زراعة أعضاء الحيوان في جسم الإنسان بين التحليل والتحريم
الجمعة, 8 مايو 2009
عمر المصباحي - محمد حفني- طالب الذبياني - جدة - القاهرة - مكة المكرمة
نفى مفتي مصر الدكتور على جمعة أن يكون أفتى بجواز نقل أعضاء الحيوان إلى جسم الإنسان وهي الفتوى التي نسبتها إليه بعض الصحف المصرية، لكنه أشار إلى أن هذا الموضوع ورد في دراسة للدكتور مصطفى عبد الكريم الأستاذ بجامعة الأزهر وينظره حالياً مجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر. وكان عبد الكريم قد تقدم بدراسة تجيز نقل أعضاء الحيوان إلى الإنسان من أجل التداوي لعموم الأدلة الدالة على مشروعيته، حيث أكد في دراسته أنه يجوز استعمال عضو الحيوان أو جزء منه لإنقاذ حياة مريض أو المساعدة على شفائه، حتى لو كان هذا الحيوان خنزيراً، لكن بشروط، مشيراً إلى أن التداوي بأعضاء الحيوان مباح كالتداوي بسائر المباحات، وقال: إن التداوي بالنجس مثل الخنزير لابد فيه من تحقق شرطين، الأول الضرورة أو الحاجة إلى التداوي بهذا النجس بشهادة الأطباء المختصين، والثاني أن لا يوجد ما يقوم مقامه من عضو طاهر.
ويوافق على هذه الرؤية الدكتور سعود الفنيسان عميد كلية الشريعة في جامعة الإمام محمد بن سعود سابقا، ويؤكد جواز نقل أعضاء من الحيوان -حتى ولو كان خنزيراً- إلى جسم الإنسان، ويقول: في حالة ثبت علمياً أن نقل الأعضاء من الحيوان إلى الإنسان هو وسيلة من وسائل العلاج فهذا جائز لأن الضرورات تبيح المحظورات، ثم أن حياة الإنسان مقدمة على حياة الحيوان، الذي خلق للتيسير على الإنسان، فلا مانع من نقل أعضائه للإنسان، فإذا استدعت الضرورة نقل أي جزء من الحيوان، حتى ولو كانت تلك الحيوانات شديدة النجاسة مثل الخنزير فلا مانع من نقل أعضائها إذا لم يوجد بديل أو كان العضو الموجود في الخنزير هو الأنسب من بين الأعضاء لنقلها للإنسان فلا شيء في ذلك.
إباحة المحظور للضرورة
وعلى ذات النسق يسير الدكتور عبد المعطى بيومي العميد السابق لكلية أصول الدين بجامعة الأزهر حيث يرى أن نقل الأعضاء من الحيوان إلى الإنسان جائز شرعاً، شرط أن يكون هذا الحيوان طاهر وغير نجس، وفى هذه الحالة يمكن الانتفاع من سنه أو عظمه أو جلده أو سائر أعضائه كالقلب والكبد والكلى وغير ذلك، ويستثنى من ذلك الخنزير، فهو نجس العين بكل أعضائه من شعره ولحمه وكل ما فيه ولا يجوز استخدام شيء منه للجسم البشرى، ولكن في حالة الضرورة إذا تعلقت حياة الإنسان باستبدال عضو من أعضائه بعضو من الخنزير جاز ذلك للضرورة إعمالاً للقاعدة الشرعية (الضرورات تبيح المحظورات) ولقوله تعالى «فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم» ومعنى الضرورة أن تتوقف حياة المريض على عضو الخنزير، فإذا كان من الممكن استبدال عضو آخر من غير الخنزير بالعضو الآدمي فإنه يحرم استبدال عضو الآدمي بعضو الخنزير، وإذا لم تتوقف حياة الشخص بحيث لا تكون معرضة للهلاك المحقق فلا يحل استبدال عضو الآدمي بعضو الخنزير لقوله صلى الله عليه وسلم: «ما جعل الله شفاء أمتي فيما حرم عليها»، أما في غير الضرورة فإن استبدال الأعضاء البشرية بأعضاء الخنزير محرمة قياساً على تحريم أكله.
اشتراط عدم النجاسة
وبدوره يرى الشيخ جمال قطب رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر أنه لا مانع من نقل أعضاء الحيوانات التي تؤكل إلى جسم الإنسان عدا الحيوانات ذات المخالب والأظافر، وإن كان يرفض بشكل قاطع الانتفاع بأي عضو من أعضاء الخنزير. ويقول: هذا غير جائز شرعاً لسببين: الأول أن الخنزير نجس العين بمعنى أن كل عضو فيه هو قطعة من النجاسة لا يجوز استخدامه في أي غرض من الأغراض، والسبب الثاني أن الأطباء قرروا أن نقل عضو من حيوان إلى إنسان يؤدى إلى التأثير في طباع الإنسان وتصرفاته وحركاته بما يتلاءم مع هذا العضو، فقد أجريت تجربة لنقل كلية قرد إلى إنسان وبعد فترة تغيرت أفعاله وحركاته وصار يميل في تصرفاته إلى تصرفات القرود. فالعضو وكما أكدت المؤتمرات الطبية والعلمية يؤثر في الجسم ولا يكون قاصراً على وظيفته الأساسية التي يقوم بها، وفى حالة الاستعانة بأعضاء الخنازير فإنه سيحدث أن تنتقل إلى الإنسان صفات الخنزير وحركاته وهى صفات فيها من الدناءة والخسة مما جعل الشرع يحرم أكله حتى لا تنتقل عن طريق الطعام، ومن الأولى علينا أن نمنع نقل الأعضاء لأنها تؤثر على البدن أكثر من تأثير الأكل.
ويختم قطب قائلاً: الإنسان طاهر والخنزير نجس فلا يجوز أن نعالج الإنسان بالنجاسة كما لا يجوز أن نضيف إلى الإنسان الذي كرمه الله وطهره ما هو نجس العين، لأن الله سبحانه وتعالى قد حرم لحم الخنزير، وأعضاؤه جزء من لحمه وهى محرمة ولا يجوز استعمالها في الجسد البشرى.
خطورة انتقال الميكروبات
وطبياً يحذر الدكتور عمر خيرت أستاذ الجهاز الهضمي بجامعة الأزهر من احتمال انتقال عدوى في حالة نقل أجزاء من جسم الحيوان إلى الإنسان بدون أن ندرى، كما هو الحال في عدوى الالتهاب الرئوي الحاد المعروف باسم بفيروس (سارس) القاتل، كذلك مرض الحمى القلاعية وهو مرض فيروسي شديد العدوى يصيب الحيوانات مثل الأبقار والأغنام والماعز، ويقول: من أكبر الإخطار التي سوف يواجهها المريض اكتسابه لفيروسات حيوانية توجد داخل الأعضاء المزروعة أو في أنسجتها ويحتمل انتقالها لأشخاص آخرين عن طريق العدوى، كما نخشى خلط بعض الخلايا ببعض وتأثير بعضها على الآخر. وختم خيرت بالقول: هناك مخاوف من عملية نقل الأعضاء الحيوانية لزراعتها في جسم الإنسان، خاصة بعد أن غدت ممهدة الطريق في عدد من بلدان العالم، حيث نجح علماء من سويسرا في استخدام أعضاء الخنازير بديلاً للأعضاء البشرية في الجراحات وذلك بعد إخضاع الخنازير لمعالجات تعتمد على الهندسة الوراثية.
تحفظ على الخنازير
من جانبه يقول الدكتور عبد الوهاب نور ولي الأمين العام المساعد السابق للندوة العالمية للشباب الإسلامي: لا مانع من نقل الأعضاء من الحيوان للإنسان إذا كان هناك جزء متعطل بجسم الإنسان ولا يمكن علاجه إلا عن طريق أعضاء الحيوان، فلا مانع من استخدامه للبشر، فالله سبحانه وتعالى سخَّر هذا الكون للإنسان، فمعرفة استخدام وتسخير هذا الكون للإنسان هي من توفيق الله سبحانه وتعالى، فإذا كان العضو متوافقاً ولم يُرفَض من قبل جسم الإنسان فهذا جيد جداً، ولو تأكد نجاح ذلك فسوف يوفر الشيء الكثير، فالمشاكل التي تحدث أحياناً تؤدي لوفاة الإنسان، فحياة الإنسان مهمة وهي فوق كل شيء، وعند إيجادنا لأي شيء مهم لحياة الإنسان أعتقد بجواز استخدامه لأنه من المهم جداً المحافظة على حياة الإنسان سواء بنقل الأعضاء له أو استخدام التقنيات الجديدة. فأي شيء يصب في مصلحة البشر فلا مانع من استخدامه إذا كان فيه توافق شرعي، مع تحفظي على استخدام منتجات بعض الحيوانات النجسة كالخنزير.
تسخير الكون للإنسان
ويوضح الدكتور محمد عمر بادحدح استشاري الجراحة بمستشفى الملك فهد بجدة أن الجسم البشري في أغلب الأحيان يرفض أي شيء غريب عنه، فإذا كان هناك إمكانية لزرع أعضاء الحيوانات في الإنسان فإنها سوف تكون نفعا كبيرا للإنسان وستحل مشاكل كبيرة جداً ومؤرقة للمرضى، لكن كثيراً من التجارب اصطدمت بمشكلة الفشل ورفض الجسم البشري للجسم الغريب، فالتقبل يكون بنسب ضعيفة كما هو في نقل الكلى، إذ لا بد من التطابق في المواصفات والأنسجة، ومع هذا قد لا تنجح العملية، فالمشكلة التي نواجهها هي في تقبُّل الجسم البشري للعضو الحيواني أو الخلية الحيوانية كونها من جنس مختلف فتوجد هنا الصعوبة. هناك تجارب كنقل خلايا البنكرياس التي بالإمكان أن تخرج الانسولين لكنها ما زالت تحت التجربة. فأنا أتصور أنه لو نجح شيء من هذه التجارب فلا حرج طالما أن هناك مصلحة راجحة، فلو أن هناك إنسانا مريضا يعاني ووجد علاجه في نقل أعضاء الحيوان فليست هناك مشكلة. فنحن نستفيد من الحيوان في أكلنا وشربنا ولا مانع من أن يستفيد الإنسان من أعضاء الحيوان لعلاج مرض أو تنشيط عضو غير عامل أو استبدال عضو عامل مكان عضو فاشل، فلا شك أنه سوف يحقق نقلة كبيرة في عالم الطب وتخفيف معاناة المرضى والمصابين. وختم با دحدح بالقول: إذا أمكن استخدام أعضاء الحيوانات المحرم أكلها كالسباع وغيرها فلا أرى أن هناك مشكلة في استخدامها، فكثير من البشر يعانون من الفشل الكلوي وأمراض العين وغيرها، فإذا أمكن نقل أعضائها فإنه سوف يكون نفعا كبيرا للبشرية، فالإنسان أعز وأكرم ما خلق الله في الكون، والأرض جميعها مسخَّرة للإنسان، ماؤها وأرضها وجوها ونباتها وحيوانها، فإذا استفاد الإنسان من ذلك في صحته وعلاجه فهذا شيء محمود ومقبول