في البداية قصة قصيرة:
ذهب أحدهم ليسبح في البحر وقبل أن ينزل إلى الماء سأله المنقذ اذا كان يعرف السباحة جيدا، فأجابه أنه ليس محترفا ولكنه علم نفسه بنفسه. نصحه أن يأخذ معه طوق النجاة لأن العاصفة اذا هبت فلن يتمكن من العودة بسهولة. استفسر الشخص من المنقذ عن عدد العواصف التي هبت مؤخرا فأجابه أنها نادرا ما تحدث ولكنها اذا حصلت تكون قوية. ركب الرجل رأسه و نزل البحر. هبت العاصفة. لم يتمكن بالطبع من المحافظة على توازنه. شتم البحر والمياه ولعن المنقذ لأنه لم يخبره أن العاصفة ستهب هذا اليوم…وغرق.
يمكننا أن نغير الشخصيات في القصة السابقة لنحصل على وصف دقيق لأسواق الأسهم وقت التصحيح والانهيارات. فبنفس الأسلوب يرمي الشخص بأمواله عشوائيا ويتجاهل كل التحذيرات وعندما تنخفض الأسعار يسب السوق ويشتم المحللين ويبدع في اختلاق نظريات المؤامرة.
تخطيت مرحلة الشعور بالشفقة لمن يخسر بذلك الأسلوب، وأصبح سماعي لتلك القصص لا يهز شعرة فيني، حتى قبل أن أفقد شعر رأسي. أقول ذلك ولا أعني أنني أشمت بالخاسرين لا سمح الله، فلا مصلحة لي بذلك، لكنني اقتنعت أنني لا يمكن أن أشعر بالأسف لشخص لا يشعر هو بالمسؤولية تجاه نفسه وأمواله. سميت هذه النوعية في السابق “الموغلين في الجهل والمصرّين على الخسارة”. فمهما بحثت لن أجد سببا مقنعا يجعلهم يخسرون ويكررون نفس الأخطاء كل مرة رغم سهولة تجنبها.
كلما هبطت أسواق الأسهم انتشر الهلع وأصبح الهواة من مرتادي السوق يفتشون عن قشة أمل يتعلقون بها. قرأت تغريدة لأحد الأشخاص يقول فيها لحساب من مدعي الفهم والتحليل :” أرجوك طمني…هل هذه نهاية الهبوط؟” بغض النظر عن الرد، الفكرة
أن الشخص يبحث أن أي شيء خلال مرحلة كهذه حتى لو كانت كلمة واحدة.
تلك الكلمة، التي يعتقد المضارب الهاوي أنها طوَّق النجاة، بالتأكيد لن تنقذه من الغرق. طوق النجاة كان موجودا على الشاطيء
والهواة دخلوا إلى الأسواق بدونه. وهم لم يتعلموا الاستثمار ولا يعرفون إدارة المخاطر لذلك عند أول هبة ريح يغرقون.
كل سوق في العالم يتعرض لهزات وانهيارات، كما أن كل الأسواق فيها المحترفين وفيها الهواة بل وفيها السذج من النوع الذي على استعداد لأن يشتري سهما لأن معرّفا وهميا قال بأن السهم “دسم وفيه تدبيلة”. هل يستحق من يخسر بتلك الطريقة العطف والشفقة؟
في المقابل هناك من المستثمرين من لا يرف له جفن مهما حصل في الأسواق. كنت في حديث قبل يومين مع أحد المستثمرين الكبار بعد الاغلاق اليومي ولم يكن متابعا للهبوط القوي، وعندما أخبرته ندب حظه فاستغربت لأَنِّي أعرفه مستثمرا محترفا. فسّر لي بعد ذلك أنه كان ينوي شراء المزيد من الأسهم لو كان حاضرا. تحدث بمنتهى الهدوء، رغم أن محفظته تعرضت ذلك اليوم لخسارة دسمة بأسعار السوق.
يمكن لأي منا أن يتابع حسابات لمستثمرين كبار ومدراء صناديق على ومراقبة ردود أفعالهم عند الهبوط. كل منهم يدير محفظة كبيرة وعند الهبوط تتعرض لخسارة دفترية كبيرة، لكننا سنجدهم يغردون بكل هدوء وبلا أي انفعال. لماذا؟ لأنهم
استخدموا طوق النجاة.
طوق النجاة الذي أتحدث عنه هو القيام بعملية حساب الربح والخسارة قبل المجازفة. وذلك يتضمن تحديد الأهداف والفترة الزمنية والعائد المتوقع. عمل ذلك مع الأخذ في الاعتبار أن الأسواق معرضة للانهيار في اي وقت، لن يجعلك متفاجئا من خضات السوق أو على الأقل لن يشعرك أنك ستتعرض للإفلاس بسبب السوق.
إن التداول في سوق الأسهم بعقلية انه يمكن الحصول على توصيات لا تخيب دائما، هو مثل قيادة السيارة بدون فرامل على اعتبار أنه لا توجد سيارات أخرى في الشارع.