لفهم طبيعة الصلة بين اسعار الدولار و اسعار البترول قد يكون من المفيد أولا تذكر الحقائق التالية:
النفط يتم تسعيره دائما بالدولار الأمريكي. كل النفط في أي مكان في العالم الآن يتم تسعيره بالدولار و لكن بعض الدول تشترط أن تسلم العائدات باليورو. تسلم العائدات باليورو لا يعني أبدا تسعير البترول باليورو، ولايوجد نفط في العالم الآن يتم تسعيره باليورو. أغلب البلدان تسلم عائدات النفط بالدولار الأمريكي. شركات النفط الدولية تستثمر في دول متنوعة، و هذا يعني أن تكاليفها تكون بالدولار الأمريكي أو بعملات أخرى، في نفس الوقت الذي تبيع فيه بترولها في الأسواق الدولية بالدولار. أحد أسباب انخفاض قيمة العملة الأمريكية هو زيادة العجز في الميزان التجاري الأمريكي. بمعنى أن زيادة الفرق بين الصادرات و الواردات يؤدي الى تخفيض الدولار.
أثر انخفاض سعر صرف الدولار على المدى القريب يختلف عن تأثير انخفاضه على المدى البعيد اختلافاً جذرياً، ولكن كلا منهما يسبب ارتفاع سعر البترول. فانخفاض سعر صرف الدولار الأمريكي على المدى القصير يساعد على زيادة المضاربات في أسواق البترول الآجلة، و يرفع الطلب على النفط الأمر الذي يرفع أسعاره، و يضاعف عجز ميزان المدفوعات الأمريكي، و ذلك يؤدي بدوره إلى تخفيض سعر صرف الدولار، وهكذا دواليك.
و ترجع زيادة المضاربات في النفط في هذه الحالة إلى أسباب متعددة منها أن انخفاض سعر العملة الأمريكية يجعل أي سلعة مقيمة بالدولار الأمريكي أقل كلفة، مما يعني أن عائدها أعلى من الخيارات الأخرى. و منها أيضا أن خفض سعر العملة الأمريكية يتبعه انخفاض في أسعار الفائدة، و ذلك يجعل الطرق الاستثمارية المرتبطة بسعر الفائدة أقل جاذبية للمستثمرين. و هناك عوامل أخرى أدت في الفترة الأخيرة الى زيادة المضاربات في بورصات البترول منها أزمة الرهن العقاري التي جعلت المستثمرين يحجمون عن الاستثمار في القطاع العقاري و قطاع المصارف الممول للسوق العقاري.
ما هو تأثير خفض قيمة العملة الأمريكية على المدى الطويل؟
حيث أن النفط يتم تسعيره بالدولار الأمريكي، ، فإن انخفاض قيمة العملة الأمريكية يؤدي إلى خفض الطاقة الإنتاجية و زيادة الطلب على النفط. انخفاض الإنتاج و زيادة الطلب يؤديان إلى ازدياد أسعار البترول.
مثلا خفض سعر صرف الدولار الأمريكي يخفض القيمة الشرائية لصادرات البترول، الأمر الذي يخفض الاستثمارات في مجال انلاستكشاف و البحث و الصيانة، و بالتالي خفض الطاقة الإنتاجية عما ستكون عليه لو كان قيمة الدولار عاليا.
في الطلب: انخفاض الدولار يسبب ازدياد الطلب على البترول في البلدان التي ترتفع سعر عملاتها بالنسبة الى الدولار لأن النفط يكون أقل كلفة في هذه الحالة. فمثلا، إذا كان قيمة الدولار يعادل اليورو، وكان سعر النفط 100 دولار ، فإن سعر النفط يساوي 100 يورو أيضاً. فإذا انخفض سعر الدولار الأمريكي وأصبح اليورو يعادل 2 دولار و بقي سعر البترول كما هو، فإن سعر النفط سيكون 50 يورو فقط. بالنسبة الدول المتعاملة باليورو انخفضت أسعار النفط بمقدار النصف بسبب خفض قيمة العملة الأمريكية.
أما ما حدث في أمريكا فإن خفض سعر صرف الدولار ساعد ، ضمن عوامل عديدة أخرى، في زيادة الطلب على النفط. فقد نتج عن انخفاض الدولار الأمريكي ارتفاع كلفة العطلات في أوروبا، الأمر الذي اضطر الكثير من العائلات الأمريكية على قضاء الإجازات في االولايات المتحدة حيث سافروا بسياراتهم العائلية المشهورة باستهلاكها الكبير للبنزين، الأمر الذي ساعد على زيادة الطلب عليه.
بناء على ماسبق فإنه يمكن القول إن السياسات الأمريكية المالية التي تدعم دولار ضعيف أسهمت، ومازالت و ستظل في رفع أسعار النفط. وإذا قرر أحد لوم الولايات المتحدة على سياساتها فإن هذا الأمر يعني أن ضعف الدولار هو صفة "قوة" وليس ضعف ! المصدر