باتت روسيا الاتحادية تشعر بالتهديد الكبير الذي تشكله ثورة استخراج النفط الصخري في الولايات المتحدة الأميركية التي ستجعل من الأخيرة بحلول عام 2030 دولة مصدرة للنفط بلا منازع، وذلك بحسب تحليل متشائم نشرته صحيفة التليجراف البريطانية، يناقض تقارير أخرى عن جدوى استخراج هذا النوع من النفط، وأبرزت فيه المخاوف الرئيسة من بزوغ نجم النفط الأميركي.
تلك المخاوف الروسية دفعت بالرئيس فلاديمير بوتين للاستعانة بالخليجيين من أجل ممارسة الضغط على منظمة أوبك، وسرعة رفع أسعار النفط إلى 75 دولارا، وذلك خلال لقاء جمعه بمسؤول خليجي رفيع في موسكو مؤخرا.
وتبرز ثلاثة أضرار رئيسة من خلف دخول النفط الصخري الأميركي على خط المواجهة، إذ سيتسبب ذلك في انخفاض أسعار النفط الخام، وفقدان بلدان مصدرة للنفط أهميتها في السوق العالمية، فضلا عن تضرر المصالح الروسية.
في تقرير متشائم نشرته صحيفة التليجراف البريطانية في الخامس من أغسطس الجاري، حول الغاز الصخري الأميركي مع أن هناك عددا من التقارير الأخرى حول مستقبل النفط والغاز الصخري أكثر تفاؤلا من تقرير التليجراف، لا تصل إلى النتائج المذكورة في التقرير المتشائم، كما أن هناك من يشكك في الأرقام التي احتواها التقرير.
إذا صحت المعلومات الواردة في تقرير صحيفة التليجراف، حول مستقبل الغاز الصخري الأميركي، فإنه قد يكون فات الأوان لوقف ثورة الطاقة القادمة، بل إن منظمة "أوبك" ستواجه موقفا لا تحسد عليه: ارتفاع إنتاج الزيت الصخري كلما ارتفعت أسعار النفط!
حسب "أمبروز إيفانز بريتشارد "– كاتب التقرير- فإن منطقة الخليج الغنية بالنفط، ستجد نفسها في ورطة في غضون عامين، وأزمة وجودية بحلول نهاية هذا العقد، إذ سيصل سعر التعاقد على النفط الخام الأميركي في ديسمبر 2020 إلى 62.05 دولارا تقريبا، ما يعني تغيرا جذريا في المشهد الاقتصادي لمنطقة الشرق الأوسط!
ويرى التقرير أن إغراق السوق بالنفط في نوفمبر الماضي كان مقامرة كبري هددت بالفعل صناعة إنتاج الزيت الصخري في الولايات المتحدة، حسب التقرير، ولكن التطورات التكنولوجية (وانخفاض تكلفتها) والتعاون الدولي بين الولايات المتحدة والصين والأرجنتين وأستراليا في مجال "التكسير النظيف" أتت برياح عكسية، إذ ستواجه "أوبك" بزيادة في الإنتاج الأميركي كلما رفعت أسعار النفط.
تهديدأوبك
ثورة الزيت الصخري هددت أهداف منظمة أوبك الاستراتيجية، كما يقول الخبير الاقتصادي" أنس الحجي": أولا، خسارة الميزة التنافسية للسعودية في صناعة البتروكيماويات، فضلا عن حصتها من السوق نظرا لإنتاج الولايات المتحدة كميات ضخمة من الغاز الطبيعي والإيثان بأسعار منخفضة.
ثانيا، أدى انخفاض أسعار النفط في الخليج مؤخرا إلي زيادة صادرات المنتجات البترولية الأميركية وتهديد حصة مصافي النفط السعودية في آسيا، فقد خفضت ثورة الزيت الصخري من السعر القياسي الأميركي "ذا ويست تكساس إنترميد" – 20 دولارا أميركيا، مقارنة بأسعار النفط الخام العالمية.
لكن إذا كانت ثورة النفط الصخري سببا في اختلال ميزان العرض والطلب في أسواق النفط العالمية، ما أدى إلى انخفاض أسعار النفط إلى النصف تقريبا، فإن الجديد في الأمر هو أن الولايات المتحدة نجحت في خفض تكلفة استخراج النفط الصخري بتكنولوجيا التكسير الهيدروليكي للطبقات الصخرية، وهذا مكنها من التغلب على أكبر عائق اقتصادي وهو الموازنة بين التكلفة الاقتصادية المرتفعة لهذه التكنولوجيا وتزامنها الضروري مع ارتفاع أسعار النفط.
مواصلة الإنتاج
من هنا استطاعت ثورة استخراج النفط الصخري في الولايات المتحدة أن تسير قدما إلى الأمام، والبرهان على ذلك كما يقول الخبير الروسي ميخائيل كروتيخين أن كميات النفط المستخرجة في الولايات المتحدة خلال شهر مارس الماضي بلغت 9.32 ملايين برميل يوميا. ويضيف: بحلول عام 2030 ستصبح الولايات المتحدة دولة مصدرة للنفط بلا منازع.
وهو ما سينعكس على أسواق النفط العالمية، أولا ستنخفض أسعار النفط الخام، ثانيا سيعاد رسم خارطة حركة النفط ومنتجاته، وستفقد بلدان الخليج أهميتها في أسواق النفط. فضلا عن تضرر المصالح الروسية أيضا، لأن أوروبا ستقلص توريداتها من النفط والمنتجات النفطية الروسية".
ولعل ذلك من دفع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في لقاء مسؤول خليجي رفيع المستوى في موسكو مؤخرا، إلى مطالبة الأخير بالضغط على منظمة أوبك وسرعة رفع أسعار النفط إلي 75 دولارا.
الخبير في قضايا الجيوسياسية – الاقتصادية والنفط "عيسى جوتشيل" يشير إلى أن العلاقات السعودية – الأميركية ليست شفافة في مجال الطاقة، فالسعودية لديها مصالح مختلفة ومتضاربة عن المصالح الأميركية. السعودية مثل روسيا 90% من ميزانية الدولة من واردات النفط ولا يهمها من الذي ظهرت عنده "ثورة الفحم أو الزيت الصخري" هل هي أميركا أم روسيا أم أوروبا.
العالم كله يواجه اليوم في ظل العولمة والتطور التكنولوجي الرهيب "ثورة جديدة في مجال الطاقة" ولا يهم هنا اسم الدولة التي ظهرت فيها، لأن هذه الثورة قد تكون قد ظهرت في روسيا أو السعودية أو أي مكان آخر، ليس هذا مهما.
هذا من ناحية، من ناحية أخرى، لا علاقة للاتفاق النووي مع إيران والمجتمع الدولي بموضوع الطاقة وبدء ضخ إيران النفط إلى العالم، لسبب بسيط هو في ظل الظروف الراهنة من المستحيل تبديل إيران بروسيا في الأسواق الأوروبية، ذلك لأن الوضع التكنولوجي والبنية التحتية الغازية والنفطية في إيران لا تسمح لها بتصدير الغاز إطلاقا.. لا أقل من 10 سنوات لأنه معروف أنه هناك اليوم مليار متر مكعب من الغاز يذهب إلى تركيا وهذه هي كل قدرة البنية التحتية الإيرانية "من إيران لتركيا".أما أقصي قدرة فهي بين 10 إلى 15 مليار متر مكعب غاز.
لكن "جوتشيل" يتوقع صداما قادما لا محالة بين السعودية والولايات المتحدة، ليس بسبب النووي الإيراني وإنما بسبب التداعيات الاقتصادية – الاجتماعية لثورة الطاقة وانخفاض أسعار النفط عموما، ذلك أنه بالنسبة للسعودية مصالحها أهم من العلاقات مع أميركا.
فقد يمكن الاتفاق بين السعودية وأميركا من الناحية التكتيكية الموقتة لستة أشهر أو ثمانية أشهر أو عام واحد قادم، لخفض الأسعار، لكن الاقتصاد السعودي بعد ذلك سيتضرر كثيرا ولا يستطيع أن يتحمل أكثر من ذلك.. بحسب النتيجة التي توصل إليها تقرير صحيفة التليجراف مؤخرا.