من الواضح أن هناك ترددا وتخوفا من فتح سوق الأسهم السعودية أمام الأجانب، حيث وردت تصريحات رسمية وشبه رسمية عدة تشير بشكل أو آخر إلى أن هناك توجهات من قبل هيئة السوق المالية للسماح للأجانب بتملك الأسهم السعودية. لكن ما سبب عدم حدوث ذلك حتى الآن؟ هناك من يعتقد أن المسألة قانونية في المقام الأول، وأن هيئة السوق المالية تحتاج إلى موافقة جهات أخرى، وهناك من يعتقد أن هناك مخاوف تفرض نفسها على مستويات عديدة، كالأمن الوطني والمكانة الإسلامية للمملكة، ووجود قطاعات استراتيجية وحيوية،بل حتى الخصوصية الاجتماعية السعودية لها دور في ذلك. وعلى الرغم من حقيقة هذه التخوفات، إلا أن هناك حلولا كثيرة يمكن الاستفادة منها في سبيل فتح سوقي الأسهم والسندات للاستثمار الأجنبي، بالشكل الذي يحقق الفوائد المرجوة من ذلك.
أشير أولاً إلى أن الفائدة من دخول الأجانب إلى سوق الأسهم السعودية تكمن في أن ذلك يرفع من السيولة اليومية، ويدعم عمليات رفع رأس المال، ويحرك سوق السندات، ويعزز مكانة السوق السعودية على المستوى العالمي بالشكل الذي يضعها في قائمة البورصات الناشئة. حيث من المعلوم أن مؤسسة مورجان ستانلي تفرض على البورصات الناشئة السماح بنسب تملك معينة للأجانب لإدراج بورصاتها في مؤشرات مورجان ستانلي. الأمر الآخر هو أن تملك الأجانب بشكل عام هو في الواقع مسموح به في المملكة منذ عشرات السنين، بل إن الدولة تشجع عليه، وبعد تأسيس الهيئة العامة للاستثمار أصبح من الممكن تأسيس شركات أجنبية بنسب تملك مختلفة تصل إلى 100 في المائة. وعلى الرغم من أن السياسة المعلنة في المملكة هي تشجيع دخول رأس المال الأجنبي، إلا أن الأسهم السعودية لم تتماش مع هذا التوجه بشكل كامل، بل تم أولاً فتح المجال للأجانب بالاستثمار في الصناديق الاستثمارية وصناديق المؤشرات، ثم سمح للأجانب المقيمين في المملكة، بغض النظر عن جنسياتهم، بتداول الأسهم السعودية، دون أي شروط تتعلق بنسب الملكية أو أي ضوابط بخصوص ما يعرف بالأموال الساخنة التي تدخل سريعاً وتخرج سريعاً، لكن بقيت الأسهم السعودية بمنأى عن المستثمر الأجنبي الخارجي.
بإمكان هيئة السوق المالية السعودية الأخذ بما هو معمول به في بعض دول الخليج من حيث السماح للأجانب بتملك الأسهم بنسب تصل إلى 49 في المائة في دبي وأبو ظبي، وهي النسبة ذاتها للتملك المسموح به للشركات الأجنبية في الإمارات، خارج المناطق الحرة التي يسمح التملك فيها بنسبة 100 في المائة. وفي قطر تم تحديد الحد الأعلى عند 25 في المائة، وتُـرك للشركات حرية تحديد النسبة حسب ظروف كل شركة. وهذا ممكن الأخذ به في المملكة، بحيث يسمح بالتملك بنسبة 49 في المائة، وتترك للجمعيات العامة تحديد النسبة بحيث لا تتجاوز هذا الحد الأعلى. وبخصوص الشركات التي لها ظروف وطنية حساسة، يمكن إصدار تنظيم خاص بها يمنع التملك فيها بالكامل، أو يحدد نسبة معينة أقل من 49 في المائة. كما أنه من المهم ملاحظة أن ملكية الشركات السعودية بشكل عام إما أنها مملوكة للدولة بنسب عالية تصل إلى 70 في المائة في بعض الشركات مثل سابك وشركة الكهرباء وشركة الاتصالات، أو أنها مملوكة لمؤسسات عائلية أو لأفراد مؤسسين بنسب عالية،حيث إن الحد الأدنى لطرح الأسهم للاكتتاب هو نسبة 30 في المائة من إجمالي عدد الأسهم، ما يعني أن التخوف من امتلاك الأجانب شركات بأكملها، أو حتى امتلاك حق التصويت، لن يكون سهلاً من ناحية عملية.
كثير من الدول حول العالم تمارس نوعا من التحفظ تجاه تملك الأجانب الأسهم، بشكل يختلف عن تملك الشركات من خلال برامج الاستثمارات الأجنبية المباشرة، والسبب هو أن تأسيس الشركات الأجنبية له ضوابط معينة تجعل من الممكن السيطرة على نوعية الشركات وملاءة المستثمرين فيها، بينما في سوق الأسهم لا بد من إيجاد ضوابط للسيطرة على إمكانية تملك شركات سعودية دون الالتزام بضوابط الاستثمار الرسمية. ومعظم البورصات الدولية توجد فيها ضوابط، تقتصر في حالة الولايات المتحدة على مسألة الأمن الوطني، وتتفاوت في دول أخرى من قائمة استثناء معلنة إلى نسب محددة. وبالعودة لأهمية السماح بتملك الأجانب، نجد أن الولايات المتحدة هي أكبر دولة تستثمر خارجياً، وفي الوقت نفسه هي أكبر دولة لاستقطاب رؤوس الأموال الأجنبية، ما يعني أن هناك علاقة بين حجم الاستثمارات الأجنبية الداخلة والخارجة من جهة، ومن جهة أخرى منح صادرات الدولة مجالاً أكبر في الدخول إلى دول عديدة، وهو ما تسعى إليه الصين حالياً في إرخاء قيود تدفق الاستثمارات الأجنبية إلى الصين.
أما في الهند فقد سمحت الحكومة الهندية في السنوات القليلة الماضية بدخول الأجانب إلى بورصاتها من خلال البرنامج المسمى المستثمر المالي المؤهل، الذي يسمح لأفراد دول معينة، تشمل السعودية، بامتلاك الأسهم الهندية، بشرط ألا تتجاوز نسبة تملك الشخص الواحد 5 في المائة من أسهم أي شركة، وبحد أقصى 10 في المائة من أسهم أي شركة في حالة تملك أكثر من شخص واحد لأسهم شركة واحدة. أما الصين فهي معروفة بقيودها، نتيجة الإرث الشيوعي الصارم، إلا أن لديها برنامجا يسمى المستثمر الأجنبي المؤسساتي، وهو مقصور على المؤسسات ولا يتعامل مع الأفراد، كما هو الحال في الهند. وتقوم الحكومة الصينية بتحديد مبلغ إجمالي لتملك الأجانب، تم رفعه أخيرا إلى 80 مليار دولار، وبحد أقصى مليار دولار للجهة. وأكثر هذه الجهات هي شركات استثمارية كبيرة ومعروفة أو صناديق سيادية لدول مثل النرويج وسنغافورة وقطر والإمارات (أبوظبي).
وواضح من نسب التملك المسموح بها أن الحكومة الصينية تشجع الصناديق المملوكة من قبل الحكومات أكثر من الشركات الاستثمارية، ربما كنوع من البحث عن الاستقرار والابتعاد عن خطورة الأموال الساخنة. وأعلنت الصين أخيرا أنها سترفع حصة الأجانب إلى عشرة أضعاف مقدارها الحالي في الفترات القادمة، علماً بأن الحد الأقصى للتملك في أي شركة هو 30 في المائة. وعلى الرغم من ضخامة المبلغ، 80 مليار دولار، إلا أن ذلك لا يصل إلى 2 في المائة من رسملة السوق الصينية.
ختاماً، من الواضح أن لدينا عددا من الخيارات، تتمثل في العمل حسب النموذج الخليجي الذي يحدد نسبة معينة كحد أقصى، ويسمح للأفراد والمؤسسات بالتملك، أو النموذج الهندي الذي يحدد المستثمر المؤهل الفردي،حسب ضوابط تتعلق بعلاقة الهند مع بعض الدول، أو النموذج الصيني الموجه للمؤسسات المالية، التي تجاوز عددها 170 جهة، بحيث تتم السيطرة على تدفق الأموال من خلال حد أعلى لحجم الأموال المستثمرة.