تعويد الأطفال على تحمل مسؤولية شراء احتياجاتهم يجعلهم أكثر فهماً لظروف الحياة
إعداد- سحر الشريدي
يعتبر مصروف الأبناء من بين الموضوعات الأكثر أهمية والأعلى حساسية في الأسر؛ لأنّه يحتاج إلى طرق اجتماعية ونفسية مقرونة بالحكمة والنظرة البعيدة في التعامل مع الأبناء عند منحهم مصروفهم، وتزداد حساسية الموضوع عندما يرى الأب أنّ منح الأبناء مصروفاً كبيراً، يحفزهم على المذاكرة والاجتهاد في مدارسهم، ويمنعهم ذلك من التعرض لمواقف محرجة أمام زملائهم، على الرغم من أنّهم يوقنون أنّ المصروف الزائد عن احتياجات الابن قد يكون عامل إفساد يدفع الابن لاتباع وارتكاب سلوكيات مشينة، وفي المقابل يعتقد بعض الآباء أنّ منح الأبناء مصروفاً محدوداً قد يحميهم من الأخطار المحدقة بهم، ولكنهم في الوقت نفسه يخشون أن يشعر الصغار بنوع من الحرمان؛ لقلة المصروف مقارنة بغيرهم من الطلاب.
ويعتبر المصروف في أيدي الأبناء نعمة ونقمة في آن واحد!؛ فبعضهم يدخره وربما يستثمره بطريقة تجعله يشعر بلذة هذا المال الذي بيده، خلافاً عن غيره الذي يصرف كل ما لديه ولا يبالي، فيما هناك من يحرص على أن يصرف منه بحذر، كما يؤثر مصروف الأبناء سلباً وإيجاباً على الطفل؛ مما قد يجعله شخصية مترفة، مبذرة، غير مبالية بما تملك، وغير محببة ممن حوله؛ بسبب تصرفات تظهر في شخصيته، أو أن تتكون في شخصيته الحكمة، والقدرة على تدبير الأمور، والتصرف بحنكة وتروٍّ؛ مما ينعكس على مستقبل الابن.
كثرة المال قد ينتهي بهم إلى «الدلع» ونادراً ما يكون في «الحصالة»
تأثير إيجابي
وأوضحت "د.ألفت شوقي" -أستاذة بكلية التربية والعلوم بجامعة الطائف- أنّ للمصروفات تأثيرا على الأبناء سلباً وإيجاباً؛ فمن إيجابيات إعطاء المصروف للطفل أنّه يسمح له بأن يتعامل مع أشخاص خارج الأسرة، معتبرةً ذلك خطوة هامة في النمو النفسي والاجتماعي يجب تشجيعها، إلى جانب تعويد الطفل من خلال التصرف بمصروفه على مفهوم الأخذ والعطاء، والحقوق والواجبات، والملكية الخاصة، مشيرةً الى أنّ الطفل الذي يذهب إلى المحل ليشتري من مصروفه الخاص قطعة حلوى أو لعبة، يدخل في علاقة اجتماعية هامة؛ إذ عليه أن يبتاع من المحل ويدفع ثمن ما اشتراه، ويجري عملية حسابية هي الأولى من نوعها في حياته، حيث يقارن ثمن السلعة التي يريد شراءها بالمبلغ الذي لديه، ويصل إلى اتخاذ قرار بشراء السلعة أو عدم شرائها، ويحسب المبلغ الذي سيبقى له إذا ما اشترى السلعة أو المبلغ الذي يحتاجه زيادة على مصروفه لشرائها، إلى غير ذلك من العمليات الحسابية التي ما كان له أن يدركها لولا ممارسته الواقعية لهذا الموقف.
شعور بالنقص
وقالت إنّ المصروف يتيح له أن تكون له أشياؤه الخاصة به، وعليه صيانتها، وبذلك يميز بين ما له وما للآخرين، مؤكّدةً على أنّ الوالدين ملزمان بعدم المبالغة في إعطاء الطفل للمصروف إلى درجة تدفعه للأنانية وجشع التملك، معتبرةً أنّ توفير حاجات الطفل، وتلبية طلباته المعقولة، والتي من ضمنها منحه مصروفاً خاصاً به، له حرية التصرف في إنفاقه؛ يساعد الوالدين في تنشئته على عزة النفس، وهذا الخلق لا يمكن أن يترسخ في نفس الطفل وهو يعاني الحرمان ويشعر بالنقص تجاه الآخرين، منوّهةً أنّ هناك عددا من السلبيات في إعطاء الطفل مصروفاً غير مناسب منها؛ أنّ الطفل الذي يأخذ مصروفاً أقل بكثير من متطلباته -خاصة إذا كان وسط مجموعة من أقرانه يختلفون عنه في الوسط الاجتماعي والاقتصادي- قد يلجأ إلى أساليب غير مشروعة لتلبية رغباته، أو للظهور أمام أقرانه بالمظهر اللائق، مشيرةً إلى أنّ شعور الحرمان الذي يشعر به الطفل، شعور قاس، يحاول جاهداً أن يدفعه عن نفسه، فقد يلجأ مثلاً إلى الكذب على زملائه؛ بغرض أن ينفي عن نفسه ما يشعر به من عوز وحاجة كما قد يلجأ إلى السرقة لامتلاك أشياء ضرورية بالنسبة له، وقد يلجأ إلى الاستيلاء على حاجة الآخرين، إن كان له القدرة على ذلك.
د.أُلفت: منح الإبن مصروفاً خطوة هامة في النمو النفسي والاجتماعي
المجتمع المحيط
وأضافت أنّه من الضروري حرص الوالدين على وجود طفلهم في محيط طلابي قريب من مستواه، فإن ذلك يساعد على نشأته نشأة صحية سليمة، بعيداً عن المشاعر السلبية التي تؤثر على نفسيته بالسلب، وتصيبه ببعض المشكلات النفسية، والتي قد لا يدركها الوالدان، وقد يكون سببها الوالدان؛ لأنّهما دفعا طفلهما للعيش في محيط مرتفع كثيراً من الناحية المادية عن محيط ومستوى طفله، فالتقارب في المستوى المادي بين الزملاء مطلوب خصوصاً في المراحل الأولى للطفل، والتي لا يدرك فيها الطفل تلك الفروق الاجتماعية، مبيّنةً أنّ المصروف القليل الذي لا يكاد يفي بحاجات الطفل، يعد دافعاً له نحو السلوك المنحرف، فإنه وبالدرجة نفسها يمثل إعطاء الطفل مصروفاً زائداً عن الحد أحد أهم عوامل الانحراف السلوكي للطفل، حيث يعوده على الإسراف، واللامبالاة، وعدم تقدير أهمية المال، أو تقدير قيمته، كما يشعره بالتميز الكبير عن زملائه، ويولد لديه إحساساً بالتباين والفرق الواضح؛ مما يدفعه لسلوكيات سلبية، تجعله يشعر بالزهو والافتخار، وكل هذه الأمور ليست في مصلحته، وإن كبرت معه، فسوف نجد شخصيته غير سوية، وغير محبوبة من المحيطين.
حرمان من المصروف
وأشارت إلى ضرورة متابعة الوالدين لأبنائهما في كيفية تصرفهم في مصروفهم ولكن بطريقة غير مباشرة، وهي عن طريق التوجيه غير المباشر بإرشادهم في تدبير شؤونهم المادية، حتى لا ينحرفوا عن المسار الصحيح في الإنفاق، ويتم ذلك بالتفاهم معهم كل حسب المرحلة السنية التي يمر بها فيوجه الأطفال إلى الإنفاق فيما يفيدهم كشراء الأغذية المغلفة من مقصف المدرسة، أو الادخار لشراء لعبة يرغبون في اقتنائها، كذلك يوجه الأبناء في مرحلة المراهقة إلى ضرورة وضع خطط طويلة الأمد ووضع أولويات للصرف حتى يتمكنوا من تحقيق أهدافهم، منوهةً بأهمية حثهم على تخصيص جزء ولو كان يسيراً من المصروف لأعمال الخير؛ ليدرك الطفل منذ الصغر معنى البذل، والعطاء، والتكافل الاجتماعي، موضحةً أنّ هناك من الآباء من يلجأ إلى حرمان الطفل من المصروف كوسيلة للتقليل من التبذير، معتبرةً أنّها وسيلة غير مجدية، مؤكّدةً على إعطاء الطفل المصروف المناسب للمرحلة العمرية التي يمر بها، ويكون مناسباً للمستوى الاجتماعي والاقتصادي لمجموعة أصدقائه في المدرسة، وتعويده على عدم التبذير، كما أنّ حرمان الطفل من المصروف كعقاب للتبذير ممكن أن يؤدي به إلى أفعال غير مقبولة؛ كأن يأخذ من أصدقائه إما بطلب ذلك ودياً أو عن طريق القوة، أو يؤدي به إلى السرقة من أصدقائه، أو الوالدين، أو الأشقاء، وسيختلف رد فعل كل طفل حسب سلوكه.
كفاية الإنفاق
وأشار إلى عدد من الأمور التي لابد للوالدين الاخذ بها عند تحديد مصروف الأولاد في الصغر؛ منها احتساب الأجر عندالله تعالى بالنفقة على الأولاد، حيث أنَّها من أعظم أوجه القربات عند الله تعالى، كما أنَّ نفقة الأولاد واجبة على الأب، وأنه يختص بها، لا تشاركه الأم فيها ولا غيرها، والنفقة على الأولاد بقدر الوسع والطاقة، مبيّناً أنّ هناك بعض الأساسيات التي لابد أن تراعي في مصروف الأولاد، فمن الواجب على الأب أن ينفق عليهم بقدر كفايتهم - أي يعطيهم ما يكفيهم -، وأن يكون الإنفاق بقدر الحاجة وهنا يفرق بين الإنفاق على الطفل في مراحل الدراسة الدنيا وبين الولد ابناً كان أو بنتاً في مراحل الدراسة العليا؛ من حيث الاحتياجات المختلفة، ويفرق في الإنفاق على الطفل ذي الاحتياجات الخاصة والطفل السوي.
وقال: إنّ من أهم ما ينبغي مراعاته أن يكون المصروف للطفل مقنناً حسب احتياجاته لا حسب رغباته غير الموزونة؛ كالتقليد لزملائه الآخرين الذين لم يزن آباؤهم النفقة بميزانٍ صحيح، وأن لا تكون النفقة تعوَّد الطفل على الإسراف والبذخ، وكما ينبغي ألا يكون فيه إجحاف بحاجته الكافية، بمعنى ألا تقتصر النفقة عليه عن احتياجاته الفعلية من حيث التغذية في المدرسة أو توفير المتطلبات الدراسية بما يتناسب مع قدرة الأب المالية، مشيراً إلى أنّ لكل أسرة ظروفها ووضعها وأسسها في إدارتها المالية، وتعزيز قيمة الاستقلالية، كما أنَّه من الممكن استخدام الحرمان الجزئي لا الكلي من المصروف في حال عدم إحسانه التصرف؛ لأنّ الحرمان الكلي يؤدي إلى سلوكيات خاطئة يجب وقاية الطفل منها، وينبغي استخدام هذا الأسلوب من الحرمان بعد التنبيه والإرشاد والتدرج في التعليم ويسبقه اتفاقٌ مسبق، لكي يكون الولد على علمٍ به ولا يتفاجأ باتخاذه تجاه مصروفه، وليكن الهدف منه معلوماً وهو تقويم عملية الصرف لديه.