أفكر أن أستثمر في مغسلة رخيصة وأنوي بيعها بعد عدة شهور هل تتوقعون أن يرتفع سعرها؟ :hawamer1312
هل سمعت أحداً يستثمر أمواله في التجارة يسأل مثل هذا السؤال؟
أم أن الذي ينوي إستثمار أمواله في التجارة يصبر على محله سنوات ولا ينتظر
الربح من أول سنة ثم يفرح بعائد معقول بعد ذلك؟ ويستمر في محله طالما هناك
عوائد ودخل ونمو؟ هل رأيت تاجراً يشتري محل خضروات ليبيعه ثاني يوم لمجرد
أن جاره باع محله بأقل من سعر الشراء؟ فيبيع معه ليشتري محل حلاق ثم يبيعه
بعد إسبوعين ليشتري محل سباكه؟ هل يكسب من يفعل مثل ذلك بالتجارة؟
لو أن لديك محل تجاري أشتريته بسعر معين ويدرُ عليك دخلاً جيداً ثم أصبح
كل يوم يأتيك أشخاص يطلبون محلك بنصف سعره فهل ستبيعه عليهم لمجرد
أن هذه تسعيرة السوق؟ أم أنك تعرف قيمة محلك الحقيقية فلا تلقي لذلك بالاً.
هؤلاء المستثمرون الذين لا يفعلون ذلك في التجارة يقومون به في عالم الأسهم
رغم أن الأسهم وراءها شركات وصناعة وتجارة إلا أنه لا ينظر إلى ماوراء السهم
من شركة ودخل ونمو وإنما ينظر إلى سعر السهم وتحركه بالسوق ويتعامل معه
كتذكرة إلكترونية تصعد وتهبط أو كورقة اليانصيب. وكثير من الذين يعتقدون أنهم
مستثمرين في سوق الأسهم لا يعرفون القيم الحقيقية لشركاتهم كما يعرفها صاحب
المحل لأنهم لم يقوموا بالشراء على أساس تقييم الشركة مالياً وإنما غالباً قاموا بذلك
بسبب تدني سعرها وتوقعهم لإرتفاعه في قادم الشهور.
المتداولون بالسوق ثلاثة أنواع
هناك بسوق الأسهم مستثمرين ومضاربين ولكن هناك نوع ثالث حائر بين هذا وذلك
فيسمى نفسه مستثمر ولكنه يتصرف كالمضارب بنية البيع عند إرتفاع السعر ولكن
بدون أدوات المضارب من تحليل فني. فهو كالغراب الذي يريد تقليد مشية الحمامة.
فالمستثمر يعتمد على التحليل المالي والمضارب على التحليل الفني وهذا النوع
الجديد يعتمد على التخمين.
لهذا عندما يفشل هؤلاء في الإستثمار في سوق الأسهم يخرج بعضهم ويقول أن
الإستثمار الحقيقي ليس في الأسهم بل في فتح محلات والتجارة وأن الإستثمار في
الأسهم مقامرة وليس واضحاً كالتجارة، وهذا طبعا كلام خاطيء لأنه مقارنة بين
ممارستين مختلفتين. فنفس الشخص إن ذهب إلى التجارة إلتزم بالإستثمار والصبر
والقناعة ولكن إن تم طرح محله بالإكتتاب العام ودخل سوق الأسهم وإمتلك فيه تخلى
عن الإستثمار الطويل وأصبح يهتم بالسعر السوقي بدلاً من ما وراء السهم من شركة
أو صناعة أو تجارة. وأصبح يتبع أسلوب التخمين والمقامرة في قرارته لهذا لا عجب
أن يعود ليصف السوق بالمقامرة في حين أنه يصف نفسه من حيث لا يشعر.
ينسى هؤلاء أن الأسهم عبارة عن شهادة ملكية في محل أو شركة كما يفعل ذلك
عندما يقوم بمشروع يشاركه به إخوانه أو أصدقاءهم ولكن الإلتزام بمفهوم الإستثمار
يختلف جذرياً في الحالتين فماهو السبب؟
بالتأكيد سبب هذا نفسي، فالضغوط النفسية في أسواق الأسهم ليس من السهل
مقاومتها والتجرد منها والتفكير بعقلانية والتخلص من الميل النفسي إلى إتباع
القطيع. وهذا يفسر لماذا لا ينهار العقار ويتذبذب مثل الأسهم؟ السبب بسيط
لا توجد شاشة تداول عقار بحيث يرى الجميع البيع والشراء والعرض والطلب
ولا توجد سهولة البيع والشراء وتفريغ الملكية بضغطة زر كما في الأسهم ففي
العقار يجب التوجه إلى كتابة عدل، لذلك لو كان هناك مؤشر للعقار وشاشة تداول
لأصبح يخضع لنفس تذبذات الأسهم والعوامل النفسية.
وأما سياسة السلوك الجمعي أو القطيع فهي من أقوى المؤثرات النفسية التي تتداخل
مع قرارات الأفراد، فمثلاً لو كنت في مسرح مع الجمهور وألقى الممثل نكته ليست
مضحكة بالنسبة لك ولكن الجميع ضحك فستضحك تلقائياً بمجرد أنهم ضحكوا
رغم أنك لو كنت وحيداً لما ضحكت، ونفس الشيء بالسوق ستبيع بمجرد أنهم باعوا.
وستتعرض لنفس الضغوط التي يجتاج للإنسان التمرس والتصبر على مقاومتها
والإلتزام بإستقلال التفكير والقرارات.
كيف تعرف أي نوع من الثلاثة أنت؟
١- إن كنت تهتم بالحركة السعرية نزولاً وطلوعاً بغض النظر عن سعر السهم
وقوائمه المالية وربحية الشركة وخسارتها وإنما تمتلك أدوات التحليل الفني فأنت
مضارب حتى لو بعت بعد سنوات.
٢- إن كنت تهتم بما وراء السهم من شركة وبزنس وربحية ونمو وتقرأ القوائم
وتحللها وتقرأ تقارير مجلس الإدارة لتعرف توجهات الشركة ومشاريعها المستقبلية
ثم تحدد سعر عادل للشركة وتنتظر حتى تنزل له ثم تشتري فأنت مستثمر.
٣- إذا كنت تدخل السهم لأن سعره السوقي متدني ولكنك لا تفهم بالتحليل الفني
وإنما تعتقد أنه لا محالة سيرتفع لأنه متدني. وحتى لو كنت تقرأ القوائم المالية
وتقرير مجلس الإدارة ولكنك تفشل في وضع سعر عادل للشركة والإلتزام بالشراء
تحته وإنما تتوجه مباشرة لتشتري بسعر السوق. فإن إرتفع السعر وحقق هدفك
بعت وإن نزل وتعلقت قلت أنا مستثمر فأنت لست مستثمر ولا مضارب وإنما
مستضرب كما أطلق هذا الوصف الكاتب صالح الروضان بمقاله الجميل:
المتداولون ما بين مضارب ومستثمر ومستضرب.
المستثمر يفرق عن المستضرب في شيء جوهري وهو أن المستثمر لا يبيع طالما
الشركة أداءها ممتاز وتنمو ومتوقع لها إستمرار نمو الأرباح والتوزيعات ولا يغريه
إرتفاع القيمة السوقية إلا في حالة كان هذا الإرتفاع جنونيا فطبيعي أن يخرج ويدخل
بأسعار أقل. ولكن المستضرب يبيع بمجرد تحقيق هدفه سواء 50% ربح أو تدبيله
رغم أنه قد يكون وقتها لازالت الشركة مغرية وستستمر بالنمو وسأعطي مثال على
ذلك وهو جرير.
تخيل أن الثلاثة أصناف من التداولين أشتروا جرير عند سعر 50 ريال كيف سيكون
تصرفهم حيال التحركات السعرية؟
المضارب: سيبيع عند تحقق هدفه الفني وعادة يكون هدف معقول مثلاً 10%
فسيبيع عند 55 وفعلاً يصطدم السهم بمقاومة ثم يعود إلى 53. ويكون قد نجح.
في حين لازال المستثمر والمستضرب يمتلكون.
المستضرب: سيبيع عند أول تدبيلة عند وصوله 100 وسيفرح فرحاً شديداً
ويعتقد أنه ذكي.
المستثمر: لم يبع حتى الآن والسعر 200 ريال لماذا؟ لأن الشركة لازالت تنمو وتربح
وترتفع ربحيتها وتحطم أرقامها فلازالت شركة جيدة لم تنتكس أو تنكمش فلماذا يبيع؟
لاحظ أن المستثمر حصل على 4 أضعاف رأس ماله عندما دخل عند 50 كأرباح
رأسمالية ناهيك عن التوزيعات. أما المستضرب فجنى عند ضعف رأس ماله وذهب
ليدخل سهم آخر يضيع فيه ما كسبه :hawamer1612
لهذا من الخطأ أن يقول الإنسان أن أريد أن أدخل بهذا السهم لأستثمر لمدة شهور
فهل تتوقعون إرتفاع سعره؟ إن كان مستثمراً سيسأل هل تتوقعون إرتفاع ربحيته
ونمو مبيعاته؟ وبالطبع إن كان مستثمراً حقيقياً فلن يسأل لأن هذا المهمة من واجباته
أن يتقصى ويحلل ويستنبط بنفسه. وإن لم يكن يعلم فسيستثمر وقته ليتعلم ويعلم
نفسه قبل أن يستثمر ماله فلا أفضل من الإستثمار في تطوير الذات.