كان رجلا موهوبا بفطرته ومهندسا عبقريا وصاحب أشهر إذاعة شعبية هذا الرجل القصيمي الذي التحق بالجيش البريطاني ثم الفرنسي من هو وما هي قصته ..؟
وهذا ما سوف أسلط عليه الضوء في هذا الموضوع والذي استقيت بعض المعلومات من مطالعات قديمة في مجلة اليمامة وجريدة الرياض ..
هو طامي بن عبد الله العويد من بريدة بالقصيم من مواليد عام 1341هـ وأخذ شهرة واسعة جدا عندما قام بإنشاء إذاعة شعبية خاصة به .. تبث إرسالها من مقر سكنه بشقته بشارع الوزير بالرياض ..
كان والده وأخاه محمد يعملان في الغوص بالكويت ويعودان للقصيم بعد نهاية فترة الغوص .. إلا أنه بعد فترة توفي والده فسافر محمد للحجاز لدخول العسكرية ..
أما طامي فبعد أن ختم القرآن سافر إلى الرياض بسيارة شخص يدعى يعقوب بسيارته والتي ربما هي الوحيدة بالقصيم .. وقطع المسافة من القصيم للرياض في ثلاثة أيام .. في الرياض توظف في الضيافة الخاصة عند ابن جميعه .. وبعد شهرين استأذن لزيارة والدته في بريدة حيث سلمها راتب الشهرين فبكت من الفرحة ووجد أن إخوته قد سافروا لحائل فذهب لهم وأقنعهم بالعودة لوالدتهم .. والتحق بفرقة الهجانة فكان كثير التنقل و الترحال والعمل متعب وشاق وإنما كثيرا ما يلتقي بجماعته تجار العقيلات فيستضيفهم . ثم عمل معهم وذلك بالعمل بالأجر مع أحد أقاربه وكان تاجر جمال وغنم .. وفي أحد السفرات علم أن السوق في الأردن وفلسطين فيه كساد وفي عمّان حدث خلاف بينه وبين قريبه التاجر فتركه وبحث عن عمل ولم يجد فأنشأ محلا ولم يوفق و وجد أن الإنجليز يسجلون الجنود فقرر أن يلتحق مع القائد (أبوحنيك) وهو قائد الجيش الأردني .. فسجل اسمه ونجح في الاختبار الفني وطلبوا أن يأتي للتجنيد بعد 20 يوما فرفض لأنه يرغب العمل كفني وليس عسكريا . فقرر الذهاب لدمشق وكان السفر إليها يتم تهريبا .. وفي دمشق تقدم للجيش الفرنسي ونجح في اختبارهم بامتياز وأمضى شهرين في تدريب قاسي ومكثف وحدث بعد نهاية التدريب أن سقطت باريس في يد المحور فأنقسم الفرنسيون إلى قسمين قسم مع فرنسا الحرة والآخر مع فرنسا المحتلة .. وفر قسم فرنسا الحرة إلى الأردن ليلا .. وكان طامي مع فرقته في معسكر البرتزان رقم 1 بقيادة الضابط غازي الزويمل والملازم عبد الله الشعلان .. قامت القيادة الفرنسية بإبلاغهم القيام بمناورة حربية وتم نقلهم بثلاث لواري ليلا .. وفي الصباح كانوا على الحدود الأردنية فتم إنزالهم من السيارات وجاء أحد الضباط الفرنسيين وطالبهم بالركوب ودخول الأردن ولكن القائد العربي غازي الزويمل رفض وقال هذه خيانة وطنية .. وقرروا العودة إلى دمشق وفي الطريق اعترضهم الفرنسيون وقاموا باعتقالهم وسجنوهم في قرية عسكرية وحكم عليهم جميعا بالإعدام ..
وبعد أسبوع من الحكم عليه وبقية الفرقة بالإعدام وهم بانتظار تنفيذ الحكم فيهم دخل الفرنسيون التابعون لفرنسا الحرة لسوريا واحتلوا درعا والغزالة .. وعندما علم المندوب السامي بوضع الفرقة التي بها طامي أمر بإطلاق سراحهم وإعطائهم أسلحتهم لحرب الفرنسيين المعتدين وقامت الحرب بين الفرنسيين وقرر المجندون العرب بالاتفاق مع الدرك السوري محاربة الفرنسيين وقاموا بالهجوم عليهم فانتصروا عليهم فهرب الفرنسيون إلى لبنان ..
فتم الاحتفال بعيد النصر ودعيت الوفود العربية للمشاركة فشارك من المملكة العربية السعودية الأمير (الملك) فيصل بن عبد العزيز وأخوه الأمير منصور بن عبد العزيز .. وقابل طامي الأميرين وطلب منه الأمير منصور العودة للملكة وأمر على القنصلية تسهيل عودته وتزويده بالمال اللازم ولكن لم يشأ الله أن يتم ذلك ومكث في سوريا عدة سنوات قبل عودته للمملكة ..
وعندما عاد للمملكة توجه للعاصمة الرياض للبحث عن عمل فسكن مع جماعته الخراريز أمام ديوانية الإمام عبد الرحمن مما جعله يتعرف على الأمير احمد بن عبد الرحمن الذي كان يستمع إلى الأخبار من راديو يملكه طامي في العصر والمساء فيذهب الأمير أحمد للملك عبد العزيز ويبلغه بهذه الأخبار ..
وقد قابل طامي الملك عبد العزيز وقدم له هدية من ابتكاره وهي عبارة عن كرسي متحرك قابل للتطبيق وجهاز ريد فون طامي العجيب وتلفون هوائي ومنحه الملك مكفأة سخية تشجيعا له .. فالرجل كان صاحب موهبة وعبقرية فذة رغم قلة ذات اليد وقلة المعدات والأجهزة اللازمة .
كان الراديو ممنوع في الرياض وهو قد تشرب معرفة به وبهندسته فقرر السفر للحجاز ..
كان الأمير عبد الرحمن يعتزم الحج فتقدم طامي يطلب منه مرافقته فوافق بل وطلب منه أن يكون مرافقا له بسيارته .. واستغرقت الرحلة خمسة عشر يوما ..
وبعد الحج سمح سموه له بالبقاء بمكة وكلف صاحب الضيافة الشيخ عبد العزيز القنيعير بالسماح له بالبقاء حتى يستغني .. وفي مكة تمكن من فتح محل لإصلاح الراديو والتسجيل وهي أول ورشة في المملكة ولا توجد إلا ورشة البرقية ويديرها إبراهيم سلسلة . وكان مشروع الورشة ناجحا فقد توسعت وتم افتتاح فروع عديدة لها وتزوج بمكة ورزقه الله بثلاث بنات وولد أسماه سلمان . وفي عام 1380هـ عاد إلى الرياض ..
في عام 1381هـ كانت هناك حملات دعاية شرسة وحاقدة على المملكة من بعض الإذاعات العربية وهي أكاذيب وافتراءات بذيئة تثير السخط فعزم طامي على إنشاء إذاعة محلية للرد على تلك الافتراءات والدفاع عن الوطن وخدمة المجتمع . اشترى جهاز من حوش البرقية يحتاج للإصلاح .. وقام بإصلاحه وقام بتركيب هوائي على إحدى الأشجار في حي الفوطة بالرياض وقام بوضع شريط مسجل وأنطلق ليختبر قوة الإرسال حتى وصل ضرما ثم اتجه جنوبا حتى الخرج ووجد أن الإرسال ممتاز وبذا نجحت فكرة إنشاء محطة إذاعة وكان هناك من يحذر من إنشاء هذه الإذاعة ومن يراهن على عدم نجاحها .
وبعد أن تأكد طامي من نجاح فكرة إنشاء الإذاعة قام بكتابة خطاب للمسئولين للموافقة على إنشاء الإذاعة رسميا .. وبدعم من الشيخ عبد الله بن خميس فتم التجاوب وبعثوا بعض المهندسين لاختبار الإذاعة والتي ذهلوا مما وجدوه وأوصوا بالموافقة والدعم . وفعلا صدرت الموافقة السامية ومعها مكافأة مجزية له ..
بدأ البث بكلمة لسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز وتم التنسيق مع الشيخ عمر رئيس هيئة الأمر بالمعروف بتخصيص بعض الأوقات لبث محاضرات للوعظ والإرشاد .. ويتوقف البث في فترات الصلاة ..
وبدأت إذاعة طامي تبث إرسالها في منطقة الرياض ولاقت نجاحا وترحيبا كبيرا من الجميع فقد كانت اجتماعية يبث خلالها أخبار المجتمع وأقوال الصحف فور وصولها من المنطقة الغربية .. إلى جانب رسائل الشرطة والبلدية وأسعار المواد الغذائية .. ثم تم بث بعض الأغاني التي ساهم بها بعض المطربين عن طريق برنامج ما يطلبه المستمعون .. وكان الأهم هو التغطية و الرد على إذاعة صوت العرب والتي كانت تقدم برنامجا باسم ( أعداء الله ) وتم نقل أحداث المباراة النهائية بين فريقي الوحدة من مكة والهلال من الرياض عام 1381هـ من على ملعب الصائغ بالرياض .. كما يتم خلالها الإعلان عن المفقودات .. حتى أصبح مقر الإذاعة وهو سكن طامي مكان لاستلام وتسليم المفقودات ..
طبعا أمام هذا المشروع الناجح لا بد من وجود أعداء النجاح فقد تم رفع العديد من الشكاوي والاتهامات الكاذبة والتي لم يلتفت لها كثيرا لأن العمل يأخذ كل وقته ..
ولتطوير عمل الإذاعة قام طامي بزيارة للملك سعود بن عبد العزيز والذي رحب به وقدم له هدية عبارة عن سيارة جديدة ومبلغا كبيرا من المال .. واستأذن من الملك سعود بتوسيع نطاق الإرسال فوافق على ذلك بل وأمر عيد بن سالم بتسليمه الأجهزة التي يريدها .. وتم تسليمه مرسلتين جديدتين كما قام الأمير محمد بن سعود بتسليمه سكن خاص له .. وبدأت الإذاعة تبث عن طريق توسعة الإرسال الجديدة والتي بلغت مسافات طويلة ..
لم يكن هناك تمويل ثابت للإذاعة فقد كادت أن تتوقف عدة مرات رغم المكافآت التي يحصل عليها من ولاة الأمر .. وتشجيعا له قرر الأمير (الملك) فهد طرح إعلانات وزارة المعارف عن طريق الإذاعة بعد أن كانت مقتصرة على الصحف .. كما ان الأمير سلطان سمح له بإذاعة حفلات التخرج بوزارة الدفاع والطيران وأسماء الخرجين ويقدم له مقابل ذلك مكافآت سخية ..
كان طامي هو المعد وهو المذيع وهو كل شيء حتى ضم شخص لمساعدته اسمه أحمد كما استعان بحارس وفراش ..
ومن أطرف ما مر عليه عبر الإعلان عن المفقودات .. أن إمرأة فقدت بقرة لها ومضى ثلاث أيام ولم تجدها فيئست وأنتابها حزن شديد عليها وتم العثور عليها فتم إبلاغها ففرحت فرحا كبيرا وأقسمت أن تقبل يد طامي التي أعادت لها بقرتها الأثيرة .. وألح أبناءها عليه بأن يدعها تقبل يده لتبر بقسمها .
وكذلك شاهد من النافذة بداية حريق في أحد المستودعات فأعلن طامي عن الحريق بإذاعته فوصلت المطافي في الوقت المناسب .
وبعد ثلاثون شهرا من الإرسال المتواصل توقفت إذاعة طامي عن البث فقد تم افتتاح إذاعة الرياض ولم تعد الحاجة لهذه الإذاعة .. قامت الدولة بشراء أجهزة إذاعة طامي بمبلغ كبير من المال .
وقام الأمير سلمان بن عبد العزيز بتسليمه خطابين الأول بصرف مكافأة تقاعدية مجزية والآخر لوزارة الأعلام لتوظيفه في إذاعة الرياض .. ولكن لعدم حمله مؤهل علمي فلم يتم تعيينه على وظيفة في الشئون الهندسية حسب رغبته وإنما تم تعيينه في وظيفة لم تناسبه .. ولكنه استمر يعمل ويعمل من أجل الوطن ..