هذا الموضوع نقلته لكم رأيت فيه توعيه للقلب ونور للبصيره ومواساه للنفس والروح
أريدكم أن تشاركوني قرائته
تمنياتي أن تجدو الفائده
قد يظن البعض ومن خلال قراءته لعنوان هذا المقال أن صاحبه رجل يائس ومتشاءم , وأنه قد مل الحياة والأحياء , لذا فقد قرر أن ينعي نفسه وهو مازال على قيد الحياة , وأن يرثي شخصه وهو مازال بين الأحياء .. وليس الأمر كذلك ... فالمسلم يعلم علم اليقين أن اليأس في الدين قرين الكفر , قال تعالى : \" وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ (87) سورة يوسف .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ :قَلْبُ الشَّيْخِ شَابٌّ عَلَى حُبِّ اثْنَتَيْنِ : طُولُ الْحَيَاةِ ، وَحُبُّ المال.
وفي رواية عبد اللهِ بن سعيد : لا يَزَالُ قَلْبُ الْكَبِيرِ شَابًّا فِي اثنتين : فِي حُبِّ الدُّنْيَا ، وَطُولِ الأمَلِ.أخرجه البخاري 8/111(6420) و\"مسلم\" 3/99 . قال الشاعر:
يَفيضُ من أملٍ قلبي ومنْ ثِقَةٍ ** أعرفُ اليأسَ والإحباطَ في غَمَمِ
اليأسُ في ديننا كُفْرٌ ومَنْقَصَةٌ ** لا يُنبِتُ اليأسَ قلبُ المؤمنِ الفَهِمِ
كما أن التشاؤم في ديننا – كذلك - منهي عنه , قال تعالى ناعياً على قوم صالح تطيرهم فقال : \" وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ (45) قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (46) قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ (47) سورة النمل , وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُحِبُّ الْفَأْلَ الْحَسَنَ ، وَيَكْرَهُ الطِّيَرَةَ. أخرجه ابن أَبي شَيْبَة 9/40(26387) و\"أحمد\" 2/332(8374) قال و\"ابن ماجة\" 3536 و\"ابن حِبَّان\" 6121 .
وعَنْ عُرْوَةَ بْنِ عَامِرٍ الْقُرَشِيِّ ، قَالَ:ذُكِرَتِ الطِّيَرَةُ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ : أَحْسَنُهَا الْفَأْلُ ، وَلاَ تَرُدُّ مُسْلِمًا ، فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يَكْرَهُ ، فَلْيَقُلْ : اللَّهُمَّ لاَ يَأْتِي بِالْحَسَنَاتِ إِلاَّ أَنْتَ ، وَلاَ يَدْفَعُ السَّيِّئَاتِ إِلاَّ أَنْتَ ، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِكَ.أخرجه أبو داود 3919.
إذاً فالأمر مرتبط بشيء آخر غير اليأـس والتشاؤم .. قد يكون هذا الأمر له صلة وثيقة بفلسفة الحياة والموت , فالمسلم المتوازن هو الذي يعرف أن هذه الدنيا ما هي إلا مزرعة للآخرة , وأنها دار اجتياز وممر وليست بدار خلود ومقر , وليس معنى ذلك أنه لا يأخذ بأسباب الحياة والعيش الكريم فيها , فهو مطالب بتعميرها وتحقيق منهج الاستخلاف فيها , قال تعالى : \"هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ (61) سورة هود.
وقال : \" وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77) سورة القصص.
وهو مع سعيه الدءوب لتعمير الكون لا ينس أن هناك حياة أخلد وأرحب يجب أن يستعد لها , قال سبحانه :\" هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15) سورة الملك..
وهذا التوازن هو الذي ميز الإسلام عن غيره فهو دين الوسطية الذي جمع بين متطلبات الحياة المادية , ومطالبها الروحية , فالمسلم يجد في الحياة ويكدح ليعمرها , ولكن عينه على آخرته التي يسعي إليها لينال فيها النعيم الخالد والرضا الكامل ,فلا يجعل كل همه الدنيا فقط , قال سبحانه : \" مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا (18) وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا (19) كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا (20) سورة الإسراء .
ولقد عاش النبي صلى الله عليه وسلم حياته هو وصحابته الكرام رضوان الله عليهم في جهاد وفتوحات وتعمير للأرض وأخذ بأسباب الرقي والتقدم والعزة . ومع هذا فقد كانت الآخرة والسعي لها نصب أعينهم.
ولفهم المسلمين لطبيعة الموت ولثقتهم في عموميته , وتيقنهم من حتميته , ونتيجة لعدم هروب من تذكره ودراسته والإفادة من ذلك .. انتشروا في ربوع الدينا كلها – دون خوف من غربة , أو تهيب من موت –لرفع راية الإسلام فوق جنباتها .عبد الحي الفرماوي : الموت في الفكر الإسلامي 24.
فعدوا أنفسهم ضيوفاً على الدنيا وعما قليل سيرحلون عنها إلى حياة الرحب والسعة , عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ:أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِبَعْضِ جَسَدِى فَقَالَ يَا عَبْدَ اللَّهِ كُنْ في الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ كَأَنَّكَ عَابِرُ سَبِيلٍ وَعُدَّ نَفْسَكَ مِنْ أَهْلِ الْقُبُورِ.فَقَالَ لِى ابْنُ عُمَرَ إِذَا أَصْبَحْتَ فَلاَ تُحَدِّثْ نَفْسَكَ بِالْمَسَاءِ وَإِذَا أَمْسَيْتَ فَلاَ تُحَدِّثْ نَفْسَكَ بِالصَّبَاحِ وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ قَبْلَ سَقَمِكَ وَمِنْ حَيَاتِكَ قَبْلَ مَوْتِكَ فَإِنَّكَ لاَ تَدْرِى يَا عَبْدَ اللَّهِ مَا اسْمُكَ غَدًا. أَخْرَجَهُ أحمد 2/24(4764) و\"البُخَاريّ\" 8/110(6416) .
وأيقنوا أن نعيم الدنيا وبؤسها لا يدومان , وأن المؤمن مع أول غمسة في نعيم الجنة ينسى كل ما لقيه في الدنيا من بؤس ومن شقاء ,عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:يُؤْتَى بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا ، مِنْ أَهْلِ النَّارِ ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَيُصْبَغُ فِي النَّارِ صَبْغَةً ، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ : يَا ابْنَ آدَمَ ، هَلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ ؟ فَيَقُولُ : لاَ ، وَاللهِ ، يَا رَبِّ ، وَيُؤْتَى بِأَشَدِّ النَّاسِ فِي الدُّنْيَا ، مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، فَيُصْبَغُ فِي الْجَنَّةِ صَبْغَةً ، فَيُقَالُ لَهُ : يَا ابْنَ آدَمَ ، هَلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ ؟ فَيَقُولُ : لاَ ، وَاللهِ ، يَا رَبِّ ، مَا مَرَّ بِي بُؤُسٌ قَطُّ ، وَلاَ رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ. أخرجه أحمد 3/203(13143) و\"مسلم\" 8/135(7190) .
دع عنك ما قد فات في زمن الصبا * * * واذكر ذنوبك وابكها يا مذنبُ
واخشى مناقشة الحساب فإنه * * * لابد يُحصَى ما جنيت و يُكتَبُ
لم ينسه الملكان حين نسيته * * * بل أثبتاه وأنت لاهٍ تلعبُ
والروح فيك وديعة أُودِعْتَهَا * * * سترُدّها بالرّغم منك وتُسْلَبُ
وغرور دنياك التي تسعى لها * * * دار حقيقتها متاع يذهبُ
وجميع ما حصلته و جمعته * * * حقاً يقيناً بعد موتك يُنهَبُ
تباً لدارٍ لا يدوم نعيمها * * * ومُشَيِّدها عمّا قليل يَخْرَبُ
من هنا كان استحضارهم الدائم وتذكرهم المستمر للموت والحساب والجزاء , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ. يَعْنِي الْمَوْتَ. أخرجه أحمد 2/292(7912) و\"ابن ماجة\" 4258 و\"التِّرمِذي\" 2307 .
وروى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَالِكٍ ، عَنِ الْبَرَاءِ بن مالك رضي الله عنه قَالَ : \" كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي جِنَازَةٍ ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى الْقَبْرِ جَثَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْقَبْرِ ، قَالَ : فَاسْتَدَرْتُ فَاسْتَقْبَلْتُهُ ، قَالَ : فَبَكَى حَتَّى بَلَّ الثَّرَى ، ثُمَّ قَالَ : إِخْوَانِي , لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُونَ ، فَأَعِدُّوا \".
وفي رواية : كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي جَِنَازَةٍ ، فَجَلَسَ عَلَى شَفِيرِ الْقَبْرِ ، فَبَكَى حَتَّى بَلَّ الثَّرَى ، ثُمَّ قَالَ : يَا إِخْوَانِي ، لِمِثْلِ هَذَا فَأَعِدُّوا. أخرجه أحمد 4/294(18802) و\"ابن ماجة\" 4195 , الألباني :حسن ، الصحيحة ( 1751 ).
ولقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في فهم طبيعة الحياة الدنيا وأنها ليست بدار نعيم مقيم يسعى المرء لتحصيله والحرص عليه , فعاش صلى الله عليه وسلم حياة الزهد والإنابة والإخبات إلى ربه , فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : دخلت على رسول الله صلى الله عليه و سلم فإذا هو مضطجع على رمال حصير ليس بينه وبينه فراش قد أثر الرمال بجنبه متكئا على وسادة من أدم حشوها ليف . قلت : يا رسول الله : ادع الله فليوسع على أمتك فإن فارس والروم قد وسع عليهم وهم لا يعبدون الله . فقال : \" أو في هذا أنت يا ابن الخطاب ؟ أولئك قوم عجلت لهم طيبتاتهم في الحياة الدنيا \" . متفق عليه , الألباني : : انظر حديث رقم : 2552 في صحيح الجامع.
وسار صحابته الكرام على هذا النهج فحرصوا على مرضاة الله تعالى وعلى طلب حسن الخاتمة منه فكانوا ينعون أنفسهم وهم على قيد الحياة . فها هو الصديق أبوبكر رضي الله عنه تروي عنه أم المؤمنين عائشة قالت: كنت عند أبي بكر حين حضرته الوفاة فتمثلت بهذا البيت :
من لا يزال دمعه مقنعا * * * يوشك أن يكون مدفوقا
فقال: يا بنية لا تقولي هكذا ولكن قولي: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق:19] ثم قال: في كم كفن النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقلت: في ثلاثة أثواب فقال: كفنوني في ثوبي هذين واشتروا إليهما ثوبا جديدا فإن الحي أحوج إلى الجديد من الميت وإنما هي للمهنة أو للمهلة . إسناده صحيح وأخرجه أحمد \"6/40\" والبخاري \"1387\" .
و لما حضرته الوفاة أوصى عمر رضي الله عنه قائلا : \" إني أوصيك بوصية , إن أنت قبلت عني : إن لله عز و جل حقا بالليل لا يقبله بالنهار , وإن لله حقا بالنهار لا يقبله بالليل , وإنه لا يقبل النافلة حتى تؤدى الفريضة , وإنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه في الآخرة بإتباعهم الحق في الدنيا , و ثقلت ذلك عليهم , وحق لميزان يوضع فيه الحق أن يكون ثقيلا , وإنما خفت موازين من خفت موازينه في الآخرة بإتباعهم الباطل , وخفته عليهم في الدنيا و حق لميزان أن يوضع فيه الباطل أن يكون خفيفا.
وها هو أيضا عمر بن الخطاب رضي الله عنه جاءه عبد الله بن عباس بعد أن طُعن فقال: قال: يا أمير المؤمنين, أسلمتَ حين كفر الناس, وجاهدتَ مع رسول الله حين خذله الناس, وقُتلت شهيدًا ولم يختلف عليك اثنان, وتوفي رسول الله وهو عنك راضٍ، فقال له: أعِد مقالتك، فأعاد عليه, فقال: المغرور من غرَّرْتُموه, والله لو أن لي ما طلعت عليه الشمس أو غربت لافتديت به من هول المطْلع. ابن حبان في صحيحه ج 15/ ص 315 حديث رقم: 6891.
وقال عبد الله بن عمر : كان رأس عمر على فخذي في مرضه الذي مات فيه .فقال : ضع رأسي على الأرض فقلت : ما عليك كان على الأرض أو كان على فخذي ؟!فقال : لا أم لك ، ضعه على الأرض فقال عبد الله : فوضعته على الأرض فقال : ويلي وويل أمي إن لم يرحمني ربي عز و جل.
وهذا معاذ بن جبل .. حين حضرته الوفاة ..و جاءت ساعة الاحتضار .. نادى ربه ... قائلا . : يا رب إنني كنت أخافك , وأنا اليوم أرجوك .. اللهم إنك تعلم أنني ما كنت أحب الدنيا لجري الأنهار , ولا لغرس الأشجار .. وإنما لظمأ الهواجر , ومكابدة الساعات , ومزاحمة العلماء بالركب عند حلق العلم .
ثم فاضت روحه بعد أن قال :لا إله إلا الله.
وورد أن ابن المنكدر لما حضرته الوفاة .. بكى .. فقيل له :ما يبكيك ؟ فقال ( والله ما أبكى للذنب أعلم أنى أتيته .. ولكن أخاف أنى أتيت شيئاً حسبته هيناً وهو عند الله عظيم) .وما ورد من أنه قيل لبشر الحافي وقد احتضر :كأنك تحب الحياة يا أبا نصر ؟فقال : (القدوم على الله – عز وجل – شديد). إحياء علوم الدين 4/597.
قال التيمي : شيئان قطعا عني لذة الدنيا : ذكر الموت ، وذكر الموقف بين يدي الله تعالى .
ونظر ابن مطيع ذات يوم إلى داره فأعجبه حسنها ، فبكى وقال : والله لولا الموت لكنت بكِ مسروراً .
وكان عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه يجمع العلماء فيتذكرون الموت والقيامة والآخرة، فيبكون حتى كأن بين أيديهم جنازة!!.
وكان أبو العالية رفيع بن مهران قد أعدَّ لنفسه كفنًا، وكان يلبس كفنه كل شهر مرة ثم يرده إلى مكانه، ولقد أوصى سبع عشرة مرة وهو صحيح معافى. وكان يحدد لكل وصية أجلا؛ فإذا جاء أجلها نظر فيها.. فإما أنْ يعدلها، وإما أنْ يبدلها، وإما أنْ يمضيها.
وكان الربيع بن خثيم قد حفر في داره قبرًا، فكان إذا وجد في قلبه قساوة دخل فاضطجع، ومكث ما شاء الله، ثم يقول: \" قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100) سورة المؤمنون . يرددها ، ثم يرد على نفسه: يا ربيع! قد رجعتَ فاعمل.
عَنْ عَمِّهِ الأَصْمَعِيِّ ؛ قَالَ : بَعَثَ إِلَيَّ هَارُونُ الرَّشِيدُ وَقَدْ زَخْرَفَ مَجَالِسَهُ وَبَالَغَ فيها وفي بنائها , ووَضَعَ فِيهَا طَعَامًا كَثِيرًا ، ثُمَّ وَجَّهَ إِلَى أَبِي الْعَتَاهِيَةِ ، فَأَتَاهُ ، فَقَالَ : صِفْ لَنَا مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ نَعِيمِ هَذِهِ الدُّنْيَا ؛ فَأَنْشَأَ يَقُولُ :
رأيتُ الدهرَ مُختلفاً يدور * * * فلا حُزن يدوم ولا سرور
وقد بنت الملوكُ بهِ قصوراً * * * فلم تبقَ الملوك ولا القصور
فالمؤمن ينبغي عليه أن ينعي نفسه قبل أن ينعاه غيره وأن يرثي نفسه قبل أن يرثاه من حوله , كان بالبصرة عابد حضرته الوفاة..فجلس أهله يبكون حوله فقال لهم أجلسوني , فأجلسوه فأقبل عليهم وقال لأبيه :يا أبت ما الذي أبكاك؟قال :يا بنى ذكرت فقدك وانفرادي بعدك .فالتفت إلى أمه , وقال :يا أماه ما الذي أبكاك؟قالت : لتجرعي مرارة ثكلك ,فالتفت إلى الزوجة ,وقال :ما الذي أبكاك ؟ قالت : لفقد برك وحاجتي لغيرك ,فالتفت إلى أولاده,وقال :ما الذي أبكاكم ؟قالوا :لذل اليتم والهوان من بعدك ,فعند ذلك نظر إليهم وبكى .فقالوا له : ما يبكيك أنت ؟ قال أبكي لأني رأيت كلا منكم يبكى لنفسه لا لي .أما فيكم من بكى لطول سفري ؟ أما فيكم من بكى لقلة زادي ؟أما فيكم من بكى لمضجعي في التراب؟أما فيكم من بكى لما ألقاه من سوء الحساب ؟أما فيكم من بكى لموقفي بين يدي رب الأرباب؟ثم سقط على وجهه فحركوه ,فإذا هو ميت .
وها هو زين العابدين بن علي ينعي نفسه فيقول:
أَلاَ لَيْتَ شِعري هَلْ أبيتَنّ ليلةً * * * بجَنبِ الغَضَا، أُزجي القِلاص النّواجِيا
فَلَيتَ الغَضَا لم يقطَعِ الركبُ عَرضَهُ* * * وليتَ الغَضَا مَاشىَ الركابَ لَياليِا
لقد كان في أهل الغضا، لو دنا الغضا * * * مزارٌ، ولكنّ الغضا ليْسَ دانيا
تَذَكّرْتُ من يَبْكي عليّ، فلمْ أَجِدْ * * * سِوَى السَيْفِ والرّمحِ الرُّدَينيّ باكيا
صَرِيعٌ على أيْدِي الرّجَالِ بِقَفْرَةٍ * * * يُسَوَّوْنَ قَبْري، حَيْثُ حُمّ قضائيا
فيا صاحبَي رحلي! دنا المَوْتُ، فَأنزلا * * * بِرابِيَةٍ، إنّي مُقِيمٌ لَياليِا
أَقيما عليّ اليَوْمَ، أو بَعْضَ ليلةٍ* * * ولا تُعْجِلاني قد تبيّنَ ما بِيا
وَقوما، إذا ما استُلّ روحي، فهيّئا * * * ليَ القبرَ والأكفانَ، ثُمّ ابكيا ليا
وخُطّا بأطْرَافِ الأسِنّةِ مضجعي، * * * ورُدّا على عَيْنَيَّ فضلَ ردائيا
ولا تحسُداني، باركَ اللَّهُ فيكما، * * * من الأرْضِ ذَاتِ العَرضِ أن توسِعا ليا
خُذَاني، فجُرّاني بِبُردي إليكما * * * فقد كُنْتُ، قبل اليوم، صَعباً قياديا
فقد كنتُ عطّافاً، إذا الخيلُ أدْبَرَتْ * * * سَريعاً لدى الهَيْجا، إلى مَن دعانِيا
وقد كُنْتُ محموداً لدى الزّاد والقِرَى * * * وعنْ شَتْمِ إبنِ العَمّ وَالجارِ وانِيا
وَقد كُنْتُ صَبّاراً على القِرْن في الوَغى* * * ثَقِيلاً على الأعداء، عَضْباً لسانيا
وَطَوْراً تراني في ظِلالٍ وَمَجْمعٍ، * * * وَطَوْراً تَراني، والعِتَاقُ ركابيا
غَدَاةَ غَدٍ، يا لَهْفَ نَفْسي على غدٍ * * * إذا أَدْلجوا عني، وخُلّفتُ ثاويا
وَأَصْبَحَ مالي، من طَريفٍ، وتالدٍ* * * لِغَيْري وكان المالُ بالأمسِ ماليا
فيا راكِباً إمّا عَرَضتَ فبلّغَنْ * * * بني مالكٍ والرَّيْبِ أنْ لا تلاقِيا
وَبَلّغ أخي عِمران بُردي وَمِئزَري* * * وبلّغ عَجُوزي اليومَ أن لا تدانيا
وكذا أبو فراس الحمداني يرثي نفسه مخاطبا ابنته قائلاً :
أبنيتي لا تجزعي * * * كل الأنام إلى ذهاب
نوحي على بحسرة * * * من خلف سترك والحجاب
قولي إذا كلمتني * * * فعييت عن رد الجواب
زين الشباب أبو فرا * * * س لم يمتع بالشباب
فاستعد أيها المقصر لساعة تتمنى فيها لو تعود إلى الدنيا ساعة لتعمل فيها صالحا , \" حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100) سورة المؤمنون .
ساعة تتمنى لو صليت فيها ركعتين ليصلي ولو ركعتين اثنتين فقط، فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بقبرٍ فقال: (من صاحب هذا القبر؟) فقالوا: فلان، فقال: (ركعتان أحب إلى هذا من بقية دنياكم) ( )، وفي رواية قال صلى الله عليه وسلم: (ركعتان خفيفتان مما تحقرون وتنفلون، يزيدها هذا في عمله، أحب إليه من بقية دنياكم) ( ). عن أبي هريرة : أن رسول الله مر بقبر فقال من صاحب هذا القبر فقالوا فلان فقال ركعتان أحب إلى هذا من بقية دنياكم .أخرجه الطبراني في الأوسط (1/282 ، رقم 920) . قال الهيثمى (2/249) : رجاله ثقات \" السلسلة الصحيحة \" 3 / 377.
اغتنم في الفراغ فضل ركوع *** فعسى أن يكونَ موتك بغتة
كم صحيح رأيتَ من غير سُقم *** ذهبتْ نفسه الصحيحة فلتة
ساعة يتمنى فيها المرء لو يرجع إلى الدنيا لينفق فيها ماله في أوجه الخير والبر : { َأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاء أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } [المنافقون: 10-11].
قال إبراهيم بن يزيد العبدي رحمه الله تعالى: أتاني رياح القيسي فقال: يا أبا إسحاق انطلق بنا إلى أهل الآخرة نُحدثُ بقربهم عهدا، فانطلقت معه فأتى المقابر، فجلسنا إلى بعض تلك القبور، فقال: يا أبا إسحاق ما ترى هذا متمنيا لو مُنِّ ؟ (أي لو قيل له تمنى) قلت: أن يُردَّ - والله - إلى الدنيا، فيستمتعْ من طاعة الله وُيصلح، قال: ها نحن في الدنيا، فلنطع الله ولنصلح، ثم نهض فجدَّ واجتهد، فلم يلبث إلا يسيرا حتى مات رحمه الله .
قال إبراهيم التيمي: مثَّلتُ نفسي في النار، آكل من زقومها، وأشرب من صديدها، وأعالج سلاسلها وأغلالها، فقلت لنفسي: أي شيء تريدين؟ قالت: أريد أن أُردَّ إلى الدنيا فأعمل صالحا، قال: فقلت: أنتِ في الأمنية فاعملي .
فتذكر – أيها الغافل – واعلم أن الدنيا ساعة فاجعلها طاعة , وأن الأجل قريب فاستعد للقاء ربك .
قل للمفرط يستعد *** ما من ورود الموت بدُ
قد أخلق الدهر الشباب *** وما مضى لا يُستردُ
أو ما يخاف أخو المعاصي *** من له البطشُ الأشدُ
يوماً يعاين موقفاً *** فيه خطوب لا تجدُ
فإلام يشتغل الفتى *** في لهوه والأمر جدُ
أبداً مواعيد الزمان *** لأهله تعب وكدُ
يا من يؤمل أن يقيم *** به وحادي الموت يحدو
وتروح داعية المنون *** على مؤملها وتغدو
يختال في ثوب النعيم *** ودونه قبر ولحدُ
والعمر يقصرُ كل يوم *** ثم في الآمال مدُ
وانعي نفسك قبل أن ينعاك غيرك , وارثي نفسك قبل أن يرثيك البعيد والقريب .
كلنا في غفلة والموت * * * يغدو ويروح
نح على نفسك يا * * *مسكين إن كنت تنوح
لست بالباقي ولو * * * عمّرت ما عمّر نوح
رَبَّنَا ما عَصَيْنَاك جَهْلاً بعُقُوْبَتِكَ، ولا تَعَرُّضًا لِعَذَابِك، ولَكِنْ غَرَّنَا سَتْرُكَ عَليْنَا،وأطْمَعَنَا عَفْوُكَ وبِرُّكَ بِنَا إلَهَنَا مَوْلانَا ثِقَتَنَا، رَجَاءَنَا، ارْحَمْ عِبَادًا غَرَّهُمْ طُولُ إِمْهَالِك،وأطْمَعَهُمْ كَثْرَةُ إِفْضَالِك، َقَدْ لاذُوا بِعِزِّك وجَلالِك ومَدُّوا أكُفَّهُم لِطَلَبِ نَوَالِك. يا خَيْرَ مَنْ سُئِل، ويا خَيْرَ مَنْ أعْطَى يا قَرِيْبًا مِمَّنْ دَعَاك، يا حَلِيْمًا على منْ عَصَاكَ.