فإن المسلم ممتحن بالفتن بشتى أنواعها لا سيما دعاة السنة، فإن الشيطان يجتهد أكثر في محاولة إغوائهم، فإن عجز حاول إضعافهم، لذا يستحب الدعاء بهذا الدعاء في آخر الصلاة قال أبو هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال " متفق عليه واللفظ لمسلم.
وكم يصبر أقوام على فتنة الضراء، فإذا ابتلوا بالسراء، فتنوا فإن أصحاب رسول الله موسى -عليه السلام- صبروا على فتنة الضراء، وعلى أذى فرعون لهم، فلما أهلك الله عدوهم فرعون هلك طائفة منهم في فتنة السراء فطلبوا عبادة العجل، قال تعالى حاكيًا حالهم (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ . وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ)
قال ابن مفلح في الآداب الشرعية(1/ 4): قال بعضهم: المؤمن يصبر على البلاء ولا يصبر على العافية إلا صديق. وقال عبد الرحمن بن عوف: ابتلينا بالضراء فصبرنا وابتلينا بالسراء فلم نصبر.
وقال أبو الفرج بن الجوزي: الرجل كل الرجل من يصبر على العافية وهذا الصبر متصل بالشكر فلا يتم إلا بالقيام بحق الشكر، وإنما كان الصبر على السراء شديدا لأنه مقرون بالقدرة، والجائع عند غيبة الطعام أقدر منه على الصبر عند حضور الطعام اللذيذ.ا.هـ
وإن دعاة السنة السلفية يعيشون اليوم نصرًا وتقدمًا من جهات:
الجهة الأولى/
أن الله كسر جماعة الإخوان المسلمين وأخزاهم بعد مكرهم وفسادهم وتحريفهم للدين، ومع ذلك لا يؤمَنون لأن عندهم تقية وهم يتقلبون كالحرباء .
وإن النفاق من الحزبيين سيكثر لقوة السنة وأهلها، كما كثر النفاق الأكبر في المدينة لما قويت دولة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لذا ينبغي التفطن لأمر وهو: عدم الاغترار بالرجل فيما أظهر من عمل وكلام طيب وثناء على الدولة.
فإن هذا ليس معيارًا وإنما المعيار الحقيقي السؤال عمن يجالس ومن هم أصحابه ، قال محمد بن عبيدالله الغلابي-وهو من علماء السلف-: كان يقال: يتكاتم أهل الأهواء كل شيء إلا التآلف والصحبة .أخرجه ابن بطة في الإبانة الكبرى.
وليس معنى هذا أن يصادم من يظهر ولاءه وتغيره، بل يقابل بالحسنى مع الحذر وعدم الاغترار به وبما ينقل من كلام وأخبار.
الجهة الثانية/
أن رموزهم الحركيين الحزبيين تساقطوا، وكلهم في نزول وسقوط، لكنهم يتفاوتون في قوة النزول ومنهم من سقط ومقته الناس، مع العلم أن الحركيين يحاولون إبراز رموز جديدة، وواجبنا تعرية هذه الرموز الجديدة والرد عليها بالحق قبل أن تظهر وتقوى ويفتن الناس بهم .
الجهة الثالثة/
أن كثيرًا من العامة تبصروا بأحوال الحركيين لاسيما بعد وجود الإعلام الحر ك ومقاطع اليوتيوب، وظهور كذب الحركيين المكشوف وخيانتهم في توريط شبابنا في أرض الفتن، ومما عراهم وقفة الدولة السعودية المباركة الوقفة الحازمة تجاه كثير من الدعاة والحركات حتى سجنت بعضهم.
وإني لأدعو -دعاء صدق- لمن لا يزال مصدقاً تنفير الحزبيين من دعاة السنة باسم الجامية أو غلاة الطاعة أو غير ذلك أن يتثبت ولا يقبل تهماً إلا بعد سماعها والتوثق منها ووزنها بميزان الشرع.
فكم افترى وكذب الحزبيون على دعاة السنة.
الجهة الرابعة/
تولية الدولة أناسًا صادقين في ولائهم لدينهم ثم لوطنهم -وهم على المنهج الذي أسست عليه هذه الدولة-، فبهذه الطريقة جففت منابع كثيرة من منابع دعاة الباطل .
وكم منّ الله بالخير علينا وعلى كثير من المسلمين بجهود هذه الدولة السعودية المباركة .
لذا الواجب على دعاة السنة أمور منها:
أولاً : شكر الله كثيرًا قال تعالى { وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} وقال {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ } ،
والاستعانة بالله مع ازدراء النفس {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} ،
ودعاؤه كثيرًا على الثبات على الحق، والنجاة من الفتن، قال زيد بن ثابت-رضي الله عنه- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" تعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن " أخرجه مسلم .
ثانيًا : الاجتهاد في العمل من تعلم العلم الشرعي ونشره، والجد في دعوة الناس للتوحيد والعبادات العملية والوعظ وغير ذلك؛ لئلا يحتاج الناس لدعاة الباطل الذين دخلوا عليهم من باب الوعظ وغيره .
ثالثًا: الصدق في إرادة الله والدار الآخرة { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} ، والتذكر- دائماً- أننا مسئولون عن الأمانة التي كلفنا بها .
رابعًا: الاجتهاد في التحذير من جماعة التبليغ، فإنها جماعة بدعية صوفية، وقد زاد نشاطهم حين غفل دعاة السنة عنهم لانشغالهم بالإخوان والتكفيريين مع أن التبليغيين الباب الأول لكثير من التكفيريين، ثم من الخطر على دين العامة أن طائفة من التبليغيين بدؤوا يشاركون في وسائل الإعلام ومن ذلك مقاطع اليوتيوب، بل بعضهم خرج في قناة بداية .
خامسًا: الحرص على التعاون والتكاتف إن تيسر {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}، وإلاّ فعلى الأقل ألا يتعادى ويتصادم دعاة الحق بحجج واهية من تلبيس شياطين الإنس والجن أو من النفس الأمارة بالسوء، وكثير منه بدافع الحسد، وحب العلو في الأرض ،والتنافس على ذلك وعلى الدنيا ، قال تعالى {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا}
وقال سبحانه في بيان حال أهل النار {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ . هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} وقال كعب بن مالك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه»أخرجه الترمذي وصححه.
قال الإمام سفيان الثوري: وإياك وحب الرياسة، فإن من الناس من تكون الرياسة أحب إليه من الذهب والفضة، وهو باب غامض لا يبصره إلا البصير من العلماء السماسرة . (الجرح والتعديل(1/ 88))
وكتب سفيان الثوري: الزهد في الرياسة أشد من الزهد في الدنيا. (الجرح والتعديل(1/ 89))
ومن أعظم أسباب الائتلاف التقوى وتركُ الحسد والعلو في الأرض، وأيضًا إحسان الظن، والتثبت والتواصل والتناصح مع المخطئ من السلفيين، وأيضًا وزن الخطأ بالدليل الشرعي ليعرف ما يحتمل وما لا يحتمل، وإذا كان مما لا يحتمل هل تقضي المصلحة العداء أم لا؟ وإذا لم تكن ذا علم فراجع العلماء لمعرفة حجم الخطأ والموقف منه وهكذا ...
وأخيرًا .
إننا بحمد الله نعيش نصرًا في دعوة السنة (السلفية) وفي نصر وعز لدولة التوحيد (السعودية) التي تكالب عليها الأعداء كأمريكا وروسيا وإيران، وبمعاونة من الإخوانيين والحركيين فزادتها هذه الفتن علوا وعزًا وقوة ، وهذا بفضل الله، ثم بنصرتها للتوحيد والسنة، ثم حكمة ولاتها وحنكتهم .
أسأل الله أن يعز التوحيد والسنة ومن عزهما ونصرهما، ويجعلنا من أنصارهما، ويعيذنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن .