الصراع المفتوح الذي يدور في الشرق الأوسط هو الصراع بين الجمهورية الإسلامية في إيران وبين الدول العربية وفي مقدمتها دول الخليج وبالأخص المملكة العربية السعودية، وتعتمد إيران في حربها على السعودية والدول العربية على أوهام الإمبراطورية الفارسية، وعلى الطائفية كسلاحٍ سياسي وعنفي، وعلى الحركات الأصولية والإرهابية السنية إما دعمًا أو خلقًا.
يقود لهذا الحديث الحادث المؤلم الذي جرى يوم الجمعة الماضي في «بلدة القديح» التابعة لمحافظة القطيف في المنطقة الشرقية من السعودية، حيث فجّر انتحاري تابعٌ لتنظيم داعش نفسه أثناء أداء صلاة الجمعة فقتل 21 مواطنًا سعوديًا وجرح قرابة المائة مواطنٍ في عملية طائفيةٍ بشعةٍ، لا تستهدف الطائفة الشيعية فحسب، بل تستهدف بالمقام الأول أمن السعودية واستقرارها.
تاريخ إيران طويلٌ في استهداف السعودية، فهي قامت في 1987 بفتنةٍ في موسم الحج وقتلت الحجاج من كل الجنسيات المسلمة وروعتهم في الشهر الحرام في البلد الحرام، وأعادت الكرة عن طريق بعض المواطنين الكويتيين وبعض السعوديين في تفجيرات المعيصم 1989 في مشعر منى، واستهدفت دول الخليج بمحاولة اغتيال الشيخ جابر الأحمد في الكويت وكذلك اختطاف الطائرة الكويتية، ولم تألُ جهدًا في نشر خلايا التجسس في دول الخليج والتخطيط لزعزعة أمن دوله وشعوبه، واحتلال بعض أراضيه.
ولكن ماذا تستفيد إيران من قتل الشيعة؟ في العراق ودول الخليج والسعودية تحديدًا؟ إنه الصراع السياسي الكبير في الشرق الأوسط وطموحات التوسع وبسط النفوذ الإيرانية، فالغرض من مثل هذه الأحداث ليس استهداف الشيعة الذين تزعم الدفاع عنهم أو احتكار الحديث باسمهم وإن لم يرضوا، بل هو زعزعة الاستقرار السياسي الذي تتمتع به السعودية ودول الخليج.
تعمل إيران ذلك بطريقتين؛ الأولى: دعم بعض شذّاذ الشيعة للقيام بعمليات تخريبية مثل تفجيرات الخبر 1996 – ودون تقصٍ – مثل أحداث العوّامية المتكررة وغيرها والتي كان ينفخ في كيرها أشخاص مثل الإرهابي نمر النمر،
والثانية، بدعم حركات الإرهاب السنية كتنظيم القاعدة لخلق الفتنة الطائفية كما جرى في العراق سابقًا وكما يجري اليوم مع تنظيم داعش، وكما دعمت لسنواتٍ طوالٍ تنظيم القاعدة في حربه على السعودية.
تفجيرات الدالوة (نوفمبر/ تشرين الثاني 2014)، وخلية الخمسة والستين التي أعلنت عنها السعودية لاحقًا، ومحاولة تهريب متفجراتٍ من البحرين للسعودية، وتفجيرات القديح قبل يومين، كلها تؤكد على استمرار النهج الإيراني الإجرامي المتحالف مع الإرهاب السني لضرب السعودية وإنجاح الأهداف الكبرى لإيران في المنطقة.
السعودية دولةٌ كبرى في المنطقة سياسيًا وجغرافيًا وديموغرافيًا، وفيها تنوعٌ مذهبي وثقافي واجتماعي يتناسب من حجمها، ولديها أقلياتٌ كذلك، منها الشيعة الجعفرية الاثنا عشرية في المنطقة الشرقية و«النخاولة» في المدينة و«الإسماعيلية» في نجران،
ولكنها لم تلغ يومًا مواطنتهم أو تتعدى على حقوقهم أو تقصر في حمايتهم، وهو تحديدًا
عكس ما صنعته إيران الخميني من اضطهاد كل الأقليات المذهبية والعرقية، وإيران هي الدولة التي ينص دستورها على أنها دولةٌ طائفيةٌ بامتياز.