وا أسفي على هذه الكلمة ، كيف هجرت وحبست في مخيم الاستهزاء والمخالفة ،
فلم أعد أسمعها إلا من مخالف أو مفند للقول ومكذب ،
اشتقت لهذه الكلمة كثيراً ، وربما أنني في الواقع لا أستحقها ، ولكنه الشوق ،
فزرتها في المخيم وأجهدني البحث عنها في زحمة اللاجئين ، وتعالت الأصوات شكوى من سوء المعاملة وحقارة المخيم وعدم ملائمته لحرف واحد منها ،
أول من قابلت وأمسكت بثيابي كلمة كانت تعني الجدول الرقراق ، والدم الصافي الجاري في العروق ، ليوصل الحياة ، إنها كلمة المجاري !
هذه الكلمة التي لم يسء لها أحد منذ أن خلق الله الوجود حتى جاء عصرنا وأهينت ،
ووجهت بالاتهام للأمانة ، فقلت كأني رأيتها معكم هنا ، أليست هي تلك الواقفة خلفك ،
فتكلمت بمجرد أن سمعت سيرتها وقالت : لا أنا هنا منذ عقود ، والأمانة الآن مبنى كبير وله أمين وموظفين ومراجعين ، وأنا هنا في المخيم ...
ولاح لناظري كلمات كثيرة لم أتصور وجودها في الملجأ ، رأيت الخبير والمرشد والمصلح ، فصرفت نظري وناديت على من جئت من أجلها ، حبيبي يا حبيبي ، أين أنتِ ؟
قالت أنا هنا ، متعبة جداً ومشغولة بمداواة كلمات جديدة دخلت المخيم ، انظر هذه كرامة وهذه حرية وهذه سلمية ، ويقال - والله أعلم - أنه في حال استمرار مقاتلة الأخ لأخية في الوطن الواحد ، وتكبير المخالف على من خالفه ، ربما وإن شاء الله ما يكون حتى التكبير الذي هز حصون الكفار والملحدين يفقد كثيراً من معناه ويصبح للقسوة والغلظة والظلم والرضوخ لكيد الأعداء ، واستدركت وسألت : أنت ما الذي جاء بك يا حبيبي؟
عندها تنفست عميقاً وقلت فقط لأشعر بالفرق ، وأحمد الله على سماعك ، وربما أراك يوماً تعودين...