قصص - روايات - حكاياتلطرح القصص والروايات الخيالية و الحقيقه و الكتابات الخاصة " ذات العبرة و الفائدة ",
القصص والروايات قصص واقعية و روايات - قصص واقعية، قصص عربية، قصص أطفال، قصص حب، قصص غراميه، قصة قصيره، قصة طويلة قصص روايات ادربيه طويله قصص واقعيه قصص روايات قصص حب قصص رومانسيه روايات رومنسيه قصص واقعيه قصص و روايات حب ,
انكسار قلب 1
جَلَستُ انتظر المتقدمات للوظيفة كمتدربات للعمل في مشغل الخياطة
لفتت انتباهي بهدوئها الغريب وصوتها المنخفض الهامس وعيناها التي تحدقان في الأرض لا ترفعهما إلا لثوان لتعودان تنظران للأسفل من جديد
سمراء نحيلة الجسد دقيقة الجسم ضئيلة الوزن متوسطة الجمال
أكثر ما يلفت الانتباه إليها عينان سوداوان عميقتان سكن فيهما حزن عميق
لا بريق ولا حيوية في تلك العينين – تتحرك بهدوء وببطء
قدمت شهاداتها ويدها ترتعش خجلا – لم تتكلم جلست تنتظر جوابي والقلق واضح على حركاتها
شهاداتها كانت ممتازة وتقدير معلماتها كان مشجعا جدا
أحببت أن أتبسط معها في الحديث
سألتها: ما هو وضعك الاجتماعي ؟
رفعت عينيها لثوان إلى وجهي وأنزلتهما بسرعة : أنا بنت غير متزوجة
وظفتها في المشغل وصرت أراقبها لأعرف مدى نشاطها ودقتها في العمل
كانت تأخذ قطعة القماش لتنزوي بعيدا في احد أركان المشغل تحتضنها بين يديها بقوة لتغرز إبرتها في ذلك النسيج برقة كأنها تغرزها في قطعة من نسيج حي تخشى أن يؤلمه وخز الإبر
توالت الأيام ولم يتغير سلوكها لم تندمج مع البقية من الفتيات
لم تشاركهن الحديث أو الهمسات أو النكت
كانت تكتفي بابتسامة صغيرة باهتة على حديثهن وترجع إلى العمل في قطعة القماش بهدوء بالرغم من إتقانها للعمل إلا أن إنتاجها كان بطيئا جدا
واقبل علينا شهر رمضان الكريم وازداد ضغط العمل في المشغل وزادت ساعات العمل
فقامت الفتيات العاملات بترتيب برنامج عملهن على أن يتناولن وجبة السحور في المشغل
وتفنن البنات في أنواع الأطباق التي يحضرنها معهن في المشغل
ويقتطعن لهن دقائق بين زحمة العمل ليفرشن سماطا عليه ما لذ وطاب من الأطعمة يتحلقن حولها في ثرثرة نساء محببة تمتاز بخفة الدم والقفشات اللطيفة
ولكنها لم تكن تجلس معهن أو تأكل من طعامهن بل تنزوي في غرفة أخرى وبيدها طبق صغير مغطى بكيس نايلون سميك لا يُظهر ما يحتويه الطبق
وتبقى في تلك الغرفة تتناول طعامها الخاص بهدوء بعيدا عن الأعين لم تغرها أصناف الطعام وأشكاله الرائعة ورائحته الذكية على أن تغير تصرفها
شدني والفتيات هذا التصرف منها وأردنا أن نعرف ما هو هذا الطعام الخاص الذي تأبى أن نشاركها فيه
فانتظرت إحدى الفتيات حتى وجدتها قد دخلت دورة المياه
فأسرعت إلى الطبق المغطى تفتحه على عجالة لترى ما بداخله
وإذا بها ثلاث حبات سمبوسة صغيرة على خضار تدحرج وسط ذلك الطبق الصغير
تبادلنا النظرات بدهشة وأطبق علينا صمت عميق
أرجعت الطبق إلى مكانه
تلك الليلة لم نستطع أن نتبادل النكت خيم علينا حزن غريب
في الليلة التالية قمت بفتح طبقها للتأكد مما ساورني من شك
فوجدت نفس الطعام بنفس النوعية والكمية وتكرر الأمر على مدى ليال شهر رمضان
انتبهت إلى أنها لا تتزين أو تغير وتنوع في ملابسها كما تفعل الفتيات وتستعرض جمالها
قميصان وتنورة واحدة لا تتغير هو كل ما ارتدته خلال عملها معنا
في احد الأيام رحل الجميع وبقيت هي في المشغل لم يحضر من يرجعها للمنزل طلبت منها أن أقوم بإيصالها في طريقي رفضت في البداية
كررت الطلب لأني لابد أن أغلق المحل
وافقت على مضض وركبت إلى جانبي وهي تذوب خجلا
طلبت منها أن ترشد السائق لمكان سكنها أخذت تدله على الطريق خرجنا من منطقة البيوت الجميلة إلى حوار ضيقة وبيوت قديمة تغيرت ألوانها من تقادم السنين
كلما تقدمنا في تلك الشوارع كلما زاد انكماشها والتصاقها بباب السيارة
حتى طلبت من السائق أن يتوقف أمام دهليز ضيق في نهايته باب قديم مهترىء منخفض في الأرض وبيت آيل للسقوط تشتكي جوانبه من آثار الأيام والإهمال فيه
نزلت بسرعة من السيارة وأغلقت الباب بقوة وأسرعت إلى داخل ذلك المنزل دون أن تلتفت إلى الوراء أو تشكرني على إيصالها للمنزل
لم تحضر للعمل في اليوم الثاني ولا الأيام التي تلته
دام غيابها لأكثر من عشرة أيام
حاولت الاتصال بها ولكن الرقم الذي اعطتنيه مفصول من الخدمة
انشغل ذهني بأمرها كثيرا وقلقت عليها
حزمت أمري وقررت أن أزورها في منزلها بالرغم من معرفتي أن ذلك قد يحرجها
طرقت الباب وأنا اشعر برهبة في داخلي
فتحت الباب فتاة تشبهها ولكنها اصغر عمرا منها سألت عنها
أخبرتني بأنها مريضة تعاني من فقر دم شديد
دعتني للدخول
دخلت إلى منزلها دهليز صغير في إحدى جوانبه على الأرض حوض غسيل من الاسمنت به بعض الأطباق المتسخة
وصالة أسمنتية ضيقة مترين في مترين ونصف ومطبخ لا يوجد عليه باب بل ستارة باهتة الألوان يابسة تقطعت أجزاء منها
وغرفتان صغيرتان احداهما غرفة نوم للبنات والأخرى غرفة لاستقبال الضيوف
أدخلتني إلى غرفة الضيوف غرفة صغيرة يحيط بها فرش من إسفنج تغيرت ألوانه من القذارة وكثرة الاستخدام
وسجادة فقدت كل نعومتها وأصبحت تنافس الاسمنت من صلابتها
ورف غطاه الغبار تعتليه زهرية بها بعض زهرات من البلاستك تساقط اغلب أوراقها
جلست انتظرها دخلت تسندها أختها سلمت علي باستحياء والخجل مرتسم على ملامحها
سألتها عن أحوالها ، أجابتني بصوت هامس أنها أصبحت بخير بعد أن رأتني ،واعتذرت أنها لم تستطع إخباري لانقطاع حرارة الهاتف من بيتهم
لحظات ودخلت علينا امرأة في الأربعين من العمر ملامح الطيبة تلوح من محياها
رحبت بي كثيرا وشكرتني لسؤالي عن ابنة أختها
وأخذت تقص علي ما أخفته عني ابنة أختها
كيف ماتت أختها وزوجها في حادث سيارة تاركين خلفهم خمس بنات يتامى لا عم ولا أخ ولا مال يستندن عليه
غير خال فقير الحال يعمل حارسا في مستشفى متزوج ولديه أربع أطفال يقاسمهن لقمة أطفاله
حدثتني عن فقرهن وحاجتهن للمساعدة وسوء التغذية الذي يشكين منه
حدثتني عن هروب الخاطبين عندما يرون فقرهن وحالهن
كنت أتجنب النظر إليها أثناء حديث خالتها معي والتي كانت تسهب في التفاصيل
تفاصيل الليل الذي تقضيه هؤلاء الأخوات وهن يسامرن النجوم حيث لا تلفزيون ولا راديو يشاركهن السهر وهن يستمعن لأقل صوت أو هزة ريح تجعلهن يلتصقن ببعضهن طلبا للحماية والأمان
عن المكيف الذي توقف عن العمل منذ شهور بعد أن تعب واسلم الروح
وكيف يتبردن بهواء المروحة الحار الذي يصيبهن بمزيد من الخمول
عن وجبة الطعام المتواضعة الخالية من اللحوم الواحدة التي يعشن عليها طول يومهن
عن محاولتهن الحصول على عمل وفشل هذه المحاولات بسبب أمراضهن التي تجعلهن لا يستطعن الاستمرار في العمل
دخلت علينا الأخت الثالثة بطبق فيه برتقالة قامت بتقشيرها وتقطيعها إلى قطع صغيرة مع بعض حبات عنب ذابلة وحبة بسكوت من الواضح أنهن كن يدخرنها لضيف عزيز بعد أن حصلن عليها كبركة من احد المجالس الحسينية
كان كلامها سكاكين تخترق قلبي لم أتمالك نفسي تسابقت الدموع بالانهمار من عيني
من بين تلك الدموع نظرت إليها
لا أجد كلمة يمكن أن تصف حالها ، تصف حزنها وعزة نفسها التي قامت خالتها بتمزيقها بين يدي
شعورها بالوحدة في هذا العالم الواسع باليأس من غد مشرق قد يحمل أملا أو ينير طريقا
كل ما رأيته هو انكسار قلب