هذا هو القات كيميائياً
هل الكيمياء مسؤولة عن تحريم القات، أم ثمة أضرار أخرى وراء تحريمه، المتعاطون ينفون ذلك، فهل جاء نفيهم لأن شجرة القات لم تكن محرمة من قبل؟ الخمر أيضاً لم تكن محرمة، ثم حرمت من أجل مصلحة المجتمع لأن ضررها أكبر من نفعها. القات كذلك ضرره أكثر من نفعه، أفلا يكون في تحريمه طاعة لله وطاعة للرسول صلى الله عليه وسلم، وأولي الأمر منّا؟
يوماً كتبت مقالاً متكاملاً عن القات بعنوان "مدمن القات مريض وليس مجرماً" ودفعت به إلى صحيفة سعودية ولم ينشر لأسباب رآها المحرر، واقتنعت بها... اليوم علق الزميل العزيز الأستاذ صالح الشيحي الجرس مرتين، فطلب إلي بعض زملائي في جمعية التوعية بأضرار القات أن أكتب مرة أخرى فتناولته من الناحيتين الكيميائية والجنسية.
القات لمن لم يقرأ عنه - حسب علمي المتواضع - هو الاسم الشائع لشجرة دائمة الخضرة تسمى "كاثا إيدولس" وتنتمي للعائلة النباتية "سلا ستريسي" وتعتبر من النباتات المعمرة، وذات قدرة على تحمل تقلبات الطقس، وتنتشر على نطاق واسع في اليمن والصومال وجيبوتي وإثيوبيا وكينيا وإريتريا، وتنزانيا وأوغندا، والعجيب أنها باتت تصدر إلى أوروبا بشكل متزايد، ويوجد قليل منها في جبال فيفاء، والمرتفعات القريبة منها، إلا أنها تشهد معالجة مدروسة لاستئصالها بجهود حثيثة من قبل سمو الأمير محمد بن ناصر، وبتعاون مثمر من مشايخ القبائل الكرام، لاستبدالها بأشجار الفاكهة الاستوائية.
كيميائياً: يتكون القات من مركبات عضوية عدة أهمها "القاتين" و"الكاثينون" المشابهتان لتركيب "الإمفيتامين" المؤثر على الجهاز العصبي، حيث يعمل على تحفيز الخلايا العصبية، فيجلب النشاط ويقلل الشعور بالإجهاد والتعب، وبالتالي يحفز القدرة على التركيز، يصاحبه اتساع في حدقة العين وسرعة حركتها، مع ميل للكلام بكثرة، إما باستدعاء خواطر ذات نفع حول علم أو أدب، أو شيء من نسيج من خيال، في انبساطية ولين جانب تتصف بها شخصية المتعاطي كحالة وليس كنمط لدرجة أنه يوافق على ما لم يكن ليوافق عليه من طلبات الآخرين لو لم يكن مخزناً، بينما يتبرأ في اليوم التالي مما وعد بالأمس، ولذلك قيل تندراً "كلام القات مختوم بشمع يذوب الشمع إذا ما وضح النهار"، إلا أن عبارة - لفتت انتباهي - لشخصية عالمية قالت "لا ينبغي اتخاذ القرارات العليا للدولة أثناء جلسة التخزين".
كل ما تقدم يحدث في الساعات الأولى من تناول القات، يعقبها شعور بالاستغراق إما في التفكير التأملي السالب أو غير المنظم مع ثبات حركة العين والنظر باتجاه شيء واحد يصاحبه إحساس بالإجهاد وشعور بالنفور أو الاكتئاب يزداد مع تقدم السن، وقد أثبت العلم التجريبي ذلك حين أجرى تجاربه على الفئران لمعرفة تأثير "الكاثينون" فجاءت النتائج مشابهة لما يحدث مع الإنسان، كما أجرت منظمة الصحة العالمية دراسات استمرت لسنوات وبناء عليها أدرج القات - في عام 1973 - ضمن قائمة المواد المخدرة بسبب مركباته الكيميائية، علماً بأن علماءنا سبقوا المنظمة في تحريمه بنحو 20 عاماً، وعلى رأسهم سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم - يرحمه الله -.