أرادوا إسماع صوتهم الهادر، والتأكيد على الهوية الإسلامية لبلادهم رغم حكمها العلماني، والتحذير من أنهم لن يقبلوا أي مساس بعقيدتهم، وأن دونها رقاب من يتطاول عليها، فانطلقوا في أضخم مظاهرة للمسلمين في تاريخ بنجلاديش، التي وبحسب مراقبون، قد تشهد ثورة إسلامية في القريب ردا على ما يتعرض له الإسلاميون من اضطهاد ممنهج.
المظاهرة التي تجاوز المشاركون فيها 1000000 شخص، انطلقت في العاصمة “دكا” بعد أن قرر العلماء فيما بينهم الخروج ضد الحكومة العلمانية مطالبين بتنفيذ حكم الإعدام ضد المدونين الذين أساءوا للنبي (صلى الله عليه وسلم) بكتاباتهم ورسوماتهم.
قرار تنظيم مليونية السبت 6 أبريل جاء بعد أن رفضت الحكومة الحالية محاسبة المدونين الذين كتبوا في مدوناتهم ضد الإسلام ورموزه وضد النبي (صلى الله عليه وسلم) وصوروه بأبشع الصور.
محاولات يائسة
وقد حاولت السلطات الأمنية إفشال المظاهرة فقامت على عجل بإغلاق كافة المنافذ البرية والبحرية إلى العاصمة، للحيلولة دون وصول عدد كبير من المدن الأخرى، لكن ورغم هذا التضييق وصل عدد كبير مشياً على الأقدام من المدن القريبة، ليكونوا مشاركين في مظاهرة هي الأكبر في تاريخ البلاد، بل وبحسب مراقبين هي المظاهرة الأضخم التي خرجت دفاعاً عن رسول الإسلام (صلى الله عليه وسلم).
ومن المعروف أن موقف الحكومة في التستر على مهاجمي الإسلام ورموزه، بل وتشجيعهم لم يكن مفاجئا، فقد عرفت هذه الحكومة العلمانية بعدائها الشديد لكل ما هو إسلامي.
عقوبة الإعدام
مطالب المشاركين في المظاهرة جاءت واضحة، ففيما بدت وأنها الفرصة الأخيرة للحكومة، جاءت دعواتهم لفرض قانون جديد للتجديف وإنزال عقوبة الإعدام بمن يسيئون إلى الإسلام ونبيه الكريم، متهمين السلطات بعدم التحرك بشكل كاف ضد “المدونين الملحدين”.
وكانت السلطات قد اعتقلت مؤخرا أربعة مدونين بتهمة إساءتهم إلى مشاعر المسلمين بسبب تدويناتهم، وذلك في محاولة منها لامتصاص غصب الجماعات الإسلامية التي أعلنت عن تنظيمها لتلك المظاهرة الحاشدة.
اضطرابات سابقة
وكانت “بنجلاديش” قد شهدت منذ أسابيع مضت إضرابات أمنية خطيرة، قتل على إثرها العشرات، خلال مواجهات بين الشرطة ومحتجين إسلاميين، بعد صدور حكم بإعدام الشيخ “دلاور حسين سعيدي” (73 عاما) وهو أحد كبار قادة حزب الجماعة الإسلامية المعارضة، وهو ما أدى إلى قيام مؤيديه بتنظيم مظاهرات احتجاجية، حاولت الشرطة تفريقها فاندلعت المواجهات أدت حتى الآن إلى مقتل 62 شخصا.
هذا الحكم سبقه حكمان آخران بالإعدام ضد رموز إسلامية تم محاكمتهم من قبل
المحكمة التي تشكلت للتحقيق في الانتهاكات التي ارتكبت، إبان حقبة الاستقلال عن باكستان عام 1971. وقد اعتبر مراقبون تلك الأحكام مسيسية وتأتي في سياق تصفية الحسابات القديمة مع الإسلاميين.
خلفية الصراع
معلوم أن باكستان قد انفصلت بشطريها عن الهند عام 1947م ومنذ ذلك التاريخ، بذلت الهند العلمانية، جهودا حثيثة للتحريض على انفصال باكستان الشرقية (البنغال) عن باكستان الغربية (الباكستان)، فكان أن أوجدت لها وكلاء بنغاليين، نجحوا في الترويج بين العامة، لمزاعم قيام السلطات الباكستانية بمعاملتهم بشكل مختلف عن الباكستانيين، وقد نجح المخطط الهندي، واندلعت حرب أهلية بين شطري باكستان، حتى انفصلت باكستان الشرقية، وأعلنت استقلالها في مارس 1971م تحت اسم “بنجلاديش”، وقد حظيت الحكومات العلمانية للدولة الوليدة بدعم الدول التي كانت تناصب المسلمين العداء.
وفي نفس العام تم اعتقال الآلاف من البنغاليين الذين وقفوا في صف الوحدة وعارضوا الإنفصال، وعلى رأسهم أعضاء الجماعة الإسلامية، لكن وبموجب اتفاق ثلاثي بين بنجلاديش وباكستان والهند، تم اطلاق سراحهم وأعلن العفو عن جميع المعارضين.
أسباب التربص
لكن عادت الحكومة رغم تبرأتها المتهمين لتثير القضية مجددا عام 2008 وبعد 42 عاما على الأحداث، وذلك لما رآه حزب “رابطة العوام” الحاكم، من تعاظم قوة الجماعة الإسلامية، وتضاعف نفوذها بين الناس، ويقينه أنها وبثقلها الشعبي باتت تشكل خطرا استراتيجيا عليه، وعلى الطابع العلماني للدولة.
ما يؤكد ذلك أن الحكومة البنغالية لم تتخذ قرارات ضد أشخاص بعينهم تتهمهم بارتكاب جرائم في الماضي لكنها حظرت على الإسلاميين بوجه عام أية ممارسة سياسية، ومنعت التعليم الإسلامي، واتخذت كافة الوسائل لإضعاف المعارضة الإسلامية في بلد يشكل فيه المسلمون أكثر من 85% من السكان، ويشكلون بتعدادهم 150 مليون، أي ثالث أكبر بلد مسلم في العالم بعد إندونيسيا وباكستان.