ترددت كثيرا في كتابة هذا الموضوع، ولكن من باب المناصحة، وإبراء للذمة، كوني أحد أعضاء هذا المنتدى، ومن باب حب الخير للغير.. أكتب لكم هذه الخلاصة/
أولا:: يقول الرسول –صلى الله عليه وسلم- : "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ مانوى..." [متفق عليه]. فمناط الحكم في المعاملات الإسلامية هو النية، فإذا كانت نية المشتري للأسهم هي المساهمة في الشركة المعنية من أجل انتظار عائدها الربحي نهاية العام، أو نموها ومستقبلها التشغيلي الواعد، وكانت أسعارها عقلانية فإن ذلك جائز في حقه، حتى لو باعها لاحقاً لاعتبارات معينة، أما إذا اشترى أسهم الشركات المتردية أوالنطيحة والتي ليس لها مستقبل مبشر، وإنما اشتراها لمجرد بيعها بعد حين فأخشى أن تكون العملية هي نوع من القمار، وأقله المعاملات المحرمة.
ثانيا:: شبهة وجود عقد صوري وليس حقيقي لوجود القرائن المعتبرة شرعا والتي كشفت أن الإرادة الحقيقية للمتعاقدين لم تتجه نحو إنجاز عقد بيع حقيقي مقصودة آثاره وهي التمليك والتملك، وإعمار الأرض.
ثالثا:: سلوك المضاربين في الأسهم المتردية أو النطيحة أو في الأسهم المتضخمة لا يرتكز على أي مبررات اقتصادية، إنما هو ضرب من المراهنة (فالمضارب إنما يستثمر أمواله بتعريضها للخسارة العالية في سبيل تحقيق أسعار عالية لو صدق حدسه, فكأنما هو يراهن على اتجاه الأسعار!!)، فلقد ناقش الاقتصاديون هذا السؤال, فالبعض يرى أنهما متشابهان من عدة أوجه, فكلاهما يعتمد تحقيق نتائج في المستقبل المجهول, وكلاهما ينطوي على مخاطر الخسارة الكبيرة بغية تحقيق ال الكبيرة, بينما يرى البعض الآخر أن هناك فرقاً, وهو بينما يعتمد القمار على خلق مخاطر لا وجود لها بدون القمار تعتمد المضاربة على افتراض وجود مخاطر تجارية في عالم الواقع.
رابعا:: تنطبق على عدم التأكد، أو الغَرر في صفقات المضاربة شروط الغَرر المحرم. من حيث إنه عقد مالي، والغَرر فيه كبير، وأن الغَرر هو محل العقد لأن السهم ليس هو المقصود في البيع في المضاربة، وإنما فروق الأسعار هي محل العقد، وأن المضاربة لا تدعو إليها حاجة أو ضرورة.
خامسا:: في المضاربة أضرار مشابهة لأضرار القمار، فمن أضرار المضاربة:
أ) أن المضاربة تؤدي إلى الحصول على المال بطريقة سهلة، وهذا يناقض أخلاقيات العمل والإنتاجية، ولا يربط الدخل بالجهد المبذول فيه.
ب) المضاربة تلغي الوظائف الاقتصادية المفيدة لسوق الأسهم، حيث تعتبر سوق الأسهم معيارا لأداء الشركات ونجاحاتها، ومقياسا للنمو الاقتصادي للدولة.
ج) إن المضاربة سلوك غير رشيد وخاسر، ويؤدي إلى مشاكل مالية على مستوى الفرد، وعلى مستوى المؤسسات المالية، والسوق المالية والاقتصاد ككل.
د) إن المضاربة محطمة للفرد والمجتمع، فمدمن المضاربة لا يستطيع مقاومة الميل للمضاربة، وهي تؤدي -كما يؤدي القمار- إلى تدميره وتدمير علاقاته الشخصية والعائلية والاجتماعية، فقد أثبت الواقع أن للمضاربات بالصورة التي نراها اليوم في الأسهم لها آثار سيئة على الفرد والمجتمع، فنشاهد تعثر كثير من صغار المتداولين، والذين يُعتبرون وقود السوق، وهم الذين يمثلون الغالبية بين المتداولين مما أدى إلى انتكاسات خطيرة، كانت سبباً في تراكم الديون عليهم، وربما إلى وصولهم إلى مستوى تحت خط الفقر، وذلك في غمضة عين، وفي هذه اللعبة (المضاربة) لا نعرف إمكانية تدخّل الدول، لاسيما وهي تدرك أن هناك من يحققون ثروات هائلة في مقابل آخرين يفقدون نسبة كبيرة من ثرواتهم البسيطة أثناء مطاردة وهم الثراء السريع، لكن قانوناً يرشد العملية لا يبدو متوفراً هذه الأيام؛ لأن مبدأ العرض والطلب لا يزال الحكم.
ه) عدم الاستقرار في أسعار السلع التجارية وأسعار الصرف للعملات الرئيسي.
سابعا:: هذا الموضوع جدير بأن يعاد فيه النظر من قبل المجامع العلمية، وما يكتنف هذه المعاملات من مصالح ومفاسد، ومدى شبه هذه المضاربات بالقمار، حتى يصدر الناس عن رأي موثوق به، يدرس الموضوع من كل جوانبه، ويحدد مواقع الزلل، ويضع الحلول الشرعية المناسبة.
*******************
*******************
وأنقل لكم خلاصة بحث الشيخ/ عبدالرزاق عفيفي –رحمه الله- عضو هيئة كبار العلماء واللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في كتابه الذي أسماه (بورصة الأوراق المالية والضرائب) طبعة دار الصميعي للنشر والتوزيع. نقل –رحمه الله- كلام محافظ مؤسسة النقد: "يوفر سوق الأسهم مجالاً يساعد المدخرين على استثمار مدخراتهم في أصول(هي الأسهم)يمكن تحويلها إلى سيولة نقدية بسهولة عند الحاجة, كما يستطيع الفرد المتاجرة بالأسهم وتحقيق الربح, وذلك بالبيع والشراء في الأوقات التي يراها مناسبة. وقد ساعدت المضاربة في أسواق الأسهم في تزايد حدة تقلبات الأسعار بسبب الشراء المفرط ,عندما يتوقع ارتفاع الأسعار, أو البيع بسبب توقع انخفاض الأسعار, وغالباً ما يحدث هذا استجابة إلى ما يروج من شائعات, والتي تروج عن قصد أحياناً من قبل المتلاعبين بالأسعار أو المطلعين على أسرار الشركات وتزيد حدة المضاربة كلما توفرت السيولة المالية" انتهى كلام محافظ مؤسسة النقد.ثم نقل الشيخ عبدالرزاق عفيفي رحمه الله رأي الاقتصادي محمد أفندي فهمي حسين عن مضار المضاربة في البورصة من كتابه (الاقتصاد السياسي): "إن المضاربة لاسيما أذا كانت في الفروق لا تختلف كثيراً عن المقامرة, بل هي مثلها في أكثر الأحوال, غير أن ضررها أبلغ من ضرر المقامرة, فالمضاربة في فرق السعر تسحب الثقة من السوق, وتحدث تأثيراً سيئاً في أخلاق كثيرين, فتستهويهم شياطينهم حتى يقبلوا عليها, ومتى أقبلوا, أدبرت سمعتهم وأصبحوا معرضين في كل آن إلى الإفلاس, وإن استدرجهم الربح في أول الأمر كما هو الحال في المقامرة".وقد علق الشيخ عبد الرزاق عفيفي على الكلام المتقدم حسب الترقيم: 1- يقول الشيخ عبد الرزاق عفيفي -رحمه الله-: "ليس المراد بهذه المضاربة الإسلامية المعروفة عند الفقهاء بل المضاربة بمعنى مصطلح عليه بين التجار وهو أقرب ما يكون إلى المغامرة والمخاطرة". 2- ويقول أيضا -رحمه الله-: "ذلك لأنها لم تقضي على التلاعب فلم تستقر الأسعار واستمرت المخاطر, فلم تحمي تلك القواعد التنظيمية الجمهور ولا الكثير من التجار من الأخطار والمضاربات فكانت محرمة, وإن كان فيها نشاط الأسواق فمفسدتها تربى على منفعتها". 3- ويقول أيضا -رحمه الله-: "هذا الذي يشهد له الواقع". 4- ويقول أيضا -رحمه الله-: "كلاهما يعتمد إيقاع نفسه في مخاطر ويخوض غمارها طمعاً في الكسب من غير وجهه الشرعي". 5- ويقول أيضا -رحمه الله-: "هذا مثار الضرر الفاحش ومكمن المخاطرة البالغة". 6- ويقول أيضا -رحمه الله-: "المضار مكمن الخطر".
وخلاصة كلام الشيخ عبد الرزاق عفيفي -رحمه الله- في نهاية هذا البحث العلمي: "أن تقلب الأسعار في هذه الأسواق ارتفاعاً وانخفاضاً مفاجئاً وغير مفاجئ بحدة وغير حدة لا يخضع لمجرد اختلاف حالات العرض والطلب, بل يخضع لعوامل أخرى مفتعلة, بذلك يُعلم ما في أنواع البورصة من غرر فاحش ومخاطرة بالغة وأضرار فادحة قد تنتهي بمن يخوض غمارها من التجار العاديين ومن في حكمهم إلى الإفلاس, وهذا ما لا تقره شريعة الإسلام ولا ترضاه, فإنها شريعة العدل والرحمة والإحسان" انتهى كلامه رحمه الله.
وختاما:: إن أحسنت فمن الله ، وإن أسأت فمن نفسي والشيطان.
أعوذ بالله أن أقول زورا، أو أغشى فجورا، أو أكون في نفسي مغرورا..