كتب قرين سبان في مذكراته شارحاً أسباب هروب رؤوس الأموال العالمية إلى السوق المالية الأمريكية عند أي أزمة مالية ما معناه: «تتداول عشرات المليارات في الأسواق المالية الأمريكية بغمز طرفة عين أو بإشارة من أصبع أو كلمة بالصوت، فما ينكر الخاسر ولا الرابح، ويلتزم الجميع بتبعيات قراراتهم».
الثقة بالسوق المالية هي أعظم ممتلك يمكن أن تمتلكه أي دولة، من أجل شرفها الوطني ومن أجل اقتصادها وعملتها.
فضمان المتكاملة البنكي الذي لم يلتزم به البنك ولم تجبره الهيئات الرقابية ولم يؤد إلى إفلاس البنك وتصفيته، أعطى إشارة بأنه لا يجب الوثوق ببعض البنوك السعودية ولا في إيداع الأموال عندها ولا في شيكاتها ولا تعهُّداتها.
كما حكى هذا الضمان قصة المستقبل، فابتداءً من اليوم فإنّ كفالة صاحب بقالة أقوى من كفالة البنك. فصاحب البقالة والموظف الحكومي إذا كفلوا شخصاً ولم يلتزموا يُسحبون إلى السجون.
وأما البنك فيصدر ضماناً قانونياً واضحاً، ثم يتملّص منه وكأن شيئاً لم يكن.
وطريقة قرار تصفية المتكاملة دون شرح الأسباب وبدون محاكمة علنية وبتخصيص بعض الأسهم لبعض الملاّك دون بعض، أظهر بأنّ سوقنا المالية ما تزال تدار على طريقة حكم شيخ القبيلة. فشيخ القبيلة أبخص.
وحكم شيخ القبيلة قد يكون عادلاً في نهاية الأمر، إلاّ أن سلوم العشائر وأحكام شيوخ القبائل وما تحويه من ضبابية وسرية، تدمر الثقة بالسوق المالية وتفتح أوسع أبواب الفساد والفوضى فيه.
قد تكون المتكاملة استغلت نقاط ضعف في الأنظمة الموجودة، واستغلت ثقافة المعرفة الشخصية المتحكمة في بنوكنا. ثم استخدمت بعض الخبراء في تأسيس الشركات وبعض من الهندسة المالية ليمتلك المؤسسون شركة بالمليارات دون ان يدفعوا أي كاش يُذكر.
وهذا في حده «شطارة» ولا بأس به، بل الواجب فعله لمن يملك القدرة على هذه الشطارة طالما أنها قانونية وتؤدي إلى قيام شركات منتجة ، طالما أنّ هذه الشطارة لا تؤذي أحداً بغير حق.
وقد يكون قد ظهر لهيئة الاتصالات ما أقنعها بعدم جدوى المتكاملة، أو أنها مجرّد شركة هندسة أموال، أو أنها عاجزة تقنياً، أو أنها ستورط سوق الاتصالات السعودية مع غرماء أجانب، أو كذا وكذا.
لذا فإنها إن لم تُصفى اليوم فأنها ستصبح مشكلة أعظم وأكبر غداً.
وأنا شخصياً أميل لصحة فرضية أو أكثر من افتراضاتي السابقة - وذلك نابع من ثقتي بالمسئولين المتورطين في هذه القضية -، إلاّ أنني أعتقد بأنّ قرار التصفية لم يُنصف شركة المتكاملة من مؤسسين وملاّك وموظفين ودائنين.
وأن القرار قد ظلم السوق المالية السعودية جميعها وخاصة النظام البنكي.
فقرار التصفية حُكم. والحُكم لا يصدر إلاّ بعد ثبوت التهمة والتهمة لا تثبت إلاّ مع وجود الأدلة، وإلا انتشر الفساد.
وفي البلاد المتقدمة، حتى من هو متهم إلى حد اليقين بالجرم أو حتى بالإرهاب، لا يستطيعون القبض عليه حتى يجدوا عليه دليلاً ولو بالتلفيق.
لكنه تلفيق مُحكم، لا يسبب جرماً وإرهاباً أكبر، ويدين المتهم وليس بالعكس فيدين الشرطة.
والذي هو ظاهر اليوم بالأدلة من نشرة إصدار طرح المتكاملة، ومن المخاطبات الرسمية، أنّ هيئة الاتصالات قد أزعجها شيء ما - ذو شأن - عن المتكاملة ولا ينبغي أن يعرفه الناس، قد يكون حقاً وقد يكون غير ذلك. فبدأت هيئة الاتصالات تبحث عن طرق لإسقاط المتكاملة، فلجأت إلى الضمان البنكي كمدخل لها.
ويا ليتها لم تفعل. فعدم التزام البنك بالضمان سابقة خطيرة يجب أن لا يُقفل بابها، وأن يعاد فتحه والتحقيق فيه.
ولكن هذا لا يعفي البنك من أنه يجب أن يدفع مبلغ الضمان اليوم، ولو أنّ الشركة قد دفعته.
فهذا المبلغ يجب أن يكون تعويضاً عن خسائر الناس بما تسببه البنك في عدم الالتزام بالضمان.
ثم يوضع المبلغ في حساب مخصص لتعويض كل متورط في المتكاملة قد وقع عليه ضرر بسبب البنك أو بسبب سوء تدبير أي هيئة رقابية أو مكاتب قانونية ومحاسبية أجازت ما لا ينبغي له إجازته.
فالهيئات الرقابية والمكاتب الاستشارية المرخصة تأخذ أموالاً على عملها، فهي مسئولة بالتعويض للمتضررين غير المتخصصين الذين وكلوها بشكل مباشر أو غير مباشر، إذا أخطأت هذه الهيئات والمكاتب علمياً أو تجاوزوا حداً قانونياً في توثيق أو ترخيص.
والخلاصة أن قرار تصفية المتكاملة يجب أن يعتبر الضرر الذي أحدثه بالسوق المالية ويحاول تصحيحه.
كما أنه يجب أن يعتبر أن تعويض المكتتبين دون المؤسسين بتقديمهم في أولوية التصفية هو من الإِضرار لقانونية السوق المالية.
فالجميع له أولوية متساوية ثم القضاء يحتجز على أموال المتورطين في ذلك.
كما أن قرار التصفية غير منصف مالياً لهم، فهناك من اشترى السهم بأسعار مرتفعة من السوق وهناك من أضاع فرصاً بديلة.
ولا مانع أن يخسر الشخص كل شيء إن كان ذلك ناتجاً عن طبيعة التجارة التي تحمل احتمالية الربح والخسارة. ولكن أن يكون ناتجاً بسبب عدم أهلية الجهات الرقابية التي وكل إليها أمره، أو ارتجالية اتخاذ القرارات الحكومية، أو عنترة البنوك السعودية وتنطعها وأنها تسأل ولا تُسأل وتأخذ ولا تعطي وأنها فوق القانون، فهذه كلها تجارب جديدة لم يكن المتعاملون بالسوق يعلمونها من قبل، فيحق لهم هذه المرة تعويضهم.
وقد نتفق أنه من الآن وصاعداً، بأنه قد لا يكون معذوراً من تضيع حقوقه في السوق المالية السعودية مستقبلاً أو عند البنوك.
فقضية المتكاملة لم تترك عذراً لأي شخص يبني حساباته على الثقة بالسوق المالية السعودية ومنه النظام البنكي.