحالي الذي لا يخفى على أحد”.